( قوله قدر التشهد ) وهي فرض بإجماع العلماء ، وقد روى الشيخان وغيرهما من طرق عديدة عن الصحابة رضي الله عنهم { والقعود الأخير أن النبي صلى الله عليه وسلم حين علم الأعرابي المسيء صلاته أركان الصلاة إلى أن قال فإذا رفعت رأسك من آخر سجدة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك } قال الشيخ قاسم في شرح الدرر قد وردت أدلة كثيرة بلغت مبلغ التواتر على أن القعدة الأخيرة فرض ، وفي فتح القدير أن قوله تعالى { وربك فكبر } وكذا { وقوموا لله } { فاقرءوا } { واركعوا } { واسجدوا } أوامر والمستفاد منها وجوب المذكورات في الصلاة وهي لا تنفي إجمال الصلاة إذ الحاصل حينئذ أن الصلاة فعل يشتمل على هذه .
بقي كيفية ترتيبها في الأداء وهل الصلاة هذه فقط أو مع أمور أخر ؟ وقع البيان في ذلك كله بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله ، وهو لم يفعلها قط بدون القعدة الأخيرة والمواظبة من غير ترك مرة دليل الوجوب فإذا وقعت بيانا للفرض أعني الصلاة المجمل كان متعلقها فرضا بالضرورة ، ولو لم يقم الدليل في غيرها من الأفعال على سنيته لكان فرضا ، ولو لم يلزم تقييد مطلق الكتاب بخبر الواحد في الفاتحة والطمأنينة ، وهو نسخ للقاطع بالظني لكانا فرضين ، ولولا أنه عليه الصلاة والسلام لم يعد إلى القعدة الأولى لما تركها ساهيا ثم علم لكانت فرضا فقد عرفت أن بعض الصلاة عرف بتلك النصوص ولا إجمال فيها وأنه لا ينفي الإجمال في الصلاة من وجه آخر فما تعلق بالأفعال نفسها لا يكون بيانا ، فإن كان ناسخا للإطلاق وهو قطعي نسخ للعلم بأنه صلى الله عليه وسلم قاله ، وهو أدرى بالمراد ، وإن لم يكن قطعيا لم يصلح لذلك وإلا لزم تقديم الظني عند معارضة القطعي ، وهو لا يجوز في قضية العقل وعما ذكرنا كان تقديم القيام على الركوع ، والركوع على السجود فرضا ; لأنه بينها كذلك ا هـ .
وقوله ( قدر التشهد ) بيان لقدر الفرض منها ، وهو الأصح للعلم بأن شرعيتها لقراءته ، وأقل ما ينصرف إليه اسم التشهد عند الإطلاق ذلك وعلى هذا ينشأ إشكال ، وهو أن يكون ما شرع لغيره بمعنى أن المقصود من شرعيته غيره يكون آكد من ذلك الغير مما لم يعهد بل وخلاف المعقول ، فإذا كان شرعية القعدة للذكر أو السلام كانت دونهما فالأولى أن يعين سبب شرعيتها الخروج كذا في فتح القدير وذكر الولوالجي في آخر فتاواه من مسائل متفرقة إن كان كلا الجلستين مقدار التشهد جازت صلاته ، وإن كانت أقل فسدت ا هـ . رجل صلى [ ص: 311 ] أربع ركعات وجلس جلسة خفيفة فظن أن ذلك ثالثة فقام ، ثم تذكر فجلس وقرأ بعض التشهد وتكلم
وبهذا علم أن القعود قدر التشهد لا يشترط فيه الموالاة وعدم الفاصل ، ثم بعد الاتفاق على فرضيتها اختلفوا في ركنيتها ، فقال : بعضهم هي ركن من الأركان الأصلية ، قال في البدائع وإليه مال عصام بن يوسف والصحيح أنها ليست بركن أصلي لعدم توقف الماهية عليها شرعا ; لأن من حلف لا يصلي يحنث بالرفع من السجود دون توقف على القعدة فعلم أنها شرعت للخروج وهذا لأن الصلاة أفعال وضعت للتعظيم وهي بنفسها غير صالحة للخدمة ; لأنها من باب الاستراحة فتمكن الخلل في كونها ركنا أصليا ولم أر من تعرض لثمرة هذا الاختلاف ا هـ .