الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وله أن يشهد بما سمع أو رأى في مثل البيع والإقرار وحكم الحاكم والغصب والقتل وإن لم يشهد عليه ) لأنه علم ما هو الموجب بنفسه وهو الشرط وقوله كالبيع مثال لهما [ ص: 69 ] فإنه إن عقداه بإيجاب وقبول كان من المسموع وأن بالتعاطي فهو من المرئيات واختلفوا هل يشهد بالبيع أو بالأخذ والإعطاء لكونه بيعا حكميا لا حقيقيا ذكره الشارح لكن مراد الثاني أنه يجوز كل منهما لا أنه يتعين الشهادة بالتعاطي لما في البزازية وفي بيع التعاطي يشهدون بالأخذ والإعطاء ولو شهدوا بالبيع جاز . ا هـ .

                                                                                        ولا بد من بيان الثمن في الشهادة على الشراء ; لأن الحكم بالشراء بثمن مجهول لا يصح كما في شهادات البزازية وفي الخلاصة رجل حضر بيعا ثم احتيج إلى الشهادة للمشتري ليشهد له بالملك بسبب الشراء ولا يشهد له بالملك المطلق قال ورأيت في موضع آخر أنه يحل والأول أصح لأن الملك المطلق ملك من الأصل والملك بالشراء حادث . ا هـ .

                                                                                        وأشار بقوله وإن لم يشهد عليه إلى أنه لا يشترط أن يعلم المقر بالشاهد بالأولى فلو اختفى الشاهد وستر نفسه ويرى وجه المقر ويفهمه والمقر لا يعلمه وسعه أن يشهد وهكذا يفعل بالظلمة كما في خزانة الأكمل وأشار بقوله بما سمع إلى أنه لا بد من علم الشاهد بما يشهد به ولهذا قال في النوازل سئل أبو القاسم عن رجل ادعى على ورثة ميت مالا فأمر بإثبات ذلك فأحضر شاهدين فشهدا أن المتوفى قد أخذ من هذا المدعي منديلا فيه دراهم ولم يعلما كم وزنها أتجوز شهادتهما وهل يجوز للشاهدين أن يشهدا بذلك قال إن كان الشهود وقفوا على تلك الصرة وفهموا أنها دراهم وحرروها فيما يقع عليه تعيينهم من مقدارها شهدوا بذلك وينبغي أن يعتبرا جودتها فإنها قد تكون ستوقا فإذا فعلوا ذلك جازت شهادتهم ا هـ .

                                                                                        وفي خزانة الأكمل رجل في يده درهمان كبير وصغير فأقر بأحدهما لرجل فشهدا أنه أقر بأحدهما ولا ندري بأيهما أقر فإنه يؤمر بتسليم الصغير ا هـ .

                                                                                        والإقرار يصح أيضا أن يكون مثالا لهما أما كونه من المسموعات فظاهر ، .

                                                                                        وأما كونه من المرئيات فبالكتاب لما في البزازية من كتاب الإقرار كتب كتابا فيه أقر بين يدي الشهود فهذا على أقسام الأول أن يكتب ولا يقول شيئا وأنه لا يكون إقرارا فلا تحل الشهادة بأنه إقرار قال القاضي النسفي إن كتب مصدرا مرسوما وعلم الشاهد حل له الشهادة على إقراره كما لو أقر كذلك وإن لم يقل اشهد علي به وعلى هذا إذا كتب للغائب على وجه الرسالة أما بعد فلك علي كذا يكون إقرارا ; لأن الكتاب من الغائب كالخطاب من الحاضر فيكون متكلما والعامة على خلافه ; لأن الكتابة قد تكون للتجربة وفي حق الأخرس يشترط أن يكون معنونا مصدرا وإن لم يكن إلى الغائب الثاني كتب وقرأ عند الشهود لهم أن يشهدوا به وإن لم يقل اشهدوا علي الثالث أن يقرأ هذا عندهم غيره فيقول الكاتب اشهدوا علي به الرابع أن يكتب عندهم ويقول اشهدوا علي بما فيه إن علموا بما فيه كان إقرارا وإلا فلا وذكر القاضي ادعى عليه مالا فأخرج خطا وقال أنه خط المدعى عليه بهذا المال فأنكر أن يكون خطه فاستكتب وكان بين الخطين مشابهة ظاهرة دالة على أنهما خط كاتب واحد لا يحكم عليه بالمال في الصحيح ; لأنه لا يزيد على أن يقول هذا خطي وأنا حررته لكن ليس على هذا المال وثمة لا يجب كذا هنا إلا في تذاكر الباعة والصراف والسمسار . ا هـ .

                                                                                        ذكره أيضا وفيها أيضا من أول الشهادات بأتم من هذا فلينظر وقد أوضح ابن وهبان في شرحه مسألة خط السمسار والصراف فليراجعه من أرادها وسنذكرها إن شاء الله تعالى في محلها والنكاح لا يكون إلا قولا وكذا لو ادعى التزوج فشهدا له بأنها زوجته تقبل كما في الخلاصة والإجارة كالبيع وتنعقد بالقول وبالتعاطي والوقف قول ولا يشترط في الشهادة به بيان الواقف على الصحيح على ما ذكره في وقف البزازية وشرطه لقبولها في كتاب الشهادات ثم اعلم أنه إذا شهد بالبيع فإن كان المبيع في يد غير البائع فلا بد أن يشهد بملك البائع بخلاف ما إذا كان في يده ، وأما الشهادة بالإجارة فلا يشترط أن يشهدوا بأن العين المؤجرة ملك المؤجر والفرق أن إجارة الغاصب المغصوب صحيحة بلا إذن المالك ويستحق الأجرة كذا في دعوى البزازية وكذا في الشهادة بالشراء والقبض وكذا الهبة مع القبض [ ص: 70 ] لا يحتاجان إلى الشهادة بالملك للبائع والواهب كذا في الصغرى .

                                                                                        والحاصل أنهم إذا شهدوا بالشراء لمدعيه فلا بد من الشهادة بملك المدعي أو البائع أو يد البائع أو أن البائع سلمها للمشتري وفي الشهادة بالبيع لا بد من ذكر ملك البائع أو يده وهذا إذا شهدوا بالبيع على غير البائع فلو شهدوا به عليه لم يشترط شيء منهما كما في منية المفتي ويشترط في الشهادة بالإقرار رؤية المقر لما في شهادات البزازية وذكر الخصاف رجل في بيت وحده ودخل عليه رجل ورآه ثم خرج وجلس على الباب وليس للبيت مسلك غيره فسمع إقراره من الباب بلا رؤية وجهه حل له أن يشهد بما أقر وفي العيون رجل خبأ قوما لرجل ثم سأله عن شيء فأقروهم يسمعون كلامه ويرونه وهو لا يراهم جازت شهادتهم وإن لم يروه وسمعوا كلامه لا تحل لهم الشهادة ا هـ .

                                                                                        وفي الجامع الصغير شرط رؤية وجه المرأة ورأيت الإمام خالي أمرها بكشف الوجه وأمرها بالخروج ويؤيده ما في العيون كذا في الخلاصة وفي جامع الفصولين حسرت عن وجهها وقالت أنا فلانة بنت فلان بن فلان وهبت لزوجي مهري فلا يحتاج الشهود إلى شهادة عدلين أنها فلانة بنت فلان ما دامت حية إذ يمكن الشاهد أن يشير إليها فإن ماتت فحينئذ يحتاج الشهود إلى شهادة عدلين بنسبها وقال قبله لو أخبر الشاهد عدلان أن هذه المقرة فلانة بنت فلان يكفي هذا للشهادة على الاسم والنسب عندهما وعليه الفتوى ألا يرى أنهما لو شهدا عند القاضي يقضي بشهادتهما والقضاء فوق الشهادة فتجوز الشهادة بإخبارهما بالطريق الأولى فإن عرفهما باسمهما ونسبهما عدلان ينبغي للعدلين أن يشهدا الفرع على شهادتهما فيشهد عند القاضي عليها بالاسم والنسب وبالحق أصالة ا هـ .

                                                                                        وأما حكم الحاكم فيصح أن يكون من قبيل المسموع بأن كان بالقول ويصح أن يكون من المرئيات إن كان فعلا على ما قدمناه ، وأما الغصب والقتل فلا يكونان إلا من المرئيات ومن قصر البيع والإقرار والحكم على المرئيات فقد قصر والتحقيق ما أسمعتك ولو قال المؤلف ولو قال له لا تشهد علي بدل قوله وإن لم يشهد عليه لكان أفود لما في الخلاصة لو قال المقر لا تشهد علي بما سمعت تسعه الشهادة ا هـ فيعلم حكم ما إذا سكت بالأولى وإذا سكت يشهد بما علم ولا يقول أشهدني لأنه كذب وفي النوازل سئل محمد بن مقاتل عن شريكين يتحاسبان وعندهما قوم وقالا لا تشهدوا علينا بما تسمعونه منا ثم أقر أحدهما لصاحبه بشراء أو باع شيئا فطلب المقر له بعد ذلك منهم الشهادة قال ينبغي لهم أن يشهدوا بذلك وهو قول محمد بن سيرين ، وأما الحسن البصري والحسن بن زياد فإنهما يقولان لا يشهدون به قال الفقيه وروي عن أبي حنيفة أنه قال ينبغي لهم أن يشهدوا وبه نأخذ ا هـ .

                                                                                        ثم قال بعده قال الفقيه إن كان يخاف على نفسه أنه إذا أقر بشيء صدق وادعى أن شريكه قبض لا يصدقه يقول للمتوسط اجعل كان هذا المال على غيري وأنا أعبر عنه ثم يقول قبض كذا وكذا فيبين الجميع من غير أن يضيف إلى نفسه كي لا يصير حجة عليه ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أن المقر إذا قال للشاهد لا تشهد علي بما سمعته فله أن يشهد عليه إلا إذا قال له المدعي لا تشهد عليه ذكره في حيل التتارخانية من حيل المداينات معزيا إلى الخصاف حملا على أنه مبطل في دعواه لكن نقل بعده الاختلاف فيما لو جاء المدعي بعد النهي وطلب من الشاهد الشهادة فليراجع

                                                                                        [ ص: 69 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 69 ] ( قوله ولا بد من بيان الثمن في الشهادة على الشراء إلخ ) سيذكر المسألة أيضا في آخر باب الاختلاف في الشهادة عند قول المتن ومن شهد لرجل أنه اشترى عبد فلان بألف إلخ ويأتي بسط الكلام عليها هناك ( قوله : وأما كونه من المرئيات فبالكتابة إلخ ) أي بناء على ما قاله النسفي وهو خلاف ما عليه العامة نعم أفتى به الشيخ سراج الدين قارئ الهداية إذا كان على رسم الصكوك واعترف بأنه خطه أو شهدوا عليه به وقد شاهدوا كتابته وعرفوا ما كتبه أو قرأه عليهم هذا حاصل ما أجاب به في موضعين من فتاواه ( قوله إلا في تذاكر الباعة ) رأيت في هامش نسخة قوله يا ركار بالياء المثناة تحت والراء المهملة آخرها راء مركب معناه المذكر وهو هنا الدفتر [ ص: 70 ] ( قوله وفي الجامع الصغير شرط رؤية وجه المرأة ) قال الرملي وسيأتي المختار للفتوى في آخر شرح المقولة ا هـ .

                                                                                        قلت : ما سيأتي غير هذا كما سنبينه ( قوله فإن عرفهما باسمهما ونسبهما عدلان ) هكذا في النسخ بضمير التثنية في الثلاثة والصواب حذفه والضمير للمؤنثة كما في جامع الفصولين وفيه ولا يجوز الاعتماد على إخبار المتعاقدين باسمهما ونسبهما لعلهما تسميا وانتسبا باسم غيرهما ونسبه يريدان أن يزورا على الشهود ليخرجا المبيع من يد مالكه فلو اعتمد على قولهما نفذ تزويرهما وبطل أملاك الناس وهذا فصل غفل عنه كثير من الناس فإنهم يسمعون لفظ الشراء والبيع والإقرار والتقابض من رجلين لا يعرفونهما ثم إذا استشهدوا بعد موت صاحب البيع شهدوا على ذلك الاسم والنسب ولا علم لهم بذلك فيجب أن يحترز عن مثل ذلك وطريق علم الشهود بالنسب أن يشهد عندهم جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب عند أبي حنيفة وعندهما شهادة رجلين كاف كما في سائر الحقوق أقول : يحصل للقاضي العلم بالنسب بشهادة عدلين فينبغي أن يحصل للشهود أيضا بشهادة عدلين كما هو قولهما . ا هـ .

                                                                                        ( قوله ولو قال المؤلف إلخ ) ظاهره أن كلامه لا يشمل مسألة النهي المذكورة مع أنه يشملها وسيأتي قريبا تقييد مسألة النهي بما إذا لم يكن من المدعي .




                                                                                        الخدمات العلمية