الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والشريك لشريكه فيما هو من شركتهما ) أي لم تقبل شهادته ; لأنه شهادة لنفسه من وجه لاشتراكهما قيد بما هو من شركتهما لجوازها بما ليس من شركتهما لانتفاء التهمة وأطلقه فشمل شركة الأملاك وشركة العقود عندنا ومفاوضة ووجوها وصنائع وخصصه في النهاية بشريك العنان قال وأما شهادة أحد المفاوضين لصاحبه فلا تقبل إلا في الحدود والقصاص والنكاح ; لأن ما عداها مشترك بينهما وتبعه في العناية والبناية وزاد في فتح القدير على الثلاثة الطلاق والعتاق وطعام أهله وكسوتهم وتعقبه الشارح بأنه سهو فإنه لا يدخل في الشركة إلا الدراهم والدنانير ولا يدخل فيه العقار ولا العروض ولهذا قالوا لو وهب لأحدهما مال غير الدراهم والدنانير لا تبطل الشركة ; لأن المساواة فيه ليست بشرط ا هـ .

                                                                                        وما ذكره في النهاية هو صريح كلام محمد في الأصل كما ذكره في المحيط البرهاني ثم قال وشهادة أحد شريكي العنان فيما لم يكن من تجارتهما مقبولة لا فيما كان منها ولم يذكر هذا التفصيل في المفاوضة ; لأن العنان قد يكون خاصا وقد يكون عاما ، وأما المفاوضة فلا تكون إلا في جميع الأموال وقد عرف ذلك في كتاب الشركة وعلى قياس ما ذكره شيخ الإسلام في كتاب الشركة أن المفاوضة تكون خاصة يجب أن تكون المفاوضة على التفصيل الذي ذكرنا في العنان ا هـ .

                                                                                        وشمل كلام المؤلف ما إذا شهدا أن لهما ولفلان على هذا الرجل ألف درهم فهي على ثلاثة أوجه : الأول أن ينصا على الشركة فلا تقبل .

                                                                                        الثاني أن ينصا على قطع الشركة بأن قالا نشهد أن لفلان على هذا خمسمائة بسبب على حدة ولنا عليه ضمانه بسبب على حدة فتقبل . الثالث أن يطلقا فلا تقبل لاحتمال الاشتراك ولو كان لواحد على ثلاثة دين فشهد اثنان أن الدائن أبرأهما وفلان عن الألف فإن كانوا كفلاء لم تقبل وإلا فإن شهدوا بالإبراء بكلمة واحدة فكذلك [ ص: 83 ] وإلا تقبل كذا في المحيط البرهاني وأشار المؤلف رحمه الله إلى قاعدة في الشهادات وهي أن كل شهادة جرت مغنما أو دفعت مغرما لم تقبل للتهمة فلا تقبل شهادة المستأجر للأجير بالمستأجر والمستعير للمعير بالمستعار وشهادة الأجير الخاص كأجير المياومة والمشاهرة لا العام كالخياط لمن استأجره فتقبل ولا تقبل شهادة ذابح الشاة المأمور بذبحها لمدعيها على غاصبها ولا شهادة ابن البائع على أن الشفيع طلب الشفعة من المشتري ولا شهادة المودع بها وتقبل شهادة الوكيل بالنكاح بالطلاق والوكيل بالشراء بالعتق وشهادة ابن البائع على الشفيع بتسليم الشفعة إلى المشتري ولا تقبل على أن المشتري سلمها إلى الشفيع ولا تقبل شهادة البائع على أن المشتري أعتق العبد ولا شهادة المعتق بقدر الثمن إذا اختلفا وتقبل إذا شهد بإيفاء الثمن أو إبراء البائع .

                                                                                        ولا تقبل شهادة المودع والمستعير والمستأجر للمدعي قبل الرد وتقبل شهادة المرتهن ولو شهد المودع أو المستأجر للعبد بإعتاق مولاه أو تدبيره أو كتابته عند دعواه جازت لا ببيعه وتمام تفريعاته في المحيط وهنا مسائل متفرعة على عدم شهادة الشريك لشريكه : الأولى شهدا أن زيدا أوصى بثلث ماله لقبيلة بني فلان وهما من تلك القبيلة صحت ولا شيء لهما منها . الثانية لو أوصى لفقراء جيرانه وهما منهم فالحكم كذلك . الثالثة لو أوصى لفقراء بيته أو لأهل بيته وهما منهم لم يصح ولو كانا غنيين صحت والفرق بين الأوليين والثالثة أنه يجوز فيهما تخصيص البعض منهم بخلافه في الثالثة .

                                                                                        الرابعة لو أوصى لفقراء جيرانه فشهد من له أولاد محتاجون منهم لم تقبل مطلقا في حق الأولاد وغيرهم والفرق بينهما وبين أولادهما أن المخاطب لم يدخل تحت عموم خطابه فلم يتناولهما الكلام بخلاف الأولاد فإنهم داخلون تحت الشهادة وإنما أدخلنا المتكلم في مسألة الشهادة لفقراء أهل بيته باعتبار أنهم يحصون بخلاف فقراء جيرانه وبني تميم وذكر قاضي خان في فتاواه من الوقف لو شهدا أنها صدقة موقوفة على فقراء جيرانه وهما منهم جازت ولو على فقراء قرابته لا قال الناطفي في الفرق إن القرابة لا تزول والجواز يزول فلم يكن شهادة لنفسه لا محالة ا هـ .

                                                                                        وأهل بيت الإنسان لا يزول عنهم الاسم ; لأنهم أقاربه الذين في عياله فلهذا لم تقبل فيها ولكن يشكل بمسألة قبيلة فإن الاسم عنهم لا يزول مع قبولها ولكن لا يدخلون ويمكن الفرق بين الوصية والوقف بما أشار إليه ابن الشحنة وقال قاضي خان عقب ما نقلته عنه فعلى هذا شهادة أهل المدرسة بوقفها جائزة وقال في موضع آخر .

                                                                                        وأما أصحاب المدرسة إذا شهدوا بالوقف على المدرسة قال بعضهم إن كان الشاهد يطلب لنفسه حقا من ذلك لا تقبل وإلا تقبل قياسا على مسألة الشفعة لو شهد بعض الشفعاء بالبيع فإن كان لا يطلبها تقبل قال رضي الله تعالى عنه وعندي هذا يخالف الشفعة ; لأن حق الشفعة مما يحتمل الإبطال أما الوقف على المدرسة من كان فقيرا من أصحاب المدرسة يكون مستحقا للوقف استحقاقا لا يبطل بإبطاله فإنه إذا قال أبطلت حقي كان له أن يطلب ويأخذ بعد ذلك فكان شاهدا لنفسه فيجب أن لا تقبل ا هـ .

                                                                                        وتعقبه الطرسوسي بقوله فيه نظر ; لأن الفقيه من أهل المدرسة يمكنه أن يعزل نفسه فلا تبقى له وظيفة أصلا فكيف يقول لا يمكنه إبطاله ورده ابن وهبان بأن هذا الاعتراض ليس بشيء فإن الواقف إذا وقف على من اتصف بصفة الفقه والفقر مثلا والإقامة استحق من اجتمعت فيه شرائط الوقف ولا اعتبار بعزله نفسه بل لو عزل نفسه في كل يوم مائة مرة ثم طلب أخذ كالوقف على الابن إذا عزل نفسه من الوقف فإنه لا ينعزل وصاحب الفوائد لم يفهم هذا من كلام قاضي خان بل جرى على عادة أوقاف المدارس في بلادنا فإن الواقف يجعل النظر فيه إلى الحاكم مثلا أو إلى الناظر ويجعل له ولاية العزل والتقرير والإعطاء والحرمان من اتصف بصفة الفقه على مذهب من المذاهب فحينئذ إذا أبطل ذلك حقه وعزل نفسه صح وليس له العود إلا أن يقرره الحاكم أو من له ولاية التقرير وليس كلام قاضي خان في ذلك بل كلامه فيمن وقف [ ص: 84 ] الواقف عليه وذلك يستحق ما وقف عليه الواقف ولا يبطل بإبطاله له ا هـ .

                                                                                        وفيما قال نظر لي ; لأن الواقف إذا وقف على الفقهاء مثلا فإن الفقيه لا يستحق في ذلك الريع إلا بالتقرير ممن له ولايته وكذا على الفقراء لا أنه يستحق من كان فقيها أو فقيرا مطلقا كما توهمه ابن وهبان لأن الفقيه والفقير الطالب لم يتعينا ولا يمكن أن ينصرف إلى كل فقيه وكل فقير وإنما هو للجنس ويتعين بالتقرير فالحق أن من أسقط حقه من وظيفة تقرر فيها فإنه يسقط حقه سواء كان الوقف على جنس الفقهاء أو على عدد معين منهم كما هو في أوقاف القاهرة وإن أسقط حقه من وقف على الفقهاء والفقراء بلا تعيين ولم يقرر في وقفهم لم يصح لعدم تعينه فللناظر أن يقرره بعده ويعطيه ما خصه ; لأنه يطلب ويأخذ بلا تقرير فمعنى الاستحقاق الذي لا يبطل بالإبطال في كلام قاضي خان جواز أن يقرر بعد إبطاله ويعطي بعده من وقف على الفقهاء ومعنى قول الطرسوسي أنه يبطل بعزله نفسه إذا كان بعد تقريره وليس هذا كالوقف على الابن كما توهمه ابن وهبان ; لأن استحقاق الابن لا يتوقف على تقرير بخلاف استحقاق الفقيه كما لا يخفى بقي من جنس المسائل السابقة مسألة لو شهدا على وقف في مكتب فيه أولادهم .

                                                                                        قيل يصح وقيل لا والأظهر الصحة ; لأن كون أولادهم في المكتب غير لازم فلا تكون شهادتهم لهم كشهادة أهل المدرسة وفي وقف الظهيرية بعد أن ذكر مسألة المدرسة وشهادة أهلها وشهادة أهل المحلة في وقف على المحلة ما نصه وكذلك الشهادة على وقف مكتب وللشاهد صبي في المكتب لا تقبل قيل وفي هذه المسائل كلها تقبل وهو الصحيح ا هـ .

                                                                                        وهكذا صحح القبول في البزازية في مسألة المكتب وشهادة أهل المحلة في وقف المسجد وشهادة الفقهاء على وقفية وقف على مدرسة كذا وهم من أهل تلك المدرسة والشهادة على وقف المسجد الجامع وكذا أبناء السبيل إذا شهدوا بوقف على أبناء السبيل إلى آخره فالمعتمد القبول في الكل وذكر ابن الشحنة بعده تنبيها ومن هذا النمط مسألة قضاء القاضي في وقف تحت نظره أو هو مستحق فيه ا هـ .

                                                                                        [ ص: 82 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 82 ] ( قوله وتعقبه الشارح بأنه سهو إلخ ) وكذا قال في الحواشي السعدية فيه بحث لأنه إذا كان ما عداها مشتركا يدخل في عموم قوله ما ليس من شركتهما فيشمل كلام المصنف شركة المفاوضة أيضا فلا وجه للإخراج فتأمل إلا أن يخص بالأملاك بقرينة السياق ثم إن قوله ; لأن ما عداهما مشترك بينهما غير صحيح فإنه لا يدخل في الشركة إلا الدراهم والدنانير إلخ .

                                                                                        [ ص: 83 ] ( قوله وشهادة الأجير الخاص إلخ ) قال الرملي وفي الخانية وذكر الخصاف أن شهادة الأجير لأستاذه مردودة وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله قالوا إن كان الأجير مشتركا تجوز شهادته في الروايات كلها وما ذكر في الديات محمول على هذا الوجه وإن كان أجير وحد مشاهرة أو مسانهة أو مياومة لا تقبل شهادته لأستاذه لا في تجارته ولا في شيء آخر وما ذكر في الكفالة محمول على هذا كذا ذكر الناطفي والصدر الإمام الأجل الشهيد ووجهه ظاهر ; لأن أجير الوحد يستحق الأجر بمضي الزمان وإذا كان يستوجب الأجر لزمان أداء الشهادة كان متهما فيما شهد أما الأجير المشترك لا يستوجب الأجر إلا بالعمل الذي عقدت عليه الإجارة فإذا لم يستوجب بشهادته أجرا انتفت التهمة عن شهادته ولهذا جازت شهادة القابلة على الولادة عند شرطها وهو العدالة ا هـ .

                                                                                        [ ص: 84 ] ( قوله ومن هذا النمط مسألة قضاء القاضي إلخ ) قال الرملي يعلم به جواز شهادة الناظر في وقف تحت نظره ; لأن القضاء والشهادة من باب واحد كما تقدم وقد أفتى به شيخ الإسلام الشيخ محمد الغزي في واقعة الحال بقوله الظاهر قبولها كما لو شهد بوقف مدرسة وهو صاحب وظيفة بها والله تعالى أعلم فتأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية