( قوله ولا يسمع القاضي ) وهو بفتح الجيم لغة من جرحه بلسانه جرحا عابه ونقصه ومنه جرحت الشاهد إذا أظهرت فيه ما ترد به شهادته كذا في المصباح وفي الاصطلاح إظهار فسق الشاهد فإن لم يتضمن ذلك إثبات حق لله تعالى أو للعبد فهو جرح مجرد وإن تضمن إثبات حق لله تعالى أو للعبد فهو غير مجرد والأول هو المراد من إطلاقه كما أفصح به في الكافي وهو غير مقبول مثل أن يشهدوا أن شهود المدعي فسقة [ ص: 99 ] أو زناة أو أكلة الربا أو شربة الخمر أو على إقرارهم أنهم شهدوا بالزور أو على إقرارهم أنهم أجراء في هذه الشهادة أو على إقرارهم أن المدعي مبطل في هذه الدعوى أو على إقرارهم أنهم لا شهادة لهم على المدعى عليه في هذه الحادثة وإنما لم تقبل ; لأن البينة إنما تقبل على ما يدخل تحت الحكم وفي وسع القاضي إلزامه والفسق مما لا يدخل تحت الحكم وليس في وسع القاضي إلزامه ; لأنه يدفعه بالتوبة ولأن الشاهد بهذه الشهادة صار فاسقا لأن فيها إشاعة الفاحشة بلا ضرورة وهي حرام بالنص والمشهود به لا يثبت بشهادة الفاسق ولا يقال إن فيه ضرورة وهي كف الظالم عن الظلم بأداء الشهادة الكاذبة وقال عليه السلام { الشهادة على الجرح } ; لأنا نقول لا ضرورة إلى هذه الشهادة على ملأ من الناس ويمكنه كفه عن الظلم بإخبار القاضي بذلك سرا إلا إذا شهدوا على إقرار المدعي أنهم فسقة أو شهدوا بزور أو نحوه لأنهم ما شهدوا بإظهار الفاحشة وإنما حكوا إظهارها عن غيرهم فلا يصيرون فسقة بذلك . انصر أخاك ظالما أو مظلوما
وكذا الإقرار مما يدخل تحت الحكم ويقدر القاضي على الإلزام ; لأنه لا يرتفع بالتوبة ولذا لو لم تقبل ; لأنه شهادة على جرح مجرد وأما الاستئجار وإن كان أمرا زائدا على الجرح ولكنه لا خصم في إثباته إذ لا تعلق له بالأجرة حتى لو أقام المدعى عليه البينة أن المدعي استأجر الشهود بعشرة دراهم لأداء الشهادة وأعطاهم العشرة من مالي الذي كان في يده تقبل ; لأنه خصم في ذلك ويثبت الجرح بناء عليه وكذا إذا أقام المدعى عليه البينة على أني صالحت الشهود على كذا من المال ودفعته إليهم على أن لا يشهدوا علي بهذا الباطل فإن شهدوا فعليهم أن يردوا ذلك المال على تقبل بينته لأن فيه ضرورة ليصل إلى ماله حتى لو قال لم أعطهم المال لم تقبل ; لأن فيه إظهار الفاحشة من غير ضرورة ، وأما الثاني أعني غير المجرد فهو كما لو أقام المدعى عليه البينة أنهم زنوا ووصفوا الزنا أو شربوا الخمر أو سرقوا مني كذا ولم يتقادم العهد أو أنهم عبيد أو أحدهم عبد أو شريك المدعي وللمدعي مال أو قاذف والمقذوف يدعيه أو محدودون في القذف أو على إقرار المدعي أنه استأجرهم على هذه الشهادة تقبل لمكان الحاجة إلى إحياء هذه الحقوق وفيها إذا شهدوا أنهم محدودون في قذف ليس فيه إشاعة الفاحشة ; لأن الإظهار حصل بالقضاء وإنما حكوا عن إظهار الفاحشة عن الغير كذا في الكافي بتمامه . أقام المدعى عليه البينة أن المدعي استأجرهم لأداء الشهادة
( وهنا تنبيهات مهمة ) يجب التنبيه عليها الأول أن النظر في الجرح المجرد وغيره إنما هو بعد التزكية الشرعية كما في السراج الوهاج فإذا فإن كان مجردا لم تقبل وإلا قبل ولكن عدم قبول الشهادة على الجرح المجرد أعم من أن يكون قبل التعديل أو بعده فإن قلت أليس الخبر عن فسق الشهود قبل إقامة البينة على عدالتهم يمنع القاضي عن قبول شهادتهم والحكم بها سأل القاضي عن الشهود سرا وعلنا وثبت عنده عدالتهم فطعن الخصم قلت نعم لكن ذلك للطعن في عدالتهم لا لثبوت أمر يسقطهم عن حيز القبول ولذا لو عدلوا بعد هذا تقبل شهادتهم ولو كانت الشهادة على فسقهم مقبولة لسقطوا عن حيز الشهادة ولم يبق لهم مجال التعديل ذكره ابن الكمال وفي شرح الوقاية لا تقبل [ ص: 100 ] إذا أقام البينة على العدالة أما إذا لم يقم البينة عليها فأخبر مخبر أن الشهود فساق أو أكلوا الربا فإن الحكم لا يجوز قبل ثبوت العدالة لا سيما إذا أخبر مخبران أن الشهود فساق . الشهادة على الجرح المجرد
الثاني أن التفصيل إنما هو فيما إذا ادعاه الخصم وبرهن عليه جهرا أما إذا أخبر القاضي به سرا وكان مجردا طلب منه البرهان عليه فإذا برهن عليه سرا أبطل الشهادة لتعارض الجرح والتعديل عنده فيقدم الجرح فإذا رد شهادته كما أفاد في الكافي كما قدمناه وظاهر كلامه أن الخصم لا يضره الإعلان بالجرح المجرد وإنما يشترط الإخبار سرا في الشاهد وفي الخانية يمكن دفع الضرورة من غير هتك الستر بأن يقول شاهد الجرح ذلك للمدعي سرا أو يقول للقاضي في غير مجلس الحكم فلا يباح إظهار الفاحشة من غير ضرورة ا هـ . قال الخصم للقاضي سرا أن الشاهد أكل الربا وبرهن عليه
الثالث : أن قولهم إذا تضمن حقا من حقوق الشرع لم يكن مجردا شامل لما إذا تضمن التعزير حقا لله تعالى فعلى هذا لو تقبل لتضمنه إثبات التعزير لكن الظاهر أن مرادهم من الحق الحد فلا يدخل التعزير لقولهم وليس في وسع القاضي إلزامه ; لأنه يدفعه بالتوبة ; لأن التعزير حق لله تعالى يسقط بالتوبة بخلاف الحدود لا تسقط بها فوضح الفرق ويدل عليه أنهم مثلوا للمجرد بآكل الربا مع أنه يوجب التعزير وبإقرارهم بالزور مع أنه يوجب التعزير فتعين إرادة الحدود فقط برهن أن الشاهد خلى بأجنبية
الرابع أنهم جعلوا من المجرد هم زناة شربة الخمر ومن غيره أنهم زنوا أو شربوا الخمر فيحتاج إلى الفرق بينهما فقال الشارح يحمل الأول على ما إذا تقادم العهد والثاني على ما إذا لم يتقادم وإلا فلا فرق بينهما الخامس أنه لا يدخل تحت الجرح ما إذا برهن على إقرار المدعي بفسقهم أو أنهم أجراء أو لم يحضروا الواقعة أو على أنهم محدودون في قذف أو على رق الشاهد أو على شركة الشاهد في العين كما قدمناه ولذا قال في الخلاصة للخصم أن يطعن بثلاثة أشياء أن يقول هما عبدان أو محدودان في قذف أو شريكان فإذا قال هما عبدان يقال للشاهدين أقيما البينة على الحرية وفي الآخرين يقال للخصم أقم البينة أنهما كذلك ا هـ .
فعلى هذا الجرح في الشاهد إظهار ما يخل بالعدالة لا بالشهادة مع العدالة فإدخال هذه المسائل في الجرح المقبول كما فعل ابن الهمام مردود بل من باب الطعن كما في الخلاصة وفي خزانة الأكمل لو برهن على إقرار المدعي بفسقهم أو بما يبطل شهادتهم يقبل وليس هذا بجرح وإنما هو من باب إقرار الإنسان على نفسه ا هـ .
السادس أن الإمام الخصاف لم يفرق بين المجرد وغيره في القبول إحياء للحقوق ولما كان مخالفا لصريح المذهب حمله المشايخ على ما إذا برهن على إقرار المدعى به أو على التزكية كما ذكره الشارح ومعنى قولهم أو على التزكية بأن يجعل كشاهد زكاه نفر وجرحه نفر ورده في فتح القدير بأن تقدم رده يعني لا ضرورة إلى [ ص: 101 ] إظهاره . السابع أن قولهم لو برهن على أن الشاهد شريك المدعي محمول على الشركة عقدا فمهما حصل من هذا الباطل يكون له فيه منفعة لا أن يراد أنه شريك في المدعى به وإلا كان إقرارا بأن المدعى به لهما . الثامن لو طعن الخصم بأنه ابن المدعي أو أبوه أو أحد الزوجين أو مملوكه تقبل كما في العناية .
والحاصل أن الطعن بما لا يكون فسقا بل رد الشهادة للتهمة مقبول ومنه ما إذا برهن أن الشاهد كان وكيلا عن المدعي وخاصم كما في السراج الوهاج وعلى هذا لو تقبل إذا قلنا أن المنع من شهادته عليه للتهمة وإن قلنا للفسق لا تقبل وينبغي أن يكون الطعن بما يخل بالمروءة مما لم يكن فسقا مقبول . برهن أن الشاهد عدوه بسبب الدنيا
التاسع أن الجرح المجرد إذا تضمن دفع ضرر عام يقبل ولذا قال في المعراج فإن قيل أليس أنه عليه الصلاة والسلام قال { } قلنا هو محمول على ما إذا كان ضرره يتعدى إلى غيره ولا يمكن دفع الضرر عنه إلا بعد الإعلام ا هـ . اذكروا الفاسق بما فيه
وعلى هذا يجوز إثبات فسق رجل عند القاضي إذا كان ضرره عاما كرجل يؤذي المسلمين بيده ولسانه ليمنعه من ذلك ويخرجه عن البلد وفي كراهية الظهيرية رجل يصلي ويضر الناس بيده ولسانه فلا بأس بإعلام السلطان به ليزجره ا هـ .
وقد وقعت حادثة بالقاهرة أن ثلاث إخوة ببولاق شهد جمع كثير عليهم بأنواع من الفسق وإيذاء الناس والتزوير فأفتيت بقبول الشهادة ليزجرهم الحاكم دفعا للضرر العام فزجرهم وكان في شهر رمضان العاشر من البزازية من فصل التحليف لا يحلف وإن برهن تقبل ا هـ . طعن المدعى عليه في الشاهد بأنه كان ادعاها لنفسه ورام تحليفه
فعلى هذا كل طعن يقبل عند البرهان لا تحليف عليه عند عدمه على الشاهد وعلى المدعي وهل يقبل إقرار الشاهد به ويصير كالبرهان لم أره وينبغي القبول ولذا قال الزيلعي لو تقبل ا هـ . برهن على إقرار الشهود أنهم لم يحضروا المجلس الذي كان فيه الحق
ولا يعارضه قوله لو برهن على إقرار الشهود أنهم شهدوا بالزور أو أنهم أجراء في هذه الشهادة أو أن المدعي مبطل في هذه الدعوى أو أنهم لا شهادة لهم فإنها لا تقبل وقدمناه الحادي عشر أنا قدمنا أن أو المدعى عليه إذا ادعى أنه دفع لهم مالا لئلا يشهدوا عليه بهذا الباطل وطلب استرداده تقبل فقلت وكذا إذا ادعى أجنبي أنه دفع لهم كذا لئلا يشهدوا على فلان بهذه الشهادة وطلب رده وثبت إما ببينة أو إقرار أو نكول فإنه يثبت به فسق الشاهد فلا تقبل شهادته وقيد بدفع المال ومفهومه لو ادعى أن المدعي دفع له من مالي كذا ليشهدوا عليه وطلب رده وبرهن لم تسقط العدالة وبه صرح الشارحون الثاني عشر أن الطعن برقهما لا يتوقف على دعوى سيدهما وأن إثباته لا ينحصر في الشهادة بل إذا أخبر القاضي برقهما أسقط شهادتهما والأحسن أن يكون بالشهادة وإذا سألهما القاضي فقالا أعتقنا سيدنا وبرهنا ثبت عتق السيد في غيبته فإذا حضر لا يلتفت إلى إنكاره كما في خزانة ادعى المدعى عليه أنه استأجرهم لئلا يشهدوا عليه ولم يدع دفع المال فأقروا الأكمل ، وأما الجرح بأنه قاذف فإنه يتوقف على دعوى المقذوف كما أشار إليه في فتح القدير .
[ ص: 99 ]