( قوله وتعديل الأركان ) ، وهو تسكين الجوارح في الركوع والسجود حتى تطمئن مفاصله وأدناه مقدار تسبيحة ، وهو واجب على تخريج الكرخي ، وهو الصحيح كما في شرح المنية وسنة على تخريج الجرجاني وفرض على ما نقله الطحاوي عن الثلاثة ، والذي نقله الجم الغفير أنه واجب عند أبي حنيفة ومحمد ، فرض عند أبي يوسف مستدلين له ولمن وافقه بحديث المسيء صلاته حيث قال : { ارجع فصل فأنك لم تصل ثلاث مرات } وأمره له بالطمأنينة فالأمر بالإعادة لا يجب إلا عند فساد الصلاة ومطلق الأمر يفيد الافتراض وبما أخرجه أصحاب السنن الأربعة مرفوعا { لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود } ولهما قوله تعالى { اركعوا واسجدوا } واللفظان خاصان معلوم معناهما فلا تجوز الزيادة عليهما بخبر الواحد ; لأنه لا يصلح ناسخا للكتاب ويصلح مكملا فيحمل أمره بالإعادة والطمأنينة على الوجوب ونفيه للصلاة على نفي كمالها كنفي الإجزاء في الحديث الثاني على نفي الإجزاء الكامل ، ويدل عليه آخر حديث المسيء صلاته فإنه قال فيه { فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك ، وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك } فقد سماها صلاة والباطلة ليست صلاة ولأنه تركه عليه السلام بعد أول ركعة حتى أتم ، ولو كان عدمها مفسدا لفسدت بأول ركعة وبعد فساد لا يحل المضي في الصلاة وتقريره عليه السلام من الأدلة الشرعية ويدل على وجوبها المواظبة عليها وبهذا يضعف قول الجرجاني ، ولهذا سئل محمد عن تركها فقال إني أخاف أن لا تجوز ، وعن السرخسي من ترك الاعتدال تلزمه الإعادة ومن المشايخ من قال تلزمه ويكون الفرض هو الثاني ، ولا إشكال في وجوب الإعادة إذ هو الحكم في كل صلاة أديت مع كراهة التحريم ويكون جابرا للأول ; لأن الفرض لا يتكرر ، وجعله الثاني يقتضي عدم سقوطه بالأول ، وهو لازم ترك الركن لا الواجب إلا أن يقال المراد أن ذلك امتنان من الله تعالى إذ يحتسب الكامل ، وإن تأخر عن الفرض لما علم سبحانه أنه سيوقعه ، كذا في فتح القدير ، وقد يقال إن [ ص: 317 ] قول أبي يوسف بالفرضية مشكل ; لأنه وافقهما في الأصول أن الزيادة على الخاص بخبر الواحد لا تجوز فكيف استقام له القول بالجواز هنا
ولهذا والله أعلم قال المحقق ابن الهمام : ويحمل قول أبي يوسف بالفرضية على الفرض العملي ، وهو الواجب فيرتفع الخلاف ا هـ .
ويؤيده أن هذا الخلاف لم يذكر في ظاهر الرواية على ما قالوا كما في شرح منية المصلي ، ولهذا لم يذكر صاحب الأسرار خلاف أبي يوسف ، وإنما قال : قال علماؤنا : الطمأنينة في الركوع والسجود وفي الانتقال من ركن إلى ركن ليس بركن ، وكذلك الاستواء بين السجدتين وبين الركوع والسجود ا هـ .
وينبغي أن يحمل ما ذهب إليه الطحاوي من الافتراض على الفرض العملي كما قررناه ليوافق أصول أهل المذهب وإلا فالإشكال أشد . قيد بالطمأنينة في الأركان أي الركوع والسجود ; لأن الطمأنينة في القومة والجلسة سنة عند أبي حنيفة ومحمد بالاتفاق وعند أبي يوسف فرض كما تقدم
وفي شرح الزاهدي ما يدل على وجوبها عندهما كوجوبها في الأركان فإنه قال وذكر صدر القضاة : وإتمام الركوع وإكمال كل ركن واجب عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف والشافعي فرض ، وكذا رفع الرأس من الركوع والانتصاب والقيام والطمأنينة فيه فيجب أن يكمل الركوع حتى يطمئن كل عضو منه ويرفع رأسه من الركوع حتى ينتصب قائما ويطمئن كل عضو منه ، وكذا في السجود ، ولو ترك شيئا من ذلك ناسيا يلزمه سجدتا السهو
ولو تركها عمدا يكره أشد الكراهة ويلزمه أن يعيد الصلاة . ا هـ . وهو يدل على وجوب القومة والجلسة وسيأتي التصريح بسنيتهما ومقتضى الدليل وجوب الطمأنينة في الأربعة ووجوب نفس الرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين للمواظبة على ذلك كله وللأمر في حديث المسيء صلاته ، وفي فتاوى قاضي خان في فصل ما يوجب السهو قال : المصلي إذا ركع ولم يرفع رأسه من الركوع حتى خر ساجدا ساهيا تجوز صلاته في قول أبي حنيفة ومحمد وعليه السهو . ا هـ .
وفي المحيط لو ترك تعديل الأركان أو القومة التي بين الركوع والسجود ساهيا لزمه سجود السهو ا هـ .
فيكون حكم الجلسة بين السجدتين كذلك ; لأن الكلام فيهما واحد والقول بوجوب الكل هو مختار المحقق ابن الهمام وتلميذه ابن أمير حاج حتى قال إنه الصواب والله الموفق للصواب .


