الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( فصل )

                                                                                        ذكر هذه المسائل في فصل على حدة لاختصاصها بأحكام تخالف ما سبق قال رحمه الله ( ولدت مكاتبة من سيدها مضت على كتابتها أو عجزت وهي أم ولد ) ; لأن المولى لما ادعاه صارت أم ولد منه فتلقاها جهتا حرية عاجلة ببدل وهي الكتابة وآجلة بغير بدل وهي أمومية الولد فتختار أيهما شاءت ولا يحتاج إلى تصديقها ; لأنها مملوكة له رقبة بخلاف ما إذا ادعى ولد جارية المكاتبة حيث لا يثبت نسبه من المولى إلا بتصديق المكاتبة ; لأنه لا ملك له حقيقة في ملك المكاتبة وإنما له حق الملك فيحتاج فيه إلى تصديقها فإذا مضت على الكتابة أخذت عقرها من سيدها ، وإذا مات المولى عتقت بالاستيلاد وسقط عنها مال الكتابة ; لأن العتق حصل لها بغير بدل بالاستيلاد ، وقال تاج الشريعة فإن قلت ينبغي أن لا يسقط عنها ; لأن الاكتساب تسلم لها ، وكذا أولادها التي اشتراها بعد الكتابة ، وهذا آية بقاء الكتابة قلنا الكتابة تشبه المعاوضة وبالنظر إلى ذلك لا يسقط البدل وتشبه الشرط وبالنظر إليه يسقط قلنا بسلامة الاكتساب عملا بجهة المعاوضة وقلنا بسقوط البدل عملا بجهة الشرط ورد بأنه قد تقرر مرارا أن العمل بالشبهين إنما يتصور فيما يمكن الجمع بين الجهتين وهنا ليس كذلك ; لأن جهة كون الكتابة معاوضة تستلزم عدم سقوط البدل وجهة كونه شرطا يستلزم السقوط والسقوط وعدمه متنافيان قطعا لا يمكن اجتماعهما في محل واحد وتنافي اللازمين يوجب تنافي الملزومين فلا يمكن اجتماعهما .

                                                                                        والصواب في الجواب أنه إنما سلم لها البدل ; لأن الكتابة انفسخت في حق البدل وبقيت في حق الاكتساب والأولاد ; لأن الفسخ للنظر لهما والنظر فيما ذكرناه وإن ماتت وتركت ما لا يؤدى كتابتها منه وما بقي لولدها ميراثا ; لأنه ثبت عتقها في آخر جزء من أجزاء حياتها وإن لم تترك مالا فلا سعاية على الولد ; لأنه حر وإن ولدت ولدا آخر لم يثبت نسبه من غير دعوى لحرمة وطئها عليه وولد أم الولد إنما يثبت نسبه من غير دعوى إذا كان وطؤها حلالا ، وإذا عجزت نفسها وولدت بعد ذلك ولدا في مدة يمكن العلوق بعد التعجيز يثبت نسبه من غير دعوى إلا إذا نفاه صريحا ، ولو لم يدع الولد الثاني وماتت من غير وفاء سعى هذا الولد في بدل الكتابة ; لأنه مكاتب تبعا لها ، ولو مات المولى بعد ذلك عتق وبطل عنه السعاية ; لأنه بمنزلة أم الولد وأطلق في قوله مكاتبة فشمل ما إذا كانت مفردة بالعقد أو مكاتبة مع أخرى وما ذكره خاص بالأولى .

                                                                                        قال في المحيط رجل كاتب جاريتين مكاتبة واحدة ، ثم استولد أحدهما فالولد حر والأم مكاتبة كما كانت ولا خيار لها ; لأن الاستيلاد حصل في ملكه فعلق حرا وإنما قلنا لا خيار لها ; لأنه لا يمكن ردها إلى الرق بدون الأخرى ، ولو ولدت إحداهما بنتا فاستولد المولى البنت صارت أم ولد له والولد حر بغير القيمة وليس لها أن تعجز نفسها وتبطل الكتابة ; لأنها تابعة لأمها ، وإذا تعذر فسخ الكتابة تصير أم ولد له ا هـ .

                                                                                        فلو قال بعقد مفرد لسلم وفي المبسوط إذا ادعى المولى حبل المكاتبة فضرب إنسان بطنها بعد ذلك بيوم فألقت جنينا ميتا فإن في الولد غرة لأبيه ; لأنه عتق بدعوته فكان ميراثا له ولا ترث شيئا ، ولكنها تأخذ العقر إن اختارت المضي على المكاتبة ا هـ .

                                                                                        فلو قال : ولو ادعى حبلها فضرب آخر بطنها فألقت جنينا ميتا مضت إلى آخره لكان أولى ; لأنه يعلم حكم ما إذا ولدته فادعاه بالأولى وفي المبسوط أيضا ولدت مكاتبة من مولاها ، ثم أقر المولى أنها أمة لفلان لم يصدق وإن صدقته في ذلك ; لأن حق أمومية الولد قد ثبت لها فلا يصدقان في إبطالها فإن قال المدعي بعتها منك بألف ولم ينقد الثمن ، وقال المولى زوجتني والأمة معروفة للمدعي فعلى المولى المهر لمستوفيه قصاصا من الثمن وليس عليه قيمة في الأم ولا في الولد وإن لم تكن معروفة أنها للمدعي ضمن القيمة ألا ترى أنه لو أنكر البيع لم يتمكن من استردادها فيضمن قيمتها بعد أن يحلف بالله ما اشتراها منه بما يدعيه من الثمن ا هـ .

                                                                                        وقيد بقوله مكاتبة من سيدها ليحترز عن أمة المكاتب فإن صدقه ثبت النسب ويضمن قيمة [ ص: 59 ] الولد وتعتبر قيمته يوم الولادة هذا إذا جاءت به لستة أشهر من حين اشتراها فلو جاءت به لأقل فادعاه المولى لا تصح دعوته ، وكذا إذا اشترى المكاتب غلاما من السوق لا تصح دعوته إلا بتصديق المكاتب عبدا كاتبه وكاتب العبد أمة ، ثم ولدت المكاتبة ولدا فادعاه مولى المكاتب فالمسألة على وجوه إما أن يصدقاه في ذلك أو يكذباه أو صدقه أحدهما وكذبه الآخر فإن جاءت بالولد لستة أشهر فأكثر فصدقاه في ذلك أو صدقه المكاتب ثبت النسب منه وإن كذباه في ذلك أو كذبته المكاتبة لا يثبت النسب والعبرة هنا بتصديق المكاتبة دون المكاتب والعبرة فيما تقدم لتصديق المكاتب دون المكاتبة ويجب العقر لها .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية