الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ويصح بيعه بما قل وكثر بالنقد أو النسيئة ) يعني عند الإمام وقالا : لا يجوز بيعه بنقصان لا يتغابن الناس فيه ولا يجوز إلا بالدراهم والدنانير لأن مطلق الأمر يتقيد بالمتعارف لأن التصرفات لدفع الحاجات فتتقيد بمواقعها والمتعارف البيع بمثل الثمن وبالنقود ولهذا يتقيد التوكيل بشراء الفحم والجمد والأضحية بزمان الحاجة ففي الفحم بالشتاء وفي الجمد بالصيف وفي الأضحية بزمانها ولأن البيع بغبن فاحش بيع من وجه هبة من وجه وكذا المقايضة بيع من وجه شراء من وجه فلا يتناوله مطلق اسم البيع وله أن التوكيل بالبيع مطلق فيجري على إطلاقه في غير موضع التهمة والبيع بالغبن الفاحش أو بالعين متعارف عند شدة الحاجة إلى الثمن والتبرم من الغبن أي الملال والمسائل ممنوعة على قول أبي حنيفة على ما هو المروي عنه وأنه بيع من كل وجه حتى إن حلف لا يبيع يحنث به غير أن الأب والوصي لا يملكانه مع أنه يبيع لأن ولايتهما نظرية ولا نظر فيه والمقايضة شراء من كل وجه وبيع من كل وجه لوجود حد كل واحد منهما وفي البزازية ويفتى بقولهما في مسألة بيع الوكيل بما عز وهان وبأي ثمن كان ا هـ .

                                                                                        ويستثنى من إطلاق المؤلف الصرف لما في الخلاصة الوكيل ببيع الدينار والدرهم إذا باع بما لا يتغابن الناس فيه لا يجوز إجماعا ا هـ .

                                                                                        وأطلق في جواز بيعه نسيئة وهو مقيد عند أبي يوسف بما إذا كان للتجارة فإن كان للحاجة لا يجوز كالمرأة إذا دفعت غزلا إلى رجل ليبيعه لها فهو على البيع بالنقد وبه يفتى ومقيد بما إذا باع بما يبيع الناس فإن طول المدة لا يجوز ولو قال بعه بالنقد فباعه بالنقد أو بالنسيئة يجوز قال الفقيه أبو الليث : والفتوى على قول أبي يوسف ولو قال : لا تبع إلا بالنقد فباع بالنسيئة لا يجوز ولو قال : بعه بالنسيئة بألف فباعه بالنقد قال : بألف يجوز فإن باعه بأقل من ألف لا يجوز كذا في الخلاصة ثم قال لو قال : بعه إلى أجل فباعه بالنقد قال الإمام السرخسي الأصح أنه لا يجوز بالإجماع ا هـ .

                                                                                        قلت : ولا مخالفة بين الفرعين لأن ما تقدم عين له ثمنا وهذه لم يعينه وفي البناية .

                                                                                        [ ص: 168 ] يجوز إلى أجل متعارفا كان أو غير متعارف وفي خزانة المفتين أمره ببيع عبده فباعه نسيئة جاز على الأصح إذا باعه بنسيئة يتبايع بها الناس أما إذا طول المدة لا يجوز ا هـ .

                                                                                        وهو تصحيح لقول الإمام في النسيئة وتقييد له ولا يعارضه فتوى الفقيه لأنه في البيع بما قل وكثر كما لا يخفى وفي البزازية ومن جوز النسيئة إنما يجوزه بالأجل المتعارف فإن طول لا يجوز وقيل : يجوز عنده وإن طالت المدة ا هـ .

                                                                                        فإطلاق وإن طالت المدة ضعيف عنده وفي الخانية من فصل إجارة الوقف المتولي إذا أجر الوقف بشيء من العروض والحيوان بعينه قيل : بأنه يجوز بلا خلاف بخلاف بيع الوكيل وكذا الوكيل بالإجارة إذا أجر بمكيل أو موزون أو عروض أو حيوان قيل : بأنه يجوز بلا خلاف قال الفقيه أبو جعفر في زماننا : الإجارة تكون على الخلاف أيضا لأن المتعارف الإجارة بالدراهم والدنانير ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ولا يجوز إلا بالدراهم والدنانير ) قال الزيلعي : حالة أو إلى أجل متعارف ( قوله والجمد ) بسكون الميم لا غير هو ما جمد من الماء فكان فيه تسمية للاسم بالمصدر كذا في الصحاح والديوان نهاية ( قوله وفي البزازية ويفتى بقولهما إلخ ) قال الرملي : ذكره في آخر الرابع من كتاب الوكالة وأقول : قال الشيخ قاسم في تصحيحه على القدوري ورجح دليل الإمام وهو المعول عليه عند النسفي أو هو أصح الأقاويل والاختيار عند المحبوبي ووافقه الموصلي وصدر الشريعة ( قوله وهو مقيد عند أبي يوسف ) ما في المتن على قول أبي حنيفة فما معنى تقييده بقول أبي يوسف ( قوله على قول أبي يوسف ) أي قوله السابق من تقييد جواز بيعه نسيئة بما إذا كان للتجارة لكن سيأتي من المؤلف قريبا حمله على غير ذلك ( قوله الأصح أنه لا يجوز بالإجماع ) لعل وجهه أن البيع نسيئة يكون بثمن أزيد من ثمن البيع بالنقد فيكون مراده البيع بالثمن الزائد لأنه قد يكون الثمن الزائد في المال أنفع له من الثمن الأقل في الحال لعدم احتياجه إليه الآن وهذا بخلاف المسألة الأولى لأنه قد باعه [ ص: 168 ] بالنقد بالثمن الذي أمره يبيعه به بالنسيئة فقد حصل له الثمن الزائد في الحال مع أنه دفع عنه عرضة الهلاك بإفلاس المشتري أو جحوده وبهذا اتضح وجه عدم المخالفة وقدمنا عن التتارخانية عند قول المصنف وبإيفائها واستيفائها أن الشرط تارة يجب اعتباره مطلقا وتارة لا يجب مطلقا وتارة يجب إن قيده بالنفي فراجعه ثم إن الفرع الثاني إنما يظهر إذا باع بالنقد ولم يكن ما باع به مثل ما يباع بلا نقد أما لو كان فلا يظهر بين الفرعين فرق ثم رأيت في الذخيرة وإذا وكله بالبيع نسيئة فباعه بالنقد إن باع بالنقد بما يباع بالنسيئة جاز وما لا فلا




                                                                                        الخدمات العلمية