الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وبالخصومة في الحقوق برضا الخصم إلا أن يكون الموكل مريضا أو غائبا مدة السفر أو مريدا للسفر أو مخدرة ) أي وصح التوكيل بالخصومة بشرط رضا الخصم وهذا عند أبي حنيفة وقالا : يجوز بغير رضاه [ ص: 144 ] ولا خلاف في الجواز إنما الخلاف في اللزوم لهما أن التوكيل تصرف في خالص حقه فلا يتوقف على رضا غيره كالتوكيل بتقاضي الديون وله أن الجواب مستحق على الخصم ولها يستحضره والناس متفاوتون في الخصومة فلو قلنا بلزومه يتضرر به فيتوقف على رضاه كالعبد المشترك إذا كاتبه أحدهما يتخير الآخر بخلاف المريض والمسافر لأن الجواب غير مستحق عليهما هنالك ومريده كهو لتحقيق الضرورة والمخدرة لو حضرت لا يمكنها أن تنطق بحقها لحيائها فيلزم توكيلها وهذا شيء استحسنه المتأخرون كذا في الهداية وظاهره أن المخدرة لا نص عليها في المذهب ولهذا قال في فتح القدير : أما على ظاهر إطلاق الأصل وغيره عن أبي حنيفة فلا فرق بين البكر والثيب والمخدرة والمبرزة والفتوى على ما اختاروه من ذلك ا هـ .

                                                                                        والخصومة الجدل خاصمه مخاصمة وخصومة فخصمه يخصمه غلبه وهو شاذ لأن فاعلته ففعلته يرد يفعل منه إلى الضم إن لم تكن عينه حرف حلق فإنه بالفتح كفاخره ففخره وأما المعتل كوجدت وبعت فيرد إلى الكسر إلا ذوات الواو فإنها ترد إلى الضم كراضيته فرضوته أرضوه وخاوفني أخوفه وليس في كل شيء يقال نازعته لأنهم استغنوا عنه بغلبته واختصموا تخاصموا والخصم المخاصم والجمع الخصوم وقد يكون للجمع والاثنين والمؤنث والخصم المخاصم والجمع خصماء كذا في القاموس هذا معناها لغة وأما شرعا فهو الجواب بنعم أو لا كما سيأتي وفسرها في الجوهرة بالدعوى الصحيحة أو بالجواب الصريح ولو وكله في الخصومة له لا عليه فله إثبات ما للموكل فلو أراد المدعى عليه الدفع لم تسمع كذا في منية المفتي .

                                                                                        والحاصل أنها تخصص بتخصيص الموكل وتعمم بتعميمه والألف واللام في الحقوق للجنس فشمل بعضا معينا وجميعها وفي القنية لو رضي ثم مضى يوم فقال : لا أرضى له ذلك ا هـ وذكره في شرح المجمع معزيا إليها والتقييد باليوم اتفاقي وإنما المقصود أن له الرجوع عن الرضا ما لم يسمع القاضي الدعوى لما في القنية أيضا لو ادعى وكيل المدعي عند القاضي ثم أتى بشهود ليقيمها ولم يرض الخصم أي المدعى عليه بالوكيل ويريد أن يخاصم مع الخصم ليس له ذلك بعد سماع الدعوى على أصل أبي حنيفة .

                                                                                        وفي البزازية ولو وكله بكل حق هو له وبخصومته في كل حق له ولم يعين المخاصم به والمخاصم فيه جاز وإذا وكله بقبض كل حق يحدث له والخصومة فيه جائز أمره فإنه يدخل فيه الدين الوديعة والعارية وكل حق ملكه الموكل أما النفقة فمن الحقوق التي لا يملكها كذا في الخزانة وفي الولوالجية وكله بالخصومة ولم يبين أي الخصومة لم تجز الوكالة لأنها تقع في الأجناس المختلفة وأطلق في الخصم فشمل الطالب والمطلوب كما شملهما الموكل والشريف والوضيع كما في البزازية وأطلق المريض وهو مقيد بما إذا كان لا يقدر على المشي على قدميه إلى مجلس القاضي مدعيا كان أو مدعى عليه وإن قدر على الحضور على ظهر الدابة أو ظهر إنسان فإن زاد مرضه بذلك لزم توكيله فإن لم يزد قيل : على الخلاف والصحيح لزومه كذا في البزازية وفي الجوهرة أما المريض الذي لا يمنعه من الحضور فهو كالصحيح ا هـ .

                                                                                        وقيد بمدة السفر لأن ما دونها كالحاضر كذا في الجوهرة وفي المحيط إن كان الموكل مريضا أو مسافرا فالتوكيل منهما لا يلزم بدون رضا الخصم بل يقال للمدعي إن شئت جواب خصمك فاصبر حتى يرتفع العذر وإن لم تصبر فسبيلك الرضا بالتوكيل فإذا رضي لزمه برضاه في ظاهر الرواية ا هـ .

                                                                                        وهو خاص بتوكيل المدعى عليه كما لا يخفى وإرادة السفر أمر باطني فلا بد من دليلها وهو إما تصديق الخصم بها أو القرينة الظاهرة ولا يقبل قوله إني أريد السفر لكن القاضي ينظر في حاله وفي عدته فإنها لا تخفى هيئة من يسافر كذا ذكره الشارح وفي البزازية وإن قال : أخرج بالقافلة الفلانية سألهم عنه كما في فسخ الإجارة . ا هـ .

                                                                                        وفي خزانة المفتين ولو قال : إني أريد السفر يلزم منه التوكيل طالبا كان أو مطلوبا لكن يكفل المطلوب ليتمكن الطالب من استيفاء دينه وإن كذبه الخصم في إرادته السفر يحلفه القاضي بالله أنك تريد السفر ا هـ . وأما .

                                                                                        [ ص: 145 ] المخدرة فيه في اللغة كما في القاموس من الخدر كالإخدار والتخدير بفتح الخاء إلزام البنت الخدر بكسر الخاء وهو ستر يمد للجارية في ناحية البيت وهي مخدورة ومخدرة ا هـ .

                                                                                        وفي الشرع هي التي لم تجر عادتها بالبروز ومخالطة الرجال قال الحلواني : والتي تخرج في حوائجها برزة وقال البزدوي : من لا يراها غير المحارم مخدرة إذا لم تخالط الرجال على ما ذكره في الفتاوى وكلام الحلواني على هذا محمول على المخالطة بالرجال ولو اختلفا في كونها مخدرة فإن كانت من بنات الأشراف فالقول لها بكرا أو ثيبا لأنه الظاهر من حالها وفي الأوساط قولها لو بكرا وفي الأسافل يقبل قولهما في الوجهين والخروج للحاجة لا يقدح فيه ما لم يكثر بأن تخرج لغير حاجة كذا في البزازية وأشار المؤلف بقبول توكيل المخدرة إلى أن الطالب ليس له مخاصمة زوجها ولكن لا يمنعه الزوج من الخصومة مع وكيل امرأته أو معها كذا في خزانة المفتين وفيها امرأة وكلت وكيلا بالخصومة فوجب عليها اليمين وهي لا تعرف بالخروج ومخالطة الرجال في الحوائج يبعث إليها الحاكم ثلاثة من العدول يستحلفها أحدهم ويشهد الآخران على حلفها أو نكولها ا هـ .

                                                                                        ومراد المؤلف من الاستثناء استثناء الموكل إذا كان له عذر ولا يختص بالأربعة فشمل حيض المدعى عليها إذا كان الحكم في المسجد كذا ذكره الشارح وهو مقيد بما إذا كان الطالب لا يرضى بالتأخير فيما إذا كان الحكم في غير المسجد وأما إذا رضي به فلا يكون عذرا وأما حيض الطالبة فهو عذر مطلقا والنفاس كالحيض كذا في خزانة المفتين ومن العذر الحبس إذا كان من غير القاضي الذي ترافعوا إليه ذكره الشارح وفي البزازية وكونه محبوسا من الأعذار يلزمه توكيله فعلى هذا لو كان الشاهد محبوسا له أن يشهد على شهادته قال القاضي : إن كان في سجن القاضي لا يكون عذرا لأنه يخرجه حتى يشهد ثم يعيده وعلى هذا يمكن أن يقال في الدعوى أيضا كذلك بأن يجيب عن الدعوى ثم يعاد ولو مدعيا يدعي إن لم يؤخر دعواه ثم يعاد ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أن المؤلف اختار قول الإمام كما هو دأبه وقد اختلف ترجيح المشايخ فأفتى الفقيه بقولهما وقال الغياثي : وهو المختار وبه أخذ الصفار أيضا وفي خزانة المفتين المختار قولهما والشريف وغيره سواء وفي النهاية والصحيح قولهما وقال الحلواني : يخير المفتي قال : ونحن نفتي أن الرأي للحاكم وفي البزازية ومن المعلوم المقرر أن تفويض الخيار إلى قضاة عهد الفساد كما هو المقرر من أن علمهم ليس بحجة قال شمس الأئمة : الصحيح أنه إذا علم من الآبي التعنت في إباء الوكيل يفتي بالقبول وإن علم منه قصده الإضرار بالحيل كما هو صنيع وكلاء المحكمة لا يقبل وغرض من فوض الخيار إلى القاضي من القدماء كأن هذا لما علموا من أحوال قضاتهم الدين والصلاح ا هـ .

                                                                                        وفي غاية البيان الأولى أن لا يحضر مجلس الخصومة بنفسه عندنا وعند العامة وقال البعض : الأولى أن يحضر بنفسه لأن الامتناع من الحضور إلى مجلس القاضي من علامات المنافقين والجواب الرد من المنافقين والإجابة من المؤمنين اعتقادا ا هـ .

                                                                                        وفي خزانة المفتين وإذا وكله بالخصومة عند القاضي فلان كان للوكيل أن يخاصمه إلى قاض آخر ولو وكله بالخصومة إلى فلان الفقيه لم يكن له أن يخاصمه إلى فقيه آخر ا هـ .

                                                                                        وأطلق الوكيل بها فشمل الصبي العاقل كما في منية المفتي وعبد المولى في خصومته لما في الخزانة عبد في يد رجل فقال : كنت عبدا لفلان ولدت في ملكه وقد وكلني بخصومتك في نفسي ليس لمولاه أن يمنعه إذا كان للعبد بينة على الوكالة ولو قال : باعني منك ولم يقبض الثمن فوكلني بقبض الثمن منك فلمولاه أن يمنعه من الخصومة ا هـ .

                                                                                        والقاضي ولو عزل عن القضاء يبقى على وكالته كما في قضاء الخزانة ومن أحكام الوكيل بالخصومة أن الحق إذا ثبت على موكله لم يلزمه ولا يحبس عليه ولو كان وكيلا عاما لأنها لم تنتظم الأمر بالأداء ولا الضمان كما في الخزانة ثم اعلم أن طريق إثبات الوكالة بالخصومة أن يشهدوا بها على غريم الموكل سواء كان [ ص: 146 ] منكرا للوكالة أو مقرا بها ليتعدى إلى غيره كما في الخزانة ولا تقبل الشهادة على المال حتى تثبت الوكالة وفي القنية لا تقبل من الوكيل بالخصومة ببينة على وكالته من غير خصم حاضر ولو قضي بها صح لأنه قضاء في المختلف ا هـ .

                                                                                        [ ص: 144 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 144 ] ( قوله ولا خلاف في الجواز إنما الخلاف في اللزوم ) قال في الجوهرة : يعني هل ترد الوكالة برد الخصم عند أبي حنيفة نعم ، وعندهما لا ويجبر واختاره أبو الليث للفتوى . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 145 ] ( قوله وهو مقيد بما إذا كان الطالب لا يرضى بالتأخير إلخ ) قال في الجوهرة : إن كانت هي طالبة قبل منها التوكيل بغير رضا الخصم وإن كانت مطلوبة إن أخرها الطالب حتى يخرج القاضي من المسجد لا يقبل منها التوكيل بغير رضا الخصم الطالب لأنه لا عذر لها إلى التوكيل ا هـ .

                                                                                        وقول المؤلف فيما إذا كان إلخ محرف تأمل ( قوله كما هو المقرر ) قال الرملي هو خبران أي المقرر في هذا مثل المقرر في ذلك وفي نسخة قضاة العهد فساد ففساد خبر إن وقوله كما هو المقرر تشبيه هذه المسألة فتأمل ( قوله لم يكن له أن يخاصمه إلى فقيه آخر ) كان وجهه أنه جعل هذا الفقيه حكما فلا يكون الآخر حكما بدون أمره بخلاف القاضي الآخر فإن ولايته ثابتة وإن لم يأمر تأمل ( قوله والقاضي ) معطوف على الصبي ( قوله ثم اعلم أن طريق إثبات الوكالة إلخ ) قال قاضي خان وكله بقبض فأقر المديون بوكالته وأنكر الدين فبرهن عليه الوكيل لا يقبل إذ البينة لا تقبل إلا على خصم وبإقرار المديون لن تثبت الوكالة فلم يكن خصما ألا ترى أنه لو أقر بالوكالة فقال الوكيل : إني أبرهن على وكالتي مخافة أن يحضر الطالب وينكر الوكالة تقبل بينته ولو قامت على المقر وكذا وصي أقر المديون بوصايته وأنكر الدين فأثبت الوصي وصايته ببينة تقبل وكذا من ادعى دينا على الميت [ ص: 146 ] وأحضر وارثا فأقر الوارث بالدين فقال المدعي : أنا أثبت ببينة فبرهن يقبل نور العين .




                                                                                        الخدمات العلمية