الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو شهدا على شهادة رجلين على فلانة بنت فلان الفلانية بألف وقالا : أخبرانا أنهما يعرفانها فجاء بامرأة فقالا لا ندري أهي هذه أم لا ؟ قيل للمدعي : هات شاهدين أنها فلانة ) لأن الشهادة على المعرفة بالنسبة قد تحققت والمدعي يدعي الحق على الحاضرة فلعلها غيرها فلا بد من تعريفها بتلك النسبة نظير هذا إذا تحملوا الشهادة ببيع محدود بذكر حدودها وشهدوا على المشتري لا بد من آخرين يشهدان على أن المحدود بها في يد المدعى عليه وكذا إن أنكر المدعى عليه أن الحدود المذكورة في الشهادة حدود ما في يديه وأشار المؤلف رحمه الله تعالى بقوله على فلانة إلى آخره إلى أنه يشترط في الإشهاد الإعلام بأقصى ما يمكن ولذا قال في الخانية رجل أشهد رجلا على شهادته فإن كان الذي له المال والذي عليه المال حاضرين عند الإشهاد بقوله [ ص: 124 ] أشهد أن فلان بن فلان هذا أقر عندي أن لفلان بن فلان هذا عليه ألف درهم كان الإشهاد صحيحا وإن كانا غائبين أو أحدهما حاضر والآخر غائب أو ميت ينبغي له أن ينسب الغائب منهما أو الميت منهما إلى أبيه وجده وقبيلته وما يعرف به لأن مجلس الإشهاد بمنزلة مجلس القضاء فكما يشترط في أداء الشهادة الإعلام بأقصى الإمكان يشترط في الإشهاد ا هـ .

                                                                                        وفي البزازية وفي طلاق شيخ الإسلام أقر أن عليه لفلان ابن فلان الفلاني كذا فجاء رجل بهذا الاسم وادعاه وقال : أردت به رجلا آخر مسمى بذلك صدق قضاء ولا يقضى عليه بالمال ا هـ .

                                                                                        وفي وصايا الخانية قال المريض لرجل : علي ألف درهم يعطى المال كله للورثة ولا يوقف شيء ولو قال لمحمد : علي ألف درهم دين ولا يعرف محمد يوقف مقدار الدين ا هـ .

                                                                                        وفي المصباح فلان وفلانة بدون ألف ولام كناية عن الأناسي وبهما كناية عن البهائم يقال : ركبت الفلانة وحلبت الفلانة ( قوله وكذا كتاب القاضي إلى القاضي ) لأنه في معنى الشهادة على الشهادة إلا أن القاضي لكمال ديانته ووفور ولايته ينفرد بالنقل ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى جواب المدعى عليه ولا بد منه فإنه إن قال : لست أنا فلان بن فلان الفلاني كان البيان على المدعي وأنه أقر أنه فلان بن فلان وادعى الاشتراك في الاسم والنسب كان البيان على المدعى عليه .

                                                                                        ولذا قال في الخانية القاضي إذا كتب كتابا وكتب في كتابه اسم المدعى عليه ونسبه على وجه الكمال فقال : المدعى عليه : لست أنا فلان بن فلان الفلاني والقاضي المكتوب إليه لا يعرفه يقول القاضي للمدعي : أقم البينة أنه فلان بن فلان فإن قال المدعى عليه : أنا فلان بن فلان بن فلان وفي هذا الحي أو الفخذ أو في هذه الحارة أو في هذه البلدة رجل غيري بهذا الاسم يقول له القاضي أثبت ذلك تندفع عنه الخصومة كما لو علم القاضي بمشارك له في الاسم والنسب لأن حال وجود الشريك في الاسم والنسب لا يتعين هو للكتاب وإن لم يثبت ذلك يكون خصما وإن أقام المدعي البينة أنه كان باسمه ونسبه رجل آخر ومات ذلك لا يقبل قوله لأنه لا حق له في إثبات حياة ذلك الميت وإن كان يعلم ما قاله : المدعى عليه فإن كان يعلم بموت ذلك الرجل بعد تاريخ الكتاب لا يقبل كتاب القاضي وإن كان قبل ذلك وكذا لو كان لا يدري وقت موت ذلك الرجل ا هـ .

                                                                                        ( قوله وإن قالا فيهما التميمية لم يجز حتى ينسباها إلى فخذها ) لأن التعريف لا يحصل بالنسبة العامة وهي عامة إلى بني تميم لأنهم قوم لا يحصون ويحصل بالنسبة إلى الفخذ لأنها خاصة وفسر في الهداية الفخذ بالقبيلة الخاصة وفي الشرح بالجد الأعلى وفي المصباح الفخذ بالكسر وبالسكون للتخفيف دون القبيلة وفوق البطن وقيل : دون البطن وفوق الفصيلة وهو مذكر لأنه بمعنى النفر والفخذ من الأعضاء مؤنثة والجمع فيها أفخاذ ا هـ .

                                                                                        وفي المصباح الفخذ آخر القبائل أولها الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ وقال في غيره : الفصيلة بعد الفخذ فالشعب بفتح الشين يجمع القبائل والقبائل تجمع العمائر والعمارة بكسر العين تجمع البطون والبطن يجمع الأفخاذ والفخذ يجمع الفصائل وفي القاموس الفخذ ككتف ما بين الورك والساق وحي الرجل إذا كان من أقرب عشيرتها ا هـ .

                                                                                        وذكر الزمخشري أن العرب على ست طبقات شعب وقبيلة وعمارة وبطن وفخذ وفصيلة فمضر شعب وكذا ربيعة ومذحج وحمير وسميت شعوبا لأن القبائل تتشعب منها وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصي بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة فعلى هذا لا يجوز الاكتفاء بالفخذ ما لم ينسبها إلى الفصيلة لأنها دونها ولذا قال : الله تعالى { وفصيلته التي تؤويه } ومنهم من ذكر بعد الفصيلة العشيرة وتمامه في فصل الكفاءة من النكاح .

                                                                                        والحاصل أن التعريف بالإشارة إلى الحاضر وفي الغائب لا بد من ذكر الاسم والنسب والنسبة إلى الأب لا تكفي عند الإمام ومحمد ولا بد من ذكر الجد خلافا للثاني فإن لم ينسب إلى الجد ونسبه إلى الفخذ الأب الأعلى كتميمي وبخاري لا يكفي وإن إلى الحرفة - [ ص: 125 ] لا إلى القبيلة والجد لا يكفي عند الإمام وعندهما إن كان معروفا بالصناعة يكفي وإن نسبها إلى زوجها يكفي والمقصود الإعلام ولو كتب إلى فلان بن فلان الفلاني على فلان السندي عبد فلان بن فلان الفلاني كفى اتفاقا لأنه ذكر تمام التعريف ولو ذكر اسم المولى واسم أبيه لا غير ذكر السرخسي أنه لا يكفي وذكر شيخ الإسلام أنه يكفي وبه يفتى لحصول التعريف بذكر ثلاثة العبد والمولى وأبوه وإن ذكر اسم العبد والمولى إن نسب إلى قبيلة الخاص لا يكفي على ما ذكره السرخسي ويكفي على ما ذكره شيخ الإسلام لوجوه ثلاثة وإن لم يذكر قبيلته الخاص لا يكفي وإن ذكر اسم العبد ومولاه ونسب العبد إلى مولاه ذكر شيخ الإسلام أنه يكفي وبه أفتى الصدر لأنه وجد ثلاثة أشياء وشرط الحاكم في المختصر للتعريف ثلاثة أشياء الاسم والنسبة إلى الأب والنسبة إلى الجد أو الفخذ أو الصناعة .

                                                                                        والصحيح أن النسبة إلى الجد لا بد منه وإن كان معروفا بالاسم المجرد مشهورا كشهرة الإمام أبي حنيفة يكفي ولا حاجة إلى ذكر الأب والجد وفي الدار كدار الخلافة وإن مشهورة لا بد من ذكر الحدود عنده وعندهما هي كالرجل ولو كنى بلا تسمية لم تقبل إلا إذا كان مشهورا كالإمام ولو كتب من ابن فلان إلى فلان لم يجز إلا إن اشتهر كابن أبي ليلى ولو كتب إلى أبي فلان لم يجز لأن الجزء ينسب إلى الكل لا العكس كذا في البزازية ثم قال : ويشترط نظر وجهها في التعريف وإن أراد ذكر حليتها يترك موضع الحلية حتى يكون القاضي هو الذي يكتب الحلية أو يملي الكاتب لأنه إن حلاها الكاتب لا يجد القاضي بدا من أن ينظر إليها فيكون فيه نظر رجلين وفيما ذكرنا نظر رجل واحد فكان أولى وهل يشترط شهادة الزائد على عدلين في أنها فلانة بنت فلان أم لا قال الإمام : لا بد من شهادة جماعة على أنها فلانة بنت فلان وقالا : شهادة عدلين تكفي وعليه الفتوى لأنه أيسر ا هـ .

                                                                                        وهو ظاهر إلا قوله إن النسبة إلى الفخذ لا تكفي عن الجد ففي الهداية ثم التعريف وإن كان يتم بذكر الجد عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف على ظاهر الرواية فذكر الفخذ يقوم مقام الجد لأنه اسم الجد الأعلى فنزل منزلة الجد الأدنى . ا هـ .

                                                                                        وكذا تمثيله في البزازية للفخذ بتميمي غير صحيح لما علمته آنفا وفي خزانة المفتين ولو ذكر لقبه واسمه واسم أبيه قيل : يكفي والصحيح أنه لا يكفي فإذا قضى قاض بدون ذكر الجد ينفذ وفي فتاوى قاضي خان وإن حصل التعريف باسمه واسم أبيه ولقبه لا يحتاج إلى ذكر الجد وإن كان لا يحصل إلا بذكر الجد لا يكفي والمدينة والقرية والكورة ليست بسبب للتعريف ولا تقع المعرفة بالإضافة إليها وإن دامت فإذا كان الرجل يعرف باسمه واسم أبيه وجده لا يحتاج إلى اللقب وإن كان لا يحصل إلا بذكر اللقب بأن كان يشاركه في المصر غيره في ذلك الاسم واللقب كما في أحمد بن محمد بن عمر فهذا لا يقع التعريف به لأن في ذلك المصر يشاركه غيره فالحاصل أن المعتبر إنما هو حاصل المعرفة وارتفاع الاشتراك ا هـ .

                                                                                        وفي إيضاح الإصلاح وفي العجم ذكر الصناعة بمنزلة الفخذ لأنهم ضيعوا أنسابهم .

                                                                                        [ ص: 125 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 125 ] ( قوله والصحيح أن النسبة إلخ ) سيأتي رده ( قوله وهل يشترط شهادة الزائد على العدلين في أنها فلانة إلخ ) قال الرملي قال الطرابلسي في معين الحكام ولو عرفها رجلان وقالا : نشهد أنها فلانة بنت فلان حل للشاهد أن يشهد وفاقا لأن في لفظ الشهادة من التأكيد ما ليس في لفظ الخبر لأنه يمين بالله تعالى معنى ولو كان بلفظ الخبر إنما يجوز عند أبي حنيفة لو أخبر جماعة لا يمكن تواطؤهم على الكذب وعندهما لو أخبره عدلان أنها فلانة بنت فلان بن فلان يحل له الشهادة ا هـ .

                                                                                        فانظر ما بينه وبين ما هنا من المخالفة وقدم في شرح قوله وله أن يشهد بما سمع أو رأى عن الفتاوى الصغرى ما يوافق ما ذكره هنا تأمل والذي يظهر أن ما في معين الحكام هو المعتبر لما ذكره من العلة تأمل ( قوله وفي خزانة المفتين إلخ ) قال في الفتح : ولا يخفى أن ليس المقصود من التعريف أن ينسب إلى أن يعرفه القاضي لأنه قد لا يعرفه ولو نسبه إلى مائة جد وإلى صناعته ومحلته بل ليثبت بذلك الاختصاص ويزول الاشتراك فإنه قلما يتفق اثنان في اسمهما واسم أبيهما وجدهما أو صناعتهما ولقبهما فما ذكر عن قاضي خان من أنه لو لم يعرف مع ذكر الجد لا يكتفى لذلك الأوجه منه ما نقل في الفصول من أن شرط التعريف ذكر ثلاثة أشياء غير أنهم اختلفوا في اللقب مع الاسم هل هما واحد أو لا .




                                                                                        الخدمات العلمية