الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وفرض القراءة آية ) هي في اللغة العلامة الظاهرة ومن هنا سميت المعجزة آية لدلالتها على النبوة وصدق من ظهرت على يده ، وتقال الآية لكل جملة دالة على حكم من أحكامه تعالى ولكل كلام منفصل عما قبله وبعده بفصل توقيفي لفظي ، وقيل : جماعة حروف وكلمات من قولهم : خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم كذا في شرح المصابيح لزين العرب في بعض ، وفي بعض حواشي الكشاف والآية طائفة من القرآن مترجمة ، أقلها ستة أحرف صورة ا هـ .

                                                                                        ويرد عليه قوله تعالى { لم يلد } فإنها آية ، ولهذا جوز أبو حنيفة الصلاة بها وهي خمسة أحرف ، وفي فرض القراءة ثلاث روايات : ظاهر الرواية كما نقله المشايخ ما في الكتاب لقوله تعالى { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } من غير فصل إلا أن ما دون الآية خارج منه وإلا آية ليست في معناه ، وفي رواية : ما يطلق عليه اسم القرآن ولم يشبه قصد خطاب أحد وصححه القدوري ورجحه الشارح بأنه أقرب إلى القواعد الشرعية ; لأن المطلق ينصرف إلى الأدنى ، وفيه نظر بل المطلق ينصرف إلى الكامل في الماهية ، وفي رواية : ثلاث آيات قصار أو آية طويلة ، وهو قولهما ورجحه في الأسرار بأنه احتياط ; لأن قوله { لم يلد } { ثم نظر } لا يتعارف قرآنا ، وهو قرآن حقيقة فمن حيث الحقيقة حرمتا على الحائض والجنب ومن حيث العدم لم تجز الصلاة به حتى يأتي بما يكون قرآنا حقيقة وعرفا فالأمر المطلق لا ينصرف إلى ما لا يتعارف قرآنا والاحتياط أمر حسن في العبادات

                                                                                        وذكر المصنف في الكافي أن الخلاف مبني على أصل ، وهو أن الحقيقة المستعملة أولى عنده من المجاز المتعارف ، وعندهما بالعكس . أطلق الآية [ ص: 359 ] فشمل الطويلة والقصيرة والكلمة الواحدة وما كان مسماه حرفا فيجوز بقوله تعالى { ثم نظر } { مدهامتان } { ص } { ق } { ن } ولا خلاف في الأول ، وأما الثاني والثالث ففيه اختلاف المشايخ والأصح أنه لا يجوز ; لأنه يسمى عادا لا قارئا كذا ذكره الشارحون ، وهو مسلم في { ص } ونحوه ; لأن نحو { ص } ليس بآية لعدم انطباق تعريفها عليها ، وأما في نحو { مدهامتان } فذكر الإسبيجابي وصاحب البدائع أنه يجوز على قول أبي حنيفة من غير ذكر خلاف بين المشايخ وما وقع في عبارة المشايخ من أن { ص } ونحوه حرف فقال في فتح القدير إنه غلط فإنها كلمة مسماها حرف وليس المقروء ، وإنما المقروء صاد وقاف ونون وأفاد لو قرأ نصف آية طويلة في ركعة ونصفها في أخرى فإنه لا يجوز ; لأنه ما قرأ آية طويلة ، وفيه اختلاف المشايخ ، وعامتهم على الجواز ; لأن بعض هذه الآيات تزيد على ثلاث آيات قصار أو تعدلها فلا يكون أدنى من آية وصححه في منية المصلي وعلم من تعليلهم أن كون المقروء في كل ركعة النصف ليس بشرط بل أن يكون البعض المقروء يبلغ ما يعد بقراءته قارئا عرفا وأفاد أيضا أنه لو قرأ نصف آية مرتين أو كلمة واحدة مرارا حتى بلغ قدر آية تامة فإنه لا يجوز وأن من لا يحسن الآية لا يلزمه التكرار عند أبي حنيفة قالوا : وعندهما يلزمه التكرار ثلاث مرات ، وأما من يحسن ثلاث آيات إذا كرر آية واحدة ثلاثا ففي المجتبى أنه لا يتأدى به الفرض عندهما

                                                                                        وذكر في الخلاصة أن فيه اختلاف المشايخ على قولهما ، وفي المضمرات شرح القدوري : اعلم أن حفظ قدر ما تجوز الصلاة به من القرآن فرض عين على المسلمين لقوله تعالى { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } وحفظ جميع القرآن فرض كفاية وحفظ فاتحة الكتاب وسورة واجبة على كل مسلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وهي خمسة أحرف ) أي خمسة صورة ولفظا وإلا فهي ستة لأن أصل يلد يولد قال في النهر ، ثم قيل : إن آي الإخلاص أربع وقيل : خمس فيجوز أن يكون ما في الحواشي بناء على الأول ( قوله وفيه نظر إلخ ) قد يجاب بأن المراد : المطلق في باب الأمر والنهي ينصرف إلى الأدنى بمعنى أن العبد يخرج عن عهدة التكليف به لأنه المتحقق ، وأما الأعلى الكامل فيحتاج إلى دليل خاص ولذا اكتفى في الأمر بالسجود والركوع بما يتحقق فيه أصلهما دون توقف على الكامل منهما وإلا كانت الطمأنينة فرضا لا واجبة تأمل ، وما سيأتي من أنه لو قرأ آية طويلة في ركعتين يجوز عند عامة المشايخ وصححه في المنية ، يفيد أرجحية رواية القدوري وتعليل الزيلعي لها وجوابنا عن النظر المذكور ( قوله وهو أن الحقيقة المستعملة أولى إلخ ) معناه أن كونه غير قارئ مجاز متعارف وكونه قارئا بذلك حقيقة مستعملة فإنه لو قيل هذا قارئ لم يخطئ المتكلم نظرا إلى الحقيقة اللغوية قال في الفتح : وفيه نظر فإنه منع ما دون الآية بناء على عدم كونه قارئا عرفا ، وأجاز الآية القصيرة لأنها ليست في معناه أي في أنه لا يعد به قارئا بل يعد بها قارئا عرفا فالحق أنه يبتني على الخلاف في قيام العرف في عده قارئا بالقصيرة قالا : لا يعد ، وهو يمنع . نعم ذلك مبناه على رواية ما يتناوله اسم القرآن [ ص: 359 ] ( قوله وفي المضمرات إلخ ) قال في النهر بعد نقله عبارة المضمرات وأما المسنون سفرا أو حضرا فسيأتي والمكروه نقص شيء من الواجب قال في الفتح : وحيث كانت هذه الأقسام ثابتة في نفس الأمر فما قيل لو قرأ البقرة ونحوها وقع الكل فرضا كإطالة الركوع والسجود مشكل إذ لو كان كذلك لم يتحقق قدر القراءة إلا فرضا فأين باقي الأقسام ا هـ .

                                                                                        وجوابه أن هذه الأقسام بالنظر إلى ما قبل الإيقاع ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية