الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو شهدا أنه قتل زيدا يوم النحر بمكة وآخران أنه قتله بمصر ردتا ) أي لم تقبل الشهادتان لأن إحداهما كاذبة وليست إحداهما بأولى من الأخرى وأشار إلى أنهما لو اختلفا في الزمان أو الآلة التي وقع القتل بها لم تقبل لما بينا وذكر في السراج الوهاج وفائدة ذلك إذا قال : إن لم أحج العام فعبدي حر فأقام العبد شاهدين أنه قتل يوم النحر بالكوفة فأقام الورثة أنه قتل بمكة ا هـ .

                                                                                        وقيد بكون المشهود به القتل لأنهم لو شهدوا على إقرار القاتل بذلك في وقتين أو مكانين تقبل لأنه قول يعاد ويكرر كذا في السراج الوهاج وقد ذكر في القنية من باب البينتين المتضادتين وترجيح إحداهما على الأخرى فروعا حسنة محتاجا إليها فنذكرها على وجه الاقتصار في مسائل الأولى برهن أولياء المجروح أنه مات بسبب الجرح وبرهن الجارح أنه برئ ومات بعد عشرة أيام فبينة المقتول أولى الثانية ولو تعارضت بينتا الغبن ومثل القيمة في مبيع الوصي مال الصبي فبينة الغبن أولى الثالثة برهنت الأمة على أنه دبرها في مرض موته وهو عاقل وبرهنت الورثة على أنه كان مخلوط العقل فبينة الأمة أولى وكذا في الخلع الرابعة تعارضت بينتا الغبن ومثل القيمة في بيع الأب مال ولده والتنازع بين المشتري والابن بعد بلوغه ففيه قولان الخامسة تعارضت بينتان أنه باع وهو بالغ أو في صغره فبينة المشتري أولى لإثباتها العارض .

                                                                                        السادسة تعارضت بينتا إبراء المرأة زوجها في صحتها أو مرضها قولان السابعة تعارضت بينتا الإقرار للوارث في صحة المقر أو في مرضه فالبينة بينة المقر له والقول للورثة عند عدمها وله استحلافهم الثامنة تعارضت بينتا الإكراه والطوع في الإجازة فبينة الطواعية أولى وإن قضي ببينة الإكراه في الإجازة نفذ التاسعة تعارضت بينتا البيع صحيحا أو مكرها فقولان العاشرة تعارضت بينتا البيع باتا ووفاء فالبينة بينة مدعي الوفاء الحادية عشرة تعارضت بينتا الكره والطوع في البيع والصلح والإكراه فبينة الكره أولى الثانية عشرة تعارضت بينتا كون زوجة الميت حراما قبل موته بستة أشهر أو حلالا وقت الموت فبينة المرأة أولى له كنيف في طريق العامة فزعم غيره أنه محدث وزعم صاحبه أنه قديم وأقاما البينة فالبينة بينة من يدعي أنه محدث .

                                                                                        وقيل : القول للمدعي لكونه متمسكا بالأصل الثالثة عشرة تعارضت بينة الخارج على الوقف عليه مطلقا مع بينة ذي اليد أن بائعي اشتراها من الواقف وأرخ فبينة الوقف أولى وقيل : إلا إذا سبق تاريخ ذي اليد الرابعة عشرة تعارضت بينتا صحة الوقف وفساده فإن كان الفساد لشرط في الوقف مفسد فبينة الفساد أولى وإن كان لمعنى في المحل وغيره فبينة [ ص: 115 ] الصحة أولى وعلى هذا التفصيل إذا اختلف البائع والمشتري في صحة البيع وفساده الخامسة عشرة تعارضت بينتا الملك المطلق من الخارج والشراء من آخر من ذي اليد فبينة مدعي الملك المطلق أولى السادسة عشرة تعارضت بينتا الراهن والمرتهن في قيمة الرهن فبينة الراهن أولى السابعة عشرة تعارضت بينتا وجود الشرط وعدمه فبينة المرأة أولى الثامنة عشرة تعارضت بينتا بيع الوصي بعد عزله أو قبله فبينة المشتري أولى لما فيها من زيادة إثبات نفاذ الشراء أو سبق التاريخ وقيل : بينة العزل أولى وكذا الطلاق والعتاق من الوكيل التاسعة عشرة تعارضت بينتان في حمار وقال المدعي : إنه ملكي غاب عني منذ ثمانية أشهر وقال ذو اليد : اشتريته منذ سبعة عشر شهرا وأقاما البينة فبينة المدعي أولى العشرون ادعت المرأة البراءة من المهر بشرط وادعاها زوجها مطلقة وأقاما البينة فبينة المرأة أولى إن كان الشرط متعارفا يصح الإبراء معه .

                                                                                        وقيل : بينة الزوج أولى الحادية والعشرون أقام أحد الأخوين بينة أن الدار التي في أيدينا كانت لأمي تركتها ميراثا بيني وبين أبي وأقام الآخر بينة أنها كانت لأبينا فتركها ميراثا لنا فبينة الأول أولى لإثباته الزيادة الثانية والعشرون أقامت المرأة البينة على المهر على أن زوجها كان مقرا بذلك إلى يومنا هذا وأقام الزوج البينة أنها أبرأته من هذا المهر الذي تدعي فبينة البراءة أولى وكذا في الدين لأن بينة مدعي الدين بطلت بإقرار المدعى عليه لما ادعى البراءة ولم تبطل بينة البراءة وهذا كشهود البيع والإقالة فإن بينة الإقالة أولى لبطلان بينة البيع بإقرار مدعي الإقالة وينبغي أن يحفظ هذا الأصل فإنه يخرج به كثير من الواقعات الثالثة والعشرون ادعى على رجل ستة دنانير فقال المدعى عليه : إنه أبرأني عن هذه الدعوى فأقام بينة وأقام المدعي بينة أنه كان أقر له بستة دنانير قيل : تصح دعوى الإقرار ثانيا وقيل : لا تصح وقيل : إن ذكر الخصم القبول أو التصديق في الإبراء لا يصح وإلا يصح الرابعة والعشرون تعارضت بينة الصحة والفساد في الشراء ففيه قولان الخامسة والعشرون تعارضت بينتا الإجازة والرد في بيع الفصولين فبينة المشتري أولى السادسة والعشرون تعارضت بينتا السكوت والرد في نكاح البكر فبينتها أولى بخلاف ما إذا برهن على إجازتها وهي على ردها فبينته أولى السابعة والعشرون تعارضت بينتا البيع والوقف عليه مسجلا فبينة مدعي البيع أولى إلا إذا عين الواقف فبينة الوقف أولى لأنه يصير مقضيا عليه فلا بد من التعيين كبينة الملك مع بينة العتق ا هـ .

                                                                                        ( قوله فإن قضي بإحداهما أولا بطلت الأخرى ) لأن الأولى ترجحت باتصال القضاء بها فلا تنقض بالثانية ونظيره لو كان مع رجل ثوبان أحدهما نجس فتحرى وصلى في أحدهما ثم وقع تحريه على طهارة الآخر [ ص: 116 ] لا تجوز له الصلاة فيه لأن الأول اتصل بحكم الشرع فلا ينتقض بوقوع التحري في الآخر .

                                                                                        [ ص: 114 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 114 ] ( قوله فبينة المقتول أولى ) موافق لما في القنية من باب البينتين المتضادتين لكن في آخر كتاب الدعوى من الخلاصة أقاما البينة هذا على الصحة والآخر على الموت بالضرب فبينة الصحة أولى وكذا في البزازية ومشتمل الأحكام وبه أفتى المولى أبو السعود ا هـ . ملخصا .

                                                                                        من تعارض البينات للشيخ غانم البغدادي وفي الفتاوى الحامدية معزيا إلى بعض الفتاوى بينة اليسار أولى من بينة الإعسار بينة الموت من الجرح أولى من بينة الموت بعد البرء بينة مدعي الهبة في الصحة أولى من بينة الهبة في المرض بينة مدعي الطواعية أولى من مدعي الكراهية لكن المعتمد خلافه بينة الصحة أولى من بينة الفساد في الشراء بينة مدعي المهر أولى من مدعي الهدية بينة العقل أولى من كونه مجنونا وقت الخلع بينة الشفيع أولى من بينة المشتري بينة كون المتصرف عاقلا أولى من بينة كونه مجنونا بينة الخارج أولى من بينة ذي اليد في دعوى الملك المطلق بينة الوفاء أولى من بينة البتات بينة الإكراه أولى من بينة الطوع بينة الهبة أولى من بينة العارية بينة الصحة أولى من بينة الموت بينة الإبراء أولى من بينة الإقرار بينة البيع أولى من بينة الرهن بينة القرض أولى من بينة المضاربة بينة الملك أولى من بينة الغصب بينة الحدوث أولى من بينة القدم بينة الرهن أولى من بينة الهبة بينة التمليك أولى من بينة العارية بينة الصحة أولى من بينة المرض بينة الفاسد أولى من بينة الصحة بينة البيع أولى من بينة الهبة بينة البناء القديم أولى من بينة البناء الحادث وتمامه فليراجع كذا في حاشية الدر المختار للشيخ خليل الفتال .

                                                                                        [ ص: 115 ] ( قوله وعلى هذا التفصيل إذا اختلف البائع والمشتري في صحة البيع وفساده ) قال في تعارض البينات للشيخ غانم البغدادي : إذا اختلف المتبايعان أحدهما يدعي الصحة والآخر يدعي الفساد شرطا فاسدا أو أجلا فاسدا كان القول قول مدعي الصحة والبينة بينة مدعي الفساد باتفاق الروايات وإن كان مدعي الفساد يدعي الفساد لمعنى في صلب العقد بأن ادعى أنه اشتراه بألف درهم ورطل من الخمر والآخر يدعي البيع بألف درهم فيه روايتان عن أبي حنيفة في ظاهر الرواية القول قول من يدعي الصحة أيضا والبينة بينة الآخر كما في الوجه الأول وفي رواية القول قول من يدعي الفساد مشتمل الأحكام . ا هـ .

                                                                                        ( قوله فبينة المدعي أولى ) أي لأنه خارج ولم يعتبر الأسبق تاريخا لأن تاريخه غير معتبر لأنه تاريخ غيبة لا تاريخ ملك فلم يوجد التاريخ من الجانبين حتى يعتبر أسبقهما ( قوله أقام أحد الأخوين بينة ) أي على أخيه الآخر لأبيه ( قول المصنف فإن قضي بأحدهما أولا بطلت الأخرى إلخ ) قال الرملي : يدل بظاهره على أنه في المسائل التي سردها وفيها ترجيح إحدى البينتين لو قضي بالمرجوحة تقبل المرجحة ولو اتصل القضاء بالأخرى التي هي مرجوحة قبل القضاء بخلاف المتساوية فإنها ما ترجحت إلا باتصالها بالقضاء كما هو ظاهر .

                                                                                        والحاصل أنه يفرق بين ما إذا تساويا فترجح الأولى باتصال القضاء بها أو سبق القضاء بالمرجحة إذ لا معارض لها وقته وبين ما إذا كانت إحداهما أولى بالقبول فقضي بغيرها ثم أقيمت عليها يعمل بها ولو اتصل القضاء بغيرها لأوليتها يؤيده ما ذكره الزيلعي في شرح ما يأتي من مسألة ما لو برهنا على نكاح امرأة من قوله في تعليل كونها لمن سبقت بينته لكونها أقوى لاتصال القضاء بها لأنها لما سبقت وحكم بها تأكدت فلا تنقض بغير المتأكدة ا هـ .

                                                                                        فإن المرجحة أقوى قبل اتصال القضاء بها فهي متأكدة فينقض القضاء بغيرها لأرجحيتها قبله لكن علل الزيلعي مسألة القتل لأنه لما حكم بأنه قتل بمكة صار ذلك حكما بأنه لم يقتل في غيرها إذ قتل شخص واحد في مكانين لا يتصور وهذا يقتضي أنه في المسائل التي سردها لا ينقض الحكم السابق مطلقا لأنه حكم بنفي مقابله إذ لا يتصور مثلها في بيع وإحداثه بغبن فاحش وبمثل القيمة وكذا في نظائره كما هو ظاهر ثم رأيت في فتاوى شيخ مشايخي شهاب الدين الحلبي في كتاب الوقف إذا حكم الحاكم بالبينة الأولى لا تسمع البينة الثانية لأن الأولى ترجحت باتصال القضاء بها قال قاضي خان : لو أقامت المرأة البينة أن الميت تزوجها يوم النحر بمكة وحكم القاضي بشهادتهم ثم أقامت أخرى أنه تزوجها في ذلك اليوم بخراسان لم تقبل . ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية