الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولا يصح الرجوع إلا عند القاضي ) لأنه فسخ للشهادة فيختص بما يختص به الشهادة من مجلس القاضي ولأن الرجوع توبة وهي على حسب الجناية فالسر بالسر والإعلان بالإعلان أطلقه فشمل القاضي المشهود عنده وغيره فإذا لم يصح الرجوع عند غير القاضي ولو شرطيا كما في فتح القدير وادعى المشهود عليه رجوعهما وأراد يمينهما لا يحلفان وكذا لا تقبل بينته عليهما لأنه ادعى رجوعا باطلا حتى لو أقام بينة أنه رجع عند قاضي كذا وضمنه المال تقبل لأن السبب صحيح ولو أقر عند القاضي أنه رجع عند غير القاضي فإنه صحيح [ ص: 128 ] وإن أقر برجوع باطل لأنه يجعل إنشاء للحال وفي خزانة المفتين إذا رجعا عن شهادتهما وأشهدا بمال على أنفسهما لأجل الرجوع ثم جحدا ذلك فشهد عليهم الشهود بالمال من قبل الرجوع والضمان لا تقبل إذا تصادقا عند القاضي أن الإقرار بهذا السبب فالقاضي لا يلزمهما الضمان وفي المحيط ولو ادعى رجوعهما عند القاضي ولم يدع القضاء بالرجوع والضمان لا تسمع منه البينة ولا يحلف عليه لأن الرجوع لا يصح ولا يصير موجبا للضمان إلا باتصال القضاء به كالشهادة ا هـ .

                                                                                        ( قوله فإن رجعا قبل حكمه لم يقض بها ) لأن الحق إنما يثبت بالقضاء والقاضي لا يقضي بكلام متناقض وقدمناه أنه يعزر قبل الحكم أيضا أطلقه فشمل ما لو رجعا عن بعضها كما لو شهدا بدار وبنائها أو بأتان وولدها ثم رجعا في البناء والولد لم يقض بالأصل كما في جامع الفصولين معللا بأن الشاهد فسق نفسه وشهادة الفاسق ترد وفي منية المفتي شهدا على رجل فلم يقض بشهادتهما حتى شهد رجلان عليهما أنهما رجعا عن تلك الشهادة فإن كان اللذان أخبرا عنهما بالرجوع يعرفهما القاضي يعدلهما وقف الأمر ولم ينفذ شهادتهما شهدا أنه سرق من هذا ثم قالا غلطنا أو وهمنا بل سرق من هذا لم يقض بها أصلا لأنهما أقرا بالغفلة شهد الرجل ثم زاد فيها قبل القضاء بها أو بعده وقالا : أوهمنا إن كانا عدلين غير متهمين قبل ذلك منهما ا هـ .

                                                                                        وشمل ما إذا شهدا بطلاقها ثم تزوجت فرجع أحدهما لم يفرق بينها وبين زوجها واختلفوا فيما إذا تزوجها أحدهما ثم رجع ففي الكافي للحاكم أن الشعبي لم يفرق بينهما وبه كان يأخذ أبو حنيفة وقال محمد : لا يصدق على إبطال شهادته الأولى ولكنه يصدق في حق نفسه فإن كان تزوجها فرق بينهما ورجع أبو يوسف إلى هذا القول بعد ذلك ا هـ .

                                                                                        وقد أفاد قوله لم ينقض أن المشهود له وعليه يعملان بمقتضاه وإن علما أن الشهود زور فلو شهدا عليه بالطلاق الثلاث وقضى به ثم رجعا والزوج يعلم أنهما كاذبان لم يسعه أن يقر بها كذا في الكافي للحاكم وقيد بالرجوع لأنه لو ظهر أن الشاهد عبد أو محدود في قذف يبطل القضاء ويرد المال إلى المقضي له كذا في كافي الحاكم ( قوله وبعده لا ينقض ) أي إن رجعا بعد الحكم لم ينقض القضاء لأن آخر كلامهم يناقض أوله فلا ينقض الحكم بالتناقض ولأنه في الدلالة على الصدق مثل الأول وقد ترجح الأول باتصال القضاء به أطلقه فشمل ما إذا كان الشاهد وقت الرجوع مثل ما شهد في العدالة أو دونه أو أفضل وهكذا لم يقيد في أكثر الكتب متونا وشروحا وفتاوى وفي خزانة المفتين معزيا إلى المحيط إن كان الرجوع بعد القضاء ينظر إلى حال الراجع فإن كان حاله عند الرجوع أفضل من حاله وقت الشهادة في العدالة صح رجوعه في حق نفسه وفي حق غيره حتى وجب عليه التعزير وينقض القضاء ويرد المال على المشهود عليه وإن كان حاله عند الرجوع مثل حاله عند الشهادة في العدالة أو دونه وجب عليه التعزير ولا ينقض القضاء ولا يرد المشهود به على المشهود عليه ولا يجب الضمان على الشاهد ا هـ .

                                                                                        وهو غير صحيح عن أهل المذهب لمخالفته ما نقلوه من وجوب الضمان على الشاهد إذا رجع بعد الحكم وفي هذا التفصيل عدم تضمينه مطلقا مع أنه في نقله مناقض لأنه قال أول الباب بالضمان موافقا للمذهب ثم كشفت المحيط للإمام رضي الله عنه الموجود في ديارنا فوجدته وافق الجماعة من غير تفصيل فهو وإن احتمل أن يكون في المحيط البرهاني لكن القول به لا يصح عن المذهب فإنهم نقلوا عدم الضمان عن الشافعي ثم رأيت بعد ذلك في فتح القدير أن هذا قول أبي حنيفة الأول وهو قول شيخه حماد ثم رجع عنه إلى أنه لا ينقض القضاء ولا يرد المال على المقضي عليه على كل حال ثم رأيته في الكافي للحاكم الشهيد .

                                                                                        [ ص: 128 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 128 ] ( قوله لأن الرجوع لا يصح ولا يصير موجبا للضمان إلا باتصال القضاء به ) قال في الفتح وزاد جماعة في صحة الرجوع أن يحكم القاضي برجوعهما ويضمنهما المال وإليه أشار المصنف ونقل هذا عن شيخ الإسلام واستبعد بعض من المحققين توقف صحة الرجوع على القضاء بالرجوع أو بالضمان وترك بعض المتأخرين من مصنفي الفتاوى هذا القيد وذكر أنه تركه تعويلا على هذا الابتعاد ( قوله وشمل ما إذا شهدا بطلاقها إلى آخر القولة ) مقدم عن محله وحقه أن يكتب في آخر المقولة الآتية وقد رأيته في بعض النسخ كذلك ( قوله ثم رأيت بعد ذلك في فتح القدير إلخ ) وهكذا قال في البزازية ثم رجع إلى قولهما وعليه استقر المذهب ا هـ .

                                                                                        ومثله في التتارخانية برمز المحيط فإنه نقل عنه أن أبا حنيفة كان يقول كذا وساق التفصيل ثم قال : رجع عن هذا القول وقال : لا يصح رجوعه في حق غيره على كل حال وهو قولهما والظاهر أن المراد به المحيط البرهاني لما ذكر المؤلف أن ما في المحيط السرخسي ليس فيه التفصيل .




                                                                                        الخدمات العلمية