الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : فإذا صحت الدعوى سأل المدعى عليه عنها ) لينكشف وجه الحكم ، ومفهومه أنها إذا لم تصح لا يسأله القاضي عنها لعدم وجوب الجواب عليه لها بخلاف الصحيحة فإنه يجب عليه جوابها وظاهره أن القاضي يسأله ، وإن لم يطلب المدعي ، وفي السراجية إذا حضر الخصمان لا بأس أن يقول مالكما ، وإن شاء سكت حتى يبتدئه بالكلام ، وإذا تكلم المدعي يسكت الآخر ويسمع مقالته فإذا فرغ يقول للمدعى عليه بطلب المدعي ماذا تقول ، وقيل إن المدعي إذا كان جاهلا فإن القاضي يسأل المدعى عليه بدون طلب المدعي . ا هـ .

                                                                                        وفي شهادات الخزانة يجوز للقاضي أن يأمر رجلا يعلم المدعي الدعوى والخصومة إذا كان لا يقدر عليها ، ولا يحسنها . ا هـ .

                                                                                        وفي القنية ليس للقاضي أن يمنع ذا اليد عن التصرف في الضيعة بالدعوى وطلب المدعي ذلك . ا هـ .

                                                                                        وسيأتي ( قوله فإن أقر أو أنكر فبرهن المدعي قضي عليه ) لوجود الحجة الملزمة للقضاء ، وفي المعراج ، ولفظ القضاء في الإقرار مجاز للزومه بإقراره فلا حاجة إلى القضاء لكونه حجة بنفسه لا يتوقف على القضاء فكان الحكم إلزاما للخروج عن موجبه بخلاف البينة فإن الشهادة خبر محتمل وبالقضاء يصير حجة ويسقط احتمال الكذب . ا هـ . ولم يشترط المؤلف رحمه الله تعالى طلب الخصم القضاء بعد الحجة لما في البزازية ويعلم المدعى عليه أنه يريد القضاء ، وهذا أدب غير لازم وكذا قول القاضي أحكم أدب غير لازم . ا هـ .

                                                                                        وظاهر ما في الكتاب أن القاضي لا يمهل المدعى عليه إذا استمهله ، وليس بشيء ففي البزازية ويمهله ثلاثة أيام إن قال المطلوب ليدفع ، وإنما يمهله هذه المدة ; لأنهم كانوا يجلسون في كل ثلاثة أيام أو جمعة فإن كان يجلس في كل يوم ، ومع هذا يمهله ثلاثة أيام جاز فإن مضت المدة ، ولم يأت بالدفع حكم . ا هـ .

                                                                                        ولذا كتبنا في الفوائد لا يجوز للقاضي تأخير الحكم بعد وجود [ ص: 203 ] شرائطه إلا في ثلاث ، وظاهر ما في الكتاب أن البينة لا تقام إلا على منكر فلا تقام على مقر وكتبنا في فوائد كتاب القضاء أنها تقام على المقر في وارث مقر بدين على الميت فتقام عليه للتعدي ، وفي مدعى عليه أقر بالوصاية فبرهن الوصي ، وفي مدعى عليه أقر بالوكالة فيثبتها الوكيل ثم زدت الآن رابعا من جامع الفصولين من فصل الاستحقاق قال المرجوع عليه عند الاستحقاق لو أقر بالاستحقاق ، ومع ذلك برهن الراجع على الاستحقاق كان له أن يرجع على بائعه إذ الحكم وقع ببينة لا بإقرار ; لأنه محتاج إلى أن يثبت عليه الاستحقاق ليمكنه الرجوع على بائعه ، وفيه لو برهن المدعي ثم أقر المدعى عليه بالملك له يقضى له بإقرار لا ببينة إذ البينة إنما تقبل على المنكر لا على المقر . ا هـ .

                                                                                        وقال في موضع آخر هذا يدل على جواز إقامتها مع الإقرار في كل موضع يتوقع الضرر من غير المقر لولاها فيكون هذا أصلا . ا هـ .

                                                                                        ولم يذكر المؤلف حكم ما إذا سكت عن الجواب ، وفي الخلاصة معزيا إلى الأقضية رجل ادعى على آخر مالا فلزم السكوت فلم يجب أصلا يؤخذ منه كفيل ثم سأل جيرانه عسى به آفة في لسانه أو سمعه فإن أخبروا أنه لا آفة به يحضر مجلس الحكم فإن سكت ، ولم يجب ينزله منكرا قال الإمام السرخسي هذا قولهما أما عند أبي يوسف فيحبس إلى أن يجيب . ا هـ .

                                                                                        وفي روضة الفقهاء لو سكت عن الجواب لا يكون منكرا بلا خلاف . ا هـ .

                                                                                        والفتوى على قول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء كما في القنية والبزازية فلذا أفتيت بأن يحبس إلى أن يجيب ، وفي المجمع ، ولو قال لا أقر ، ولا أنكر فالقاضي لا يستحلفه قال الشارح بل يحبس عند أبي حنيفة حتى يقر أو ينكر وقالا يستحلف ، وفي البدائع الأشبه أنه إنكار . ا هـ .

                                                                                        وهو تصحيح لقولهما كما لا يخفى فإن الأشبه من ألفاظ التصحيح كما في البزازية ثم اعلم أن الساكت لا تقام عليه البينة إلا فيما إذا وكله بالخصومة غير جائز الإقرار والإنكار كما قدمناه في الوكالة بالخصومة .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية