الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وما نقصت الجارية بالولادة مضمون ويجبر بولدها ) يعني إذا ولدت الجارية المغصوبة فنقصت بالولادة فهو مضمون على الغاصب ويجبر بولدها إذا كان في قيمته وفاء بالنقصان ، وإن لم يكن يسقط بقدره وقال زفر والشافعي لا يجبر النقصان بالولد ; لأن الولد ملكه فكيف يجبر ملكه فصار كولد الظبية المخرجة من الحرم وكما لو هلك الولد قبل الرد أو هلكت الأم بالولادة أو غيرها من الأسباب ولنا أن سبب النقصان والزيادة واحد وهو الولادة ; لأنها أوجبت فوات جزء من مالية الأم وجددت مالية الولد ; لأن الولد إنما صار مالا بالانفصال وقبله لا يعتد به ألا ترى أنه لا يجوز التصرف فيه بيعا وهبة ونحوه ، فإذا صار مالا به انعدم ظهور النقصان به فانتفى الضمان فصار كما إذا شهد الشهود بالبيع بمثل القيمة أو أكثر ثم رجعوا عن الشهادة لا يضمنون لأنهم اختلفوا بالشهادة قدر ما أتلفوا بها فلا يعد إتلافا لاتحاد السبب كذا هذا وكما إذا قطعت يده عند الغاصب فرده مع أرش اليد ، فإنه يجبر نقصانه بالأرش لما ذكرنا من اتحاد السبب ; لأن السبب الواحد لما أثر في الزيادة والنقصان كانت الزيادة خلفا عن النقصان ولأن الواجب على الغاصب أن يرد ما غصب أو ماليته كما لو غصب من غير نقصان ، فإن فعل ذلك برئ من الضمان .

                                                                                        ألا ترى أنه لو غصب جارية سمينة فمرضت عنده وهزلت ثم تعافت وسمنت ثم عادت مثل ما كانت فردها لا ضمان عليه ولو كان مطلق الفوات يوجب الضمان لضمن وكذا إذا سقط سن منها أو قلعه الغاصب فنبتت مكانه أخرى فردها سقط ضمانها ، وقولهما كيف يجبر ملكه بملكه قلنا ليس هذا جبرا في الحقيقة ، وإنما هو اعتبار الملك منفصلا بعضه عن بعض بعد أن كان متحدا كما إذا غصب نقرة فضة فقطعها ، فإنه يردها ولا شيء عليه غيرها إذا لم ينقص بالقطع وولد الظبية ممنوع ، فإن نقصانها يجبر بولدها عندنا فلا يرد علينا وكذا إذا ماتت الأم ممنوعة في رواية عند أبي حنيفة ، فإنه روي عنه أن الأم إذا ماتت وفي الولد وفاء بقيمتها برئ الغاصب برده عليها وفي رواية عنه أنه يجبر بالولد قدر نقصان الولادة ويضمن ما زاد على ذلك من قيمة الأم وفي ظاهر الرواية عليه قيمتها يوم الغصب وتخريجه أن الولادة ليست سببا لموت الأم إذ لا يفضي إليه غالبا فيكون موتها بغير الولادة من العوارض وهي ترادف الأم وضيق المخرج فلم يتحد سبب النقصان والزيادة وكلامنا فيما إذا اتحد .

                                                                                        أما إذا مات الولد قبل الرد فلأنه لم يحصل للمالك مالية المغصوب ولا بد منه لبراءة الغاصب والخصاء ليس بزيادة ; لأنه غرض لبعض الفسقة ولذا لو غصب الخصي وهلك عنده لا تجب عليه قيمته خصيا ، وإنما يجب عليه قيمته غير خصي وكذا لو رده الغاصب بعدما خصاه لا يرجع على المالك بما زاده بالخصاء ولو كانت الزيادة معتبرة لرجع عليه بالزيادة كما يرجع بما زاد الصبغ المصبوغ كذا ذكروه وهذا يفيد أنه يجب عليه ضمان ما نقص بالخصاء مع رده ، وإن زادت قيمته به وهو مشكل ، فإن الغاصب إذا خصاه وازدادت به لا يجب عليه ضمان ما فات بالخصاء مع رد المخصي بل يخير المالك إن شاء ضمنه قيمته يوم غصبه وترك المخصي للغاصب ، وإن شاء أخذه ولا شيء له غيره ذكره في النهاية معزيا إلى التتمة وقاضي خان وكان الأقرب هنا أن يمنع فلا يلزمنا ولا اتحاد في السبب فيما عدا ذلك من المسائل ; لأن سبب النقصان القطع والجزء وسبب الزيادة النمو وسبب النقصان التعليم وسبب الزيادة الفطنة من العبد وفهمه أطلق في قوله وما نقصت [ ص: 139 ] الجارية بالولادة فشمل ما إذا حبلت في يد الغاصب من وجه حلال أو حرام وموضوع المسألة في الثاني فكان عليه أن يقيد به أما الثاني فقال في المحيط .

                                                                                        ولو جعلت في يد الغاصب من زوج كان لها عند المالك أو أحبلها المولى لا يضمن الغاصب ; لأن النقصان بسبب من جهة المولى وهو إحباله أو تسليط الزوج عليها فصار كما لو قتلها في يد الغاصب ولو غصب جارية حاملا أو محمومة أو مجروحة فماتت في يده من ذلك يضمن قيمتها وبها ذلك العيب ولو حمت في يد الغاصب أو ابيضت عيناها فردها فضمان النقصان على الغاصب ، فإن زال في يد المالك ما كان بها من حمى أو بياض العين يرد المالك على الغاصب النقصان فصار كما لو حلق شعر إنسان وأخذ بدله ثم نبت ولو غصب جارية فولدت عند الغاصب ثم غصبها وولدها من الغاصب رجل آخر فضمن المالك الغاصب الأول قيمة الأم فللغاصب أن يضمن الثاني قيمة الأم والولد ويتصدق بقيمة الولد ولو ولدت في يد الغاصب فجحدها وولدها يضمن قيمتها يوم غصبها وولدها يوم الجحود وفي المنتقى ولو حمت في يد الغاصب ثم ردها على المولى فماتت من ذلك ضمنه المولى قيمة النقصان

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية