الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وفي العتق ضمنا القيمة ) لأنهما أتلفا مالية العبد عليه من غير عوض والولاء للمعتق لأن العتق لا يتحول إليهما بهذا الضمان وهو لا يصلح عوضا أطلقه فشمل ما إذا كانا موسرين أو معسرين لأنه ضمان إتلاف الملك بخلاف ضمان الإعتاق لأنه لم يتلف إلا ملكه ولزم منه فساد ملك صاحبه فضمنه الشارع صلة ومواساة له أطلق العتق فانصرف إلى العتق بلا مال فلو شهدا أنه أعتق عبده على خمسمائة وقيمته ألف فقضى ثم رجعا إن شاء ضمن الشاهدين الألف ورجعا على العبد بخمسمائة وولاء العبد للمولى كذا في المحيط وفي البزازية شهدا على رجل بإعتاق عبده وأربعة أخر أنه زنى وهو محصن فحكم بالعتق والرجم ورجم ثم رجعوا فالقيمة على شهود العتق للمولى والدية على شهود الزنا للمولى أيضا إن لم يكن له وارث آخر والمولى إن كان جاحدا للعتق يمنع أخذ الدية لكن زعمه باطل بالحكم وصار كالمعدوم ووجوب القيمة بدل المالية ووجوب الدية بدل النفس ثم الدية للمقتول حتى تقضى بها ديونه فلا يلزم بدلان عن مبدل واحد ا هـ .

                                                                                        ولو شهدا أنه أعتق عبده عام الأول في رمضان وقضى القاضي بعتقه ثم رجعا ضمنا قيمة العبد يوم أعتقه القاضي وحكمه في حدوده وجزاء جناية فيما بين رمضان إلى أن أعتقه [ ص: 136 ] القاضي حكم الحر لأن القاضي أثبت حريته من رمضان بالبينة والثابتة بالبينة العادلة كالثابت بالمعاينة وفي حق إيجاب الضمان يعتبر حرا يوم القضاء لأن التلف حصل يوم القضاء لأن المنع والحيلولة بين المولى وعبده حصل يوم القضاء ولو شهدا أنه طلق امرأته عام أول في رمضان قبل الدخول وقضى به وألزمه نصف المهر ثم رجعا وضمنا ثم شهد آخران أنه طلقها عام أول في شوال قبل الدخول بها لم تقبل ولا يقع الأولان لأنها صارت مبانة بالطلاق الأول قبل الدخول فلا يتصور تطليقها بعد ذلك فكانت الشهادة الأخيرة باطلة وبقي الضمان على الفريق الأول بحاله ولو أقر الزوج بذلك يرد على الشاهدين ما ضمنا .

                                                                                        وكذلك إقرار المولى بالعتق قيل هذا عند أبي يوسف ومحمد خلافا لأبي حنيفة بناء على نفاذ القضاء باطنا فمتى نفذ القضاء في رمضان باطنا عنده لم يصح إقراره بالطلاق والعتاق في شوال من هذا العام فبقي التلف مضافا إلى شهادتهما لا إلى إقراره وعندهما لم ينفذ القضاء باطنا بقي النكاح والرق إلى شوال باطنا فصح إقراره في شوال وكان التلف مضافا إلى إقراره لا إلى الشهادة كذا في المحيط ثم قال : ولو شهدا بالتدبير وآخران بالعتق فرجعوا فالضمان على شهود العتق لأن القضاء بالتدبير مع العتق لا يفيد لأن حكم التدبير بقاء الرق إلى وقت الموت ولا يبقى الرق مع العتق البات فلا يقضى بالتدبير فإن قضي بشهادة التدبير ثم شهد آخران بالعتق البات فقضي به ثم رجعوا ضمن شهود التدبير ما نقصه التدبير وشهود العتق قيمته مدبرا لأن القضاء بالتدبير يفيد حكمه لأنه ليس حالة القضاء بالتدبير شهادة قائمة بالعتق فأمكن القضاء بالتدبير وشاهدا العتق أزالا المدبر عن ملكه بغير عوض فيضمنان قيمته مدبرا ا هـ .

                                                                                        وفي العتابية ولو شهد واحد بإقراره بالعتق أمس وآخر بإقراره بالعتق من سنة وقضي به ثم أقام الشاهدان بينة على إعتاقه من سنين برئا عن الضمان وهذا قولهما لأن عندهما الدعوى ليس بشرط ا هـ .

                                                                                        يعني ثم رجعا بعد القضاء ثم برهنا ولم يذكر المؤلف رحمه الله التدبير والكتابة والاستيلاد والولاء أما الأول ففي المحيط لو شهدا أنه دبر عبده فقضي ثم رجعا ضمنا ما نقضه التدبير فإنه بالتدبير فات بعض المنافع من حيث التجارة بالإخراج عن ملكه فانتقض ملكه فضمنا نقصانه بتفويتهما وإن مات المولى والعبد يخرج من ثلثه عتق وضمن الشاهدان قيمته مدبرا لأنهما أزالا الباقي عن ملك الورثة بغير عوض فإن لم يكن له مال غير العبد عتق ثلثه وسعى في ثلثيه وضمن الشاهدان ثلث القيمة بغير عوض ولم يرجعا به على العبد فإن عجز العبد عن الثلثين يرجع به الورثة على الشاهدين ويرجع به الشاهد على العبد عندهما ا هـ .

                                                                                        وبه علم أن ما ذكره الشارح الزيلعي من أن العبد إذا كان معسرا فإنهما يضمنان جميع قيمته مدبرا ويرجعان به عليه إذا أيسر سهوا لما علمت أنه إنما يرجعان عليه بالثلثين وهو مصرح به لما في المبسوط وصرح فيه بأنهما يضمنان ثلث قيمته مدبرا وعليه يحمل ما في المحيط وقدمنا أن الفتوى أن قيمته مدبرا نصف قيمته لو كان قنا وأما الثاني ففي المحيط شهدا أنه كاتب عبده على ألف إلى سنة فقضي ثم رجعا يضمنان قيمته ولا يعتق حتى يؤدي ما عليه إليهما فإذا أداه عتق والولاء للذي كاتبه فإن عجز فرد في الرق كان لمولاه أن يرد ما أخذه على الشهود ا هـ .

                                                                                        وبه علم أن ما في فتح القدير من أن الولاء للذين شهدوا عليه بالكتابة سهو والصواب للذي بدل الذين ويطيب لهما ما أخذا من المكاتب إن كان بدل الكتابة مثل قيمته أو أقل وإن كان أكثر تصدقا بالفضل وإن أراد المولى اتباع المكاتب ولا يضمنهم كان له ذلك ذكره الشارح .

                                                                                        وفي المحيط شهدا أنه كاتب عبده على ألف إلى سنة وقيمته خمسمائة ثم رجعا يخير المولى بين تضمين الشاهدين وبين اتباع العبد بالكتابة إلى أجله فإن اختار المولى ضمان الشاهدين وقبض منهما القيمة لم يعتق المكاتب حتى يؤدي ألفا إلى الشاهدين ويتصدقان بالفضل وعند أبي يوسف يطيب له الفضل فإن تقاضى المولى المكاتب وهو يعلم برجوع الشاهدين أو لا يعلم [ ص: 137 ] فهو رضا بالكتابة ولا يضمنان إلا إذا كانت المكاتبة أقل من القيمة فله أن يأخذ المكاتبة ويرجع عليهما بفضل القيمة ا هـ .

                                                                                        ولم يذكر الشارحون ما إذا شهدا على المكاتب ثم رجعا وفي المحيط ادعى العبد أن مولاه كاتبه على ألف وأنه قيمته وقال المولى : كاتبته على ألفين وأقام البينة وقضي ثم أداها ثم رجعوا ضمنوا ألف درهم للمكاتب فإن أنكر المكاتب الكتابة وادعاها المولى على ألفين لم تقبل بينته عليه ويقال للمكاتب إن شئت فامض عليها أو دع . ا هـ .

                                                                                        وأما الثالث ففي البدائع شهدا على إقرار المولى أن هذه الأمة ولدت منه وهو ينكر فقضى القاضي بذلك ثم رجعا فإن لم يكن معها ولد فرجعا في حياته ضمنا نقصان قيمتها بأن تقوم قنة وأم ولد لو جاز بيعها فيضمنان النقصان فإن مات المولى عتقت وضمنا بقية قيمتها للورثة فإن كان معها ولد فرجعا في حياته ضمنا قيمة الولد مع ضمان نقصانها فإن مات المولى بعده فإن لم يكن مع الولد شريك في الميراث لم يضمنا له شيئا ورجعا على الولد بما قبض الأب منهما من تركته إن كانت وإلا فلا ضمان عليه وإن كان معه أخ ضمنا له نصف البقية من قيمتها ويرجعان على الولد بما أخذ الأب منهما لا بما قبض الأخ ولا يضمنان للأخ ما أخذه الولد من الميراث فإن رجعا بعد وفاة المولى فإن لم يكن مع الولد شريك فلا ضمان عليهما وإلا ضمنا للأخ نصف البقية من قيمتهما ونصف قيمة الولد لا ميراثه ولا يرجعان على الولد هنا وإن كانت الشهادة بعد موت المولى بأن ترك ولدا وعبدا وأمة وتركة فشهدا أن هذا العبد ولدته هذه الأمة من الميت وصدقهما الولد والأمة لا الابن وقضي ثم رجعا ضمنا قيمة العبد والأمة ونصف الميراث ا هـ .

                                                                                        [ ص: 135 - 136 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 135 - 136 ] ( قوله والصواب للذي بدل الذين ) أي الصواب أن يبدل قوله للذين شهدوا عليه بقوله للذي شهدوا عليه فيأتي بدل الجمع بالمفرد فيكون واقعا على المولى على الشهود [ ص: 137 ] ( قوله ورجعا على الولد بما قبض الأب منهما إلخ ) قال الرملي أي لاعتراف الولد باشتغال التركة بما أخذ والده منهما لأنه يزعم أنه أخذ ما أخذه منهما ظلما فرجعا في التركة فتأمل وأقول : يؤخذ من هذه المسألة أنهما لو شهدا بأنه من مستحقي هذا الوقف فقضى القاضي به بشهادتهما ثم رجعا لا يضمنان شيئا للمشهود عليهم من الغلة فيما يستقبل لأنهما لم يتلفاها عليهم لعدم وجودها وقتئذ حتى لو كان شيء من الغلة موجودا وقت الشهادة وحكم به يضمنان بالرجوع ما أخذه الشهود له أو استهلك المشهود عليهم غلة السنين الماضية وحكم عليهم له بها فكذلك يضمنانها لأنهما أتلفاه على المشهود عليهم بشهادتهما كمسألة الشهادة بعد موت المولى هنا ولم أر من صرح بذلك وقد سئلت عنه فاستخرجت الجواب من مسألة البدائع المذكورة فتأمل ذلك إلخ .




                                                                                        الخدمات العلمية