( قوله : ومس ذكر ) بالرفع عطف على المنفي أي لا ينقض الوضوء خلافا مس الذكر وكذا مس الدبر والفرج مطلقا ، فإن المس لواحد من الثلاثة ناقض للوضوء إذا كان بباطن الأصابع واستدل للشافعي النووي له في شرح المهذب بما روت بسرة بنت صفوان { } ، وهو حديث حسن رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ في الموطإ مالك وأبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة ولنا ما رواه الجماعة أصحاب السنن إلا وابن ماجه عن ابن ماجه ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه { } وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة فقال هل هو إلا بضعة منك في صحيحه قال ابن حبان الترمذي : هذا الحديث أحسن شيء يروى في هذا الباب وأصح ورواه أيضا وقال هذا حديث مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ومتنه فهذا حديث صحيح معارض لحديث الطحاوي بسرة بنت صفوان ويرجح حديث طلق على حديث بسرة بأن حديث الرجال أقوى ; لأنهم أحفظ للعلم وأضبط ; ولهذا جعلت شهادة امرأتين بشهادة رجل وقد أسند إلى الطحاوي ابن المديني أنه قال حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة وعن أنه قال حديث عمرو بن علي الفلاس طلق عندنا أثبت من حديث بسرة بنت صفوان وقول النووي في شرح المهذب إن حديث [ ص: 46 ] طلق اتفق الحفاظ على ضعفه لا يخفى ما فيه إذ قد علمت ما قاله الترمذي وغيره إن حديث بسرة ضعفه جماعة حتى قال ثلاثة أحاديث لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حديث مس الذكر وقول يحيى بن معين النووي أيضا ترجيحا لحديث بسرة بأن حديث طلق منسوخ ; لأن قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم كان في السنة الأولى من الهجرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجده وراوي حديث بسرة ، وإنما قدم أبو هريرة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة فغير لازم ; لأن ورود أبو هريرة طلق إذ ذاك ثم رجوعه لا ينفي عوده بعد ذلك وهم قد رووا عنه حديثا ضعيفا من مس ذكره فليتوضأ وقالوا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم الناسخ والمنسوخ ; ولأن حديث طلق غير قابل للنسخ ; لأنه صدر على سبيل التعليل فإنه عليه الصلاة والسلام ذكر أن الذكر قطعة لحم فلا تأثير لمسه في الانتقاض ، وهذا المعنى لا يقبل النسخ كذا في معراج الدراية
وقول النووي أيضا إن حديث طلق محمول على المس فوق حائل ; لأنه قال سألته عن مس الذكر في الصلاة والظاهر أن الإنسان لا يمس ذكره في الصلاة بلا حائل مردود بأن تعليله صلى الله عليه وسلم بقوله { } يأبى الحمل والبضعة بفتح الموحدة القطعة من اللحم ، وفي شرح الآثار هل هو إلا بضعة منك لا نعلم أحدا من الصحابة أفتى بالوضوء من مس الذكر إلا للطحاوي وقد خالفه في ذلك أكثرهم وأسند عن ابن عمر أنه عد جماعة لم يكونوا يعرفون الحديث يعني حديث ابن عيينة بسرة ومن رأيناه يحدث عنهم سخرنا منه ومما يدل على انقطاع حديث بسرة باطنا أن أمر النواقض مما يحتاج الخاص والعام إليه وقد ثبت عن علي وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن الحصين وأبي الدرداء أنهم لا يرون النقض ، وإن روي عن غيرهم خلافه وفي السنن وسعد بن أبي وقاص حدثنا للدارقطني محمد بن الحسن النقاش أخبرنا عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي أخبرنا رجاء بن مرجى الحافظ قال اجتمعنا في مسجد الحنيف أنا وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني فتناظرنا في مس الذكر فقال ويحيى بن معين يتوضأ منه يحيى بن معين
وقال بقول علي بن المديني الكوفيين وتقلد قولهم واحتج بحديث يحيى بن معين بسرة بنت صفوان واحتج بحديث علي بن المديني قيس بن طلق وقال ليحيى كيف تتقلد إسناد بسرة ومروان أرسل شرطيا حتى رد جوابها إليه وقال يحيى وقد أكثر الناس في قيس بن طلق ولا يحتج بحديثه فقال كلا الأمرين على ما قلتما فقال ابن حنبل يحيى حدثنا عن مالك عن نافع أنه توضأ من مس الذكر فقال ابن عمر كان ابن المديني يقول لا يتوضأ منه ، وإنما هو بضعة من جسدك فقال ابن مسعود يحيى عمن قال عن سفيان عن أبي قيس عن هذيل عن عبد الله ، وإذا اجتمع ابن مسعود وابن عمر أولى أن يتبع فقال فابن مسعود نعم ولكن ابن حنبل أبو قيس لا يحتج بحديثه فقال حدثني أبو نعيم أخبرنا عن مسعر عن عمير بن سعيد قال ما أبالي مسسته أو أنفي فقال عمار بن ياسر ابن حنبل عمار استويا فمن شاء أخذ بهذا ومن شاء أخذ بهذا ا هـ . وابن عمر
وإن سلكنا طريق الجمع جعل مس الذكر كناية عما يخرج منه ، وهو من أسرار البلاغة يسكتون عن ذكر الشيء ويرمزون عليه بذكر ما هو من روادفه فلما كان مس الذكر غالبا يرادف خروج الحدث منه ويلازمه عبر به عنه كما عبر الله تعالى بالمجيء من الغائط عما يقصد لأجله ويحل فيه فيتطابق طريقا الكتاب والسنة في التعبير فيصار إلى هذا لدفع التعارض والله الموفق للصواب ويستحب لمن مس ذكره أن يغسل يده صرح به صاحب المبسوط ، وهذا أحد ما حمل به حديث بسرة فقال أو المراد بالوضوء غسل اليد استحبابا كما في قوله الوضوء قبل [ ص: 47 ] الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم لكن في البدائع ما يفيد تقييد الاستحباب بما إذا كان الاستنجاء بالأحجار دون الماء ، وهو حسن كما لا يخفى .