الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وموت أحدهما وجنونه مطبقا ولحوقه مرتدا ) أي تبطل بهذه الأشياء لأن التوكيل تصرف غير لازم فيكون لدوامه حكم ابتدائه فلا بد من قيام الأمر وقد بطل بهذه العوارض وفي القنية بلغ المستبضع موت المبضع وهو في الطريق وقد اشترى رقيقا بمال البضاعة ليس له أن ينفق على الرقيق من بقية مال البضاعة إلا بأمر القاضي ا هـ .

                                                                                        وفي التجنيس من باب المفقود رجل غاب وجعل دارا له في يد رجل ليعمرها فدفع إليه مالا ليحفظه ثم فقد الدافع فله أن يحفظ وليس له أن يعمر الدار [ ص: 189 ] إلا بإذن الحاكم لأنه لعله قد مات ولا يكون الرجل وصيا للمفقود حتى يحكم بموته ا هـ .

                                                                                        وبهذا علم أن الوكالة تبطل بفقد الموكل في حق التصرف لا الحفظ وظاهر إطلاق المؤلف رحمه الله تعالى أن كل وكالة تبطل بموت الموكل وجنونه وليس كذلك ففي البزازية قولهم ينعزل بجنون الموكل وموته مقيد بالموضع الذي يملك الموكل عزل وكيله فأما في الرهن فإذا وكل الراهن العدل أو المرتهن ببيع الرهن عند حلول الأجل أو الوكيل بالأمر باليد لا ينعزل وإن مات الموكل أو جن والوكيل بالخصومة بالتماس الخصم ينعزل بجنون الموكل وموته والوكيل بالطلاق ينعزل بموت الموكل استحسانا لا قياسا ا هـ .

                                                                                        وعلى هذا يفرق في الوكالة اللازمة بين وكالة ووكالة فالوكالة ببيع الرهن لا تبطل بالعزل حقيقيا أو حكميا ولا بالخروج عن الأهلية بالجنون والردة وفيما عداها من اللازمة لا تبطل بالحقيقي وتبطل بالحكمي وبالخروج عن الأهلية وقيد بالمطبق لأن قليله بمنزلة الإغماء وحده شهر عند أبي يوسف اعتبارا بما يسقط به الصوم وعنه أكثر من يوم وليلة لسقوط الصلوات الخمس فصار كالميت وقدره محمد بحول كامل لسقوط جميع العبادات به فقدر به احتياطا وهو الصحيح كما ذكره الشارح والمطبق بكسر الباء أي الدائم والحمى المطبقة هي التي لا تفارق ليلا ونهارا كذا في النهاية والبناية وزاد في البناية وقيل : مستوعبا من قولهم أطبق الغيم إذا استوعب وفي المصباح أطبقت عليه الحمى فهي مطبقة بالكسر على الباب وأطبق عليه بالجنون فهو مطبق أيضا والعامة تفتح الباء على معنى أطبق الله تعالى عليه الحمى والجنون أدامهما كما يقال أحمه الله وأجنه أي أصابه بهما وعلى هذا فالأصل مطبق عليه فحذفت أيضا تخفيفا ويكون الفعل مما استعمل لازما ومتعديا . ا هـ .

                                                                                        وقيد بلحاق المرتد لأن تصرفات المرتد موقوفة عنده فكذا وكالته فإن أسلم نفذ وإن قتل أو لحق بدار الحرب بطلت الوكالة فأما عندهما تصرفاته نافذة فلا تبطل وكالته إلا أن يموت أو يقتل على ردته أو يحكم بلحاقه وفي إيضاح الإصلاح والمراد بلحوقه ثبوته بحكم الحاكم ا هـ .

                                                                                        ولا تبطل وكالة المرأة بارتدادها ما لم تلحق بدار الحرب ويحكم الحاكم بلحاقها وكذا يجوز توكيلها بعد ارتدادها أيضا لأنها تبقى بعد الردة مالكة للتصرف بنفسها وردتها لا تؤثر في عقودها إلا إذا وكلته بالتزويج ثم ارتدت فإن ذلك يبطل لأنها لا تملكه بنفسها فكذا وكيلها .

                                                                                        [ ص: 190 ] وإذا بطلت باللحاق من أحدهما لا تعود بعوده مسلما على المذهب الظاهر موكلا كان أو وكيلا ومقتضاه أنه لو أفاق بعد جنونه مطبقا لا تعود وكالته ثم اعلم أن الوكالة تبطل بموت الموكل إلا في بيع الوفاء قال في جامع الفصولين : باعه جائزا بوكالة ثم مات موكله لا ينعزل بموته الوكيل ا هـ . والبيع الجائز هو بيع الوفاء اصطلاحا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف وموت أحدهما إلخ ) قال في اليعقوبية : ذكر موت الوكيل وقع في الهداية والكافي أيضا لكن كون الموت مبطلا لتصرف الوكيل ظاهر فلا فائدة له إلا دفع توهم جريان الإرث وإن كان في غاية البعد [ ص: 189 ] ( قوله وبهذا علم أن الوكالة تبطل بفقد الموكل إلخ ) رده المقدسي بأن ظاهر ما في التجنيس أنه إنما دفع المال ليحفظه وحينئذ فلا يدل على ما استنبطه فلقائل أن يقول : لو دفعه ليعمر منه كان له ذلك وإنما امتنع لعدم إذنه كذا في حاشية أبي السعود عن الحموي أقول : كيف يصح قوله كان له ذلك مع التعليل بأنه لعله قد مات وليس هذا وصية ثم لا يخفى أن أمره بتعمير الدار لا يخلو إما أن يكون من هذا المال المدفوع أو من مال آخر دفعه له أو من مال المأمور وعلى كل فقوله ليس له أن يعمر الدار إلخ يدل على عزله في التصرف دون الحفظ فثبت ما قاله المؤلف فتأمله منصفا ( قوله وفيما عداها من اللازمة لا تبطل بالحقيقي إلخ ) يرد عليه الوكيل بالأمر باليد كما قدمه آنفا والوكيل ببيع الوفاء كما سيذكره آخر المقولة .

                                                                                        ( قوله وهو الصحيح كما ذكره الشارح ) لكن في الشرنبلالية عن المضمرات مقدر بشهر وبه يفتى وكذا في القهستاني والباقاني وجعله قاضي خان في فصل فيما يقضى بالمجتهدات قول أبي حنيفة وأن عليه الفتوى فليحفظ كذا في الدر المختار ( قوله ويكون الفعل مما استعمل لازما ومتعديا ) كذا في النسخ ولعله أو يكون بأو دون الواو لأنه إذا كان مما استعمل لازما ومتعديا لا يحتاج إلى دعوى حذف الصلة تخفيفا فإن ما حذفت منه الصلة يكون متعديا وما ذكرت فيه يكون لازما فتعين ما قلنا تأمل .

                                                                                        ( قوله وفي إيضاح الإصلاح والمراد بلحوقه ثبوته بحكم الحاكم ) قال في الحواشي اليعقوبية : قوله ولحاقه بدار الحرب مرتدا هذا عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يبطل لو حكم بلحاقه وقد مر في السير كذا في الهداية وهاهنا كلام وهو أن المعلوم مما ذكر في كتاب السير أن المرتد إذا لحق بدار الحرب تكون تصرفاته موقوفة عند أبي حنيفة رحمه الله فإن عاد مسلما صار كأن لم يزل مسلما وتصح تصرفاته وإن مات أو حكم بلحاقه استقر كفره فتبطل تصرفاته وعندهما تصرفاته نافذة إلا أن يموت أو يحكم بلحاقه والوكالة من جملة التصرفات فلا وجه للحكم هاهنا بمجرد اللحاق عند أبي حنيفة رحمه الله كما لا يخفى اللهم إلا أن يراد من بطلان الوكالة عدم نفوذها لكنه بعيد لا يخفى فليتأمل وقال في الهداية : وتبطل الوكالة بموت الموكل أو جنونه جنونا مطبقا أو لحاقه بدار الحرب مرتدا ثم قال بعده : وإن كان الموكل امرأة فارتدت فالوكيل على وكالته حتى تموت أو تلحق بدار الحرب لأن ردتها لا تؤثر في عقودها على ما عرف ويعلم من هذا أن الرجل الموكل إذا ارتد تبطل وكالته بمجرد الارتداد بدون اللحوق فينبغي أن يقول في قوله السابق وارتد بدل قوله ولحاقه بدار الحرب كما لا يخفى ا هـ .

                                                                                        وفي الكفاية ذكر شيخ الإسلام في المبسوط وإن لحق الوكيل بدار الحرب مرتدا فإنه لا ينعزل عن الوكالة عندهم جميعا ما لم يقض القاضي بلحاقه ا هـ .

                                                                                        وهذا كما ترى مؤيد لما بحثه المحشي ثم اعلم أن المذكور في السير أن تصرفات المرتد كالمبايعة والعتق ونحوهما موقوفة عند الإمام إن أسلم نفذت وإن هلك أو لحق بدار الحرب وحكم به بطلت وأجازها مطلقا وهذا كما ترى ليس خاصا بما إذا لحق بل الحكم أعم فتأمل [ ص: 190 ] ( قوله وإذا بطلت باللحاق من أحدهما إلخ ) قال في الحواشي اليعقوبية : واعلم أن الوكيل إن عاد مسلما بعد لحوقه بدار الحرب مرتدا والقضاء به تعود الوكالة عند محمد رحمه الله ولا تعود عند أبي يوسف ولو عاد الموكل مسلما بعد اللحوق والقضاء به لا تعود الوكالة عندهم في ظاهر الرواية وعن محمد أنه تعود كما قال في الوكيل والفرق له على ظاهر أن مبنى الوكالة في حق الموكل على الملك وقد زال بردته والقضاء بلحاقه وفي حق الوكيل على معنى قائم به وهو الأهلية ولم تزل بالقضاء بلحاقه كذا ذكر في الهداية وشروحها وعند أبي حنيفة رحمه الله ينبغي أن تعود الوكالة الباطلة بمجرد اللحوق بدون القضاء كما هو قوله إذا عاد الموكل مسلما بعده كما لا يخفى فليتأمل ا هـ .

                                                                                        ( قوله إلا في بيع الوفاء ) قال العلامة المقدسي : وهو ظاهر لتعلق حق البائع ا هـ .

                                                                                        والأولى أن يقول لتعلق حق المشتري قاله بعض الفضلاء أي لأنه رهن في المعنى على ما عليه العمل اليوم فالمشتري مرتهن .




                                                                                        الخدمات العلمية