قال رحمه الله ( وعلى الكفر وإتلاف مال المسلم بقتل وقطع لا بغيرهما يرخص ) يعني لو يرخص له إجراء كلمة الكفر على لسانه وقلبه مطمئن بالإيمان ولحديث { أكره على كلمة الكفر وإتلاف مال إنسان بشيء يخاف على نفسه أو على أعضائه كالقتل وقطع الأطراف حين ابتلي به أنه عليه الصلاة والسلام قال له كيف وجدت قلبك قال مطمئنا بالإيمان قال فإن عادوا فعد عمار بن ياسر } أي عد إلى الطمأنينة ; ولأن بهذا الإظهار أنه لا يفوت حقيقة الإيمان ; لأن التلفظ في هذه الحالة لا تدل على تبدل الاعتقاد لقيام التصديق به فرخص له إحياء لنفسه وفي المحيط وغيره وهذه المسألة على ثلاثة أوجه أحدها أن يكون قلبه مطمئنا ولم يخطر على باله شيء سوى ما أكره عليه والثاني أن يخطر بباله الخبر بالكفر عما مضى بالكذب بأن لم يكن كفر قط فيما مضى ، وقال أردت الخبر عما مضى كاذبا ولم أرد كفرا مستقبلا فهذا يكفر قضاء ولا يكفر ديانة الثالث أن يقول لم يخطر ببالي كفر في الماضي وأردت الكفر مستقبلا فهذا يكفر قضاء وديانة . ا هـ .
وفي المحيط على هذا التفصيل أنه إذا وفي الظهيرية لو أكره على أن يسجد للصليب فالمسألة على ثلاثة أوجه الأول إذا خطر بباله أن يصلي لله تعالى لا للصليب . أكره على أن يصلي للصليب أو سجد
وفي هذا الوجه لا يكفر في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى سواء كان مستقبل القبلة أو لم يكن مستقبلا الثاني أن يقول لم أصل لله تعالى وصليت للصليب وفي هذا يكفر في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى الثالث أن يقول لم يخطر ببالي وصليت للصليب مكرها في هذا لا يكفر في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى وفي الأصل لو محمد صلى الله عليه وسلم فهي على ثلاثة أوجه الأول أن يقول لم يخطر ببالي شيء وشتم أكره على شتم محمدا مكرها وفي هذا لا يكفر قضاء ولا ديانة الثاني أن يقول خطر ببالي رجل من النصارى يقال له محمد فشتمته ولم أشتم الرسول فهذا كالأول قال أطلق الكرخي محمد في العبارة وحيث لم يقل من المسلمين ; لأن شتم النصراني دون المسلم في الحرمة الثالث أن يقول خطر ببالي رجل من النصارى فيه فتركته وسميت الرسول وفي هذا يكفر قضاء وديانة ا هـ .
قال رحمه الله ( ويثاب بالصبر ) أي يكون مأجورا إن صبر ولم يظهر الكفر حتى قتل ; لأن خبيبا صبر حتى صلب وسماه النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء ، وقال هو رفيقي في الجنة ; ولأن الحرمة قائمة والامتناع عزيمة فإذا بذل نفسه لإعزاز الدين كان شهيدا ولا يقال الكفر مستثنى في حالة الإكراه فكيف يكون حراما في تلك الحالة ; لأنا نقول الاستثناء راجع إلى العذاب ; لأنه المذكور قبله دون الحرمة بخلاف الخمر وأخواته فإن المذكور فيه الحرمة فينتفي في تلك الحالة وهنا لا تنتفي فتبقى على حالها ، ولكن لو ترخص جاز واعترض عليه بأن إجراء كلمة الكفر أيضا مستثنى بقوله إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان من قوله من كفر بالله بعد إيمانه فينبغي أن [ ص: 84 ] يكون مباحا كأكل الميتة وشرب الخمر وأجيب بأن في الآية تقديما وتأخيرا وتقديره من كفر بالله من بعد إيمانه وشرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان فالله تعالى ما أباح إجراء كلمة الكفر على لسانهم حالة الإكراه وإنما دفع عنهم العذاب والغضب وليس من ضرورة نفي الغضب وهو حكم الحرمة ; لأنه ليس من ضرورة عدم الحكم عدم العلة فجاز أن يكون الغضب منتفيا مع قيام العلة الموجبة للغضب وهو الحرمة فلم تثبت إباحة إجراء كلمة الكفر كذا في النهاية وعزاه إلى مبسوط شيخ الإسلام ا هـ .