الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        السابع في المقصود من شرعيتها قال في العناية وشرعيتها ليست لذاتها بل من حيث انقطاعها بالقضاء دفعا للفساد المظنون ببقائها . ا هـ . ولم يذكر الشارحون هنا حكم استيفاء ذي الحق حقه من الغير بلا قضاء ، وأحببت جمعه هنا من مواضعه تكثيرا للفوائد وتيسيرا على طالبيها فإن كان الحق حد قذف فلا يستوفيه بنفسه ; لأن فيه حق الله تعالى اتفاقا والأصح أن الغالب فيه حقه تعالى فلا يستوفيه إلا من يقيم الحدود ولكن بطلب المقذوف كما بيناه في بابه ، وإن كان قصاصا فقال في جنايات البزازية قتل الرجل عمدا وله ولي له أن يقتص بالسيف قضى به أو لا ويضرب علاوته ولو رام قتله بغير سيف منع ، وإن فعل عزر لكن لا يضمن لاستيفائه حقه . ا هـ .

                                                                                        وإن كان تعزيرا ففي حدود القنية ضرب غيره بغير حق وضربه المضروب أيضا أنهما يعزران ويبدأ بإقامة التعزير بالبادئ منهما ; لأنه أظلم ، والوجوب عليه أسبق . ا هـ .

                                                                                        وأما إذا شتمه فله أن يقول له مثله والأولى تركه كما قدمناه في محله ، وقالوا للزوج أن يؤدب زوجته ، وفي جامع الفصولين من التحليف ، ومن عليه التعزير لو مكن صاحب الحق منه أقامه . ا هـ .

                                                                                        وإن كان عينا ففي إجارة القنية ولو غاب المستأجر بعد السنة ولم يسلم المفتاح إلى الآجر فله أن يتخذ له مفتاحا آخر ، ولو آجره من غيره بغير إذن الحاكم جاز . ا هـ .

                                                                                        وقد صارت حادثة الفتوى مضت المدة وغاب المستأجر وترك متاعه في الدار فأفتيت بأن له أن يفتح الدار ويسكن فيها ، وأما المتاع فيجعله في ناحية إلى حضور صاحبه ولا يتوقف الفتح على إذن القاضي أخذا مما في القنية ، وفي غصب منية المفتي أخذت أغصان شجرة إنسان هواء دار آخر فقطع رب الدار الأغصان فإن كانت الأغصان بحالة يمكن لصاحبها أن يشدها بحبل ويفرغ هواء داره ضمن القاطع ، وإن لم يكن لا يضمن إذا قطع من موضع لو رفع إلى الحاكم أمر بالقطع من ذلك الموضع . ا هـ .

                                                                                        وإن كان دينا ففي مداينات القنية رب الدين إذا ظفر من جنس حقه من مال المديون على صفته فله أخذه بغير رضاه ولا يأخذ خلاف جنسه كالدراهم والدنانير ، وعند الشافعي له أخذه بقدر قيمته وعن أبي بكر الرازي له أخذ الدنانير بالدراهم وكذا أخذ الدراهم بالدنانير استحسانا لا قياسا [ ص: 193 ]

                                                                                        ولو أخذ من الغريم غيره ودفعه إلى الدائن قال ابن سلمة هو والغريم غاصب فإن ضمن الآخذ لم يصر قصاصا بدينه ، وإن ضمن الغريم صار قصاصا ، وقال نصير بن يحيى صار قصاصا بدينه والآخذ معين له وبه يفتى ولو غصب جنس الدين من المديون فغصبه منه المديون فالمختار هنا قول ابن سلمة . ا هـ .

                                                                                        وظاهر قول أصحابنا أن له الأخذ من جنسه مقرا كان أو منكرا له بينة أو لا ولم أر حكم ما إذا لم يتوصل إليه إلا بكسر الباب ونقب الجدار وينبغي أن له ذلك حيث لا يمكنه الأخذ بالحاكم ، وإذا أخذ غير الجنس بغير إذنه فتلف في يده ضمنه ضمان الرهن كما في غصب البزازية ولم أر حكم ما إذا ظفر بمال مديون مديونه والجنس واحد فيهما وينبغي أن يجوز .

                                                                                        [ ص: 193 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 193 ] ( قوله : ولو أخذ من الغريم غيره ) أي أخذ جنس الحق من الغريم غير رب الدين ودفعه لرب الدين ( قوله : قال ابن سلمة هو والغريم غاصب ) عبارة القنية هو غاصب والغريم غاصب الغاصب ( قوله : ولو غصب جنس الدين من المديون فغصبه منه المديون إلخ ) كذا في النسخ والذي في القنية فغصبه منه الغريم والظاهر أن المراد بالغريم الدائن لا المديون والضمير في غصبه يعود إلى الغير السابق في كلامه أي لو غصب غير الدائن جنس الدين من المديون فغصبه منه الدائن إلخ تأمل ( قوله : كما في غصب البزازية ) قال الرملي والذي في غصب البزازية رفع عمامة مديونه عن رأسه حين تقاضاه الدين ، وقال لا أردها عليك حتى تقضي الدين فتلفت العمامة في يده تهلك هلاك الرهن بالدين قال هذا إنما يصح إذا أمكنه استردادها فتركها عنده أما إذا عجز فتركها لعجزه ففيه نظر . ا هـ .

                                                                                        وأنت خبير بأن ما هنا مشكل إذ يقتضي أن الزائد على الدين أمانة مع كونه غاصبا إذ ليس له أخذ غير جنس حقه فتأمل ذلك ، وفي البزازية في الرهن تقاضى دينه فلم يقضه فرفع العمامة عن رأسه وأعطاه منديلا فلفه على رأسه فالعمامة رهن ; لأن الغريم بتركها عنده رضي بكونها رهنا ، وفي تنوير الأبصار أخذ عمامة المديون لتكون رهنا عنده لم تكن رهنا . ا هـ .

                                                                                        وفي جامع الفصولين أخذ عمامة مديون لتكون رهنا لم يجز أخذه ، وهلكه كرهن ، وهذا ظاهر لو رضي المديون بتركه هنا . ا هـ .

                                                                                        والتوفيق بين هذه النقول ظاهر فتأمل ، والله تعالى أعلم .




                                                                                        الخدمات العلمية