( قوله وفيما بعد الأوليين اكتفى بالفاتحة ) يعني في الفرائض أطلقه فشمل الثالثة من المغرب والأخيرتين من الرباعية وهي أحسن من عبارة القدوري حيث قال يقرأ في الأخريين بالفاتحة إذ لا تشمل المغرب ولم يبين صفة القراءة فيما بعدهما للاختلاف فروى الحسن عن أبي حنيفة وجوبها وظاهر الرواية أنه يخير بين القراءة والتسبيح ثلاثا كما في البدائع والذخيرة والسكوت قدر تسبيحة كما في [ ص: 345 ] النهاية أو ثلاثا كما ذكره الشارح وصحح التخيير في الذخيرة ، وفي فتاوى قاضي خان وعليه الاعتماد ، وفي المحيط : ظاهر الرواية أن القراءة سنة في الأخيرتين ، ولو سبح فيهما ولم يقرأ لم يكن مسيئا ; لأن القراءة فيهما شرعت على سبيل الذكر والثناء حتى قالوا : ينوي بها الذكر والثناء دون القراءة بدليل أنه شرعت المخافتة فيها في سائر الأحوال وذلك يختص بالأذكار ولذا تعينت الفاتحة للقراءة ; لأنها كلها ذكر وثناء ، وإن سكت فيهما عمدا يكون مسيئا ; لأنه ترك السنة ، وإن كان ساهيا لم يلزمه سجود السهو ، وفي البدائع إن التخيير مروي عن علي وابن مسعود ، وهو مما لا يدرك بالرأي فهو كالمرفوع ، وهو الصارف للمواظبة عن الوجوب المستفاد من حديث الصحيحين عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، وفي الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب } وبهذا ظهر ضعف ما في المحيط من أنه لا يكون مسيئا بترك القراءة فيهما لكن مقتضى أثر علي وابن مسعود أنه لا يكون مسيئا بالسكوت ، وهو ظاهر ما في البدائع والذخيرة والخانية ، وإن كان صاحب المحيط على خلافه ، واتفق الكل على أن القراءة أفضل وليس بمناف للتخيير كالحلق مع التقصير وصوم المسافر في رمضان إذ لا مانع من التخيير بين الفاضل والأفضل وصحح في المجتبى أنه ينوي الذكر والثناء موافقا لما في المحيط واستدل له في المبسوط ، وفي البدائع أن رجلا سأل عائشة عن قراءة الفاتحة في الأخريين ، فقالت : ليكن على وجه الثناء ، وقد قدمناه في الحيض أن القرآن يخرج عن القرآنية بالقصد وأن بعضهم لا يرى به في الفاتحة فينبغي كذلك هنا ومن الغريب ما نقله في المجتبى عن غريب الرواية أنه لو قرأ الفاتحة في الأخريين بنية القرآن يضم إليها السورة ا هـ .
وكان وجهه القياس على الأوليين ولا يخفى عدم صحته لما عهد في الأخريين من التخفيف وأشار بقوله اكتفى بالفاتحة إلى أنه لا يزيد عليها على أنه سنة والظاهر أن الزيادة عليها مباحة لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم { كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين قدر ثلاثين آية ، وفي الأخريين قدر خمسة عشر آية أو قال نصف ذلك } ، ولهذا قال فخر الإسلام وتبعه في غاية البيان أن السورة مشروعة نفلا في الأخريين حتى لو قرأها في الأخريين ساهيا لم يلزمه السجود ، وفي الذخيرة ، وهو المختار ، وفي المحيط ، وهو الأصح ، وإن كان الأولى الاكتفاء بها لحديث أبي قتادة السابق ويحمل حديث أبي سعيد على تعليم الجواز ويحمل ما في السراج الوهاج معزيا إلى الاختيار من كراهة الزيادة على [ ص: 346 ] الفاتحة على كراهة التنزيه التي مرجعها إلى خلاف الأولى وقيدنا بالفرائض ; لأن النفل الواجب تجب القراءة في جميع الركعات بالفاتحة والسورة كما سيأتي وأشار أيضا إلى أنه لا يأتي بالثناء والتعوذ في الشفع الثاني من الفرائض ، والواجب كالفرض في هذا ، بخلاف النوافل سنة كانت أو غيرها ، فإنه يأتي بالثناء والتعوذ فيه كالأول ; لأن كل شفع صلاة على حدة ولذا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القعود الأول ، واستثنى من ذلك في المجتبى الأربع قبل الظهر والجمعة وبعدها فإنها صلاة واحدة كالفرض لكن هو مسلم في الأربع قبل الظهر لما صرحوا به من أنه لا تبطل شفعة الشفيع بالانتقال إلى الشفع الثاني منها ، ولو أفسدها قضى أربعا والأربع قبل الجمعة بمنزلتها ، وأما الأربع بعد الجمعة فغير مسلم بل هي كغيرها من السنن فإنهم لم يثبتوا لها تلك الأحكام المذكورة والله سبحانه أعلم .


