الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ومن ابتاع أو ابتيع له فله الشفعة ) وقد بينا وجهه فيما تقدم وفي فتاوى الفضلي الوكيل بشراء الدار إذا قبض الدار وهي في يده يطلب الشفيع منه ويأخذها منه ، فإن كان سلم الدار إلى الموكل يطلب من الموكل ويأخذ منه ولا يطلب من الشفيع وفي جامع الفتاوى اشترى الوكيل فحضر الشفيع يأخذها من الوكيل ولا يلتفت إلى حضرة الموكل ولو كان وكيلا بالبيع فباع فحضر الشفيع يأخذها من الشفيع وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى والوكيل بالشراء لا يملك الأخذ . ا هـ .

                                                                                        وفي الجامع دار لها شفيعان قال المشتري لأحدهما اشتريت الدار لك فصدقه لا يبطل حقه ، وإن أقر بعد ذلك أنه لم يأمره ; لأنا تيقنا ثبوت الشفعة له بالشراء سواء اشترى المشتري الدار لنفسه أو اشتراها للمقر له بأمره ; لأن من اشترى أو اشتري له كان له الشفعة ولم يوجد منه ما يبطلها ; لأن تملكه الدار بالشراء طلب منه للشفعة وزيادة ولأن من يطلب الشفعة يتملك الدار بالشفعة في الطلب الثاني ، فإذا ملكها للحال قام ذلك منه مقام الطلب والزيادة ولو قال المشتري هذه الدار كلها كانت لك ولم تكن لي ولا للبائع أو قال كنت اشتريتها قبل أو قال البائع وهبها لك فصدقه بطلت شفعته ولو لم يصدقه على ذلك للشفيع الأخذ فله أن يأخذها كلها بالشفعة ; لأن الشراء قد صح من حيث الظاهر وجبت الشفعة للشفيعين بعدما ثبت لهما من حيث الظاهر فبطل حق المصدق لتصديقه ولم يبطل حق المكذب ; لأنهما يصدقان عليه وفي النوادر ولو أقر الشفيع قبل القضاء له بالشفعة أن هذه [ ص: 162 ] الدار لفلان الغائب وأنه لم يأمره بالبيع وقال المشتري بل هو للبائع لم تبطل شفعته وكذلك لو قال البائع وكلني صاحبها بالبيع وقال الشفيع لم يأمره صاحبها بالبيع فله الشفعة ; لأن قول الشفيع لا يصدق في حق المتبايعين فكان المبيع محكوما بصحته في حقهما فجاز للشفيع أن يطالب بحقوقه وكذلك لو ادعى هذه الدار رجل فشهد له هذا الشفيع فلم يعدل ثم باعها ذو اليد فللشفيع أن يأخذها بالشفعة ذكره ابن سماعة

                                                                                        ولو قال الشفيع هذه الدار لي ، فإن أقمت البينة وإلا أخذتها بالشفعة فلا شفعة ; لأنه ادعى ملكها والشفعة للتملك ويمتنع أن يملك ما هو على ملكه والشفعة حقه فلا يجوز أن يتملك بالعوض ما هو على ملكه ذكره ابن سماعة عن أبي يوسف وفي المسائل المتقدمة اعترف بكون الشيء على ملك غيره فجاز أن يتملكه بعوض هذا إذا علم أنه وكيل بالشراء فقد قدمنا حكمه ، أما إذا لم يعلم ذلك إلا بقوله وأنكر الشفيع الوكالة فهو خصم ولا فائدة في هذه الخصومة ; لأنا لو علمنا بالوكالة كان خصما ; لأن حقوق العقد تتعلق به فكذا إذا لم تكن معلومة ولوقال المشتري قبل أن يخاصمه الشفيع اشتريت لفلان وسلم ثم حضر الشفيع فلا خصومة بينه وبين المشتري ; لأن إقراره قبل الخصومة لفلان صحيح كما لو كانت الوكالة معلومة ولو أقر بذلك بعدما خاصمه الشفيع لم تسقط الخصومة عنه ; لأنه صار خصما للشفيع وهو بهذا الإقرار يريد إسقاط حقه فلا يملكه ولو أقام بينة أنه قال قبل شرائه أنه وكيل فلان لم تقبل بينته ; لأنه يدفع بهذه البينة الخصومة عن نفسه .

                                                                                        وروى عن محمد أنه تقبل بينته لدفع الخصومة حتى يحضر المقر له والوكيل بطلب الشفعة خصم ; لأن الأخذ بالشفعة يتضمن للشراء والخصومة والوكيل بهما جائز إلا عند أبي حنيفة ; لأنه لا يصح إلا برضا الخصم وعندهما جائز بغير رضا الخصم ولو طلب وكيل الشفيع فقال المشتري قد سلم الشفيع لا يقبل قوله وكذلك لو أراد يمينه أنه لم يفرط في طلب الشفعة ولكن يؤمر بتسليم الدار إلى الوكيل ثم يتبع الموكل ويستحلفه وصار كالوكيل بقبض الدين إذا ادعى المديون الإبراء من الموكل ، فإنه يؤمر بدفع الدين للوكيل ثم يتبع الموكل ويستحلفه على ذلك ولو سلم الوكيل الشفعة أو أقر بالتسليم عند القاضي جاز تسليمه ; لأن من ملك الأخذ بالشفعة ملك التسليم كما في الأب والوصي ولا يجوز عند غير القاضي عندهما وقال أبو يوسف يجوز بناء على أن الوكيل إذا أقر على موكله بالتسليم في غير مجلس الحكم يقبل لما يأتي في الوكالة للدار شفيعان فوكلا رجلا فقال سلمت شفعة أحدهما ولم يبين أيهما هو وقال أطلب الآخر ليس له ذلك حتى يبين ; لأن القاضي يحتاج إلى أن يقضي بالشفعة لأحدهما وبالتسليم على الآخر ولا يمكنه ذلك إلا بعد البيان وكل الشفيع المشتري فأخذهما لم يصح ; لأن الأخذ بالشفعة شراء .

                                                                                        والواحد لا يصح وكيلا بالشراء من الجانبين وكذلك لو وكل البائع استحسانا ; لأنه يصير أخذا من نفسه فيؤدي إلى التضاد في الحقوق إن كان المبيع في يده وبعد التسليم يصير ساعيا في نقض ما قد تم من جهته ; لأنه بأخذه ينفسخ العقد بينه وبين المشتري ولا يجوز لأحد المتعاقدين السعي في نقض ما تم به وكله بأن يأخذ الشفعة بكذا أو كان المشتري اشترى بأكثر لا يأخذ ; لأن الوكيل بالشفعة وكيل بالشراء والوكيل بالشراء لا يملك الشراء بأكثر مما بين له الموكل من الثمن وكذلك لو قال اشترها من فلان فاشتراها من غيره لا ينفذ ; لأنه خالف فخاصمه في أخرى ليس له ذلك إلا إذا عمم في التوكيل ; لأن الوكيل بشراء دار بعينها لا يملك شراء دار أخرى ولو طلب المشتري من الوكيل بطلب الشفعة أن يكف عنه مدة على أنه على خصومته وشفعته جاز ; لأن الشفيع لو أخر وأمهل المشتري بعد الإشهاد بدون طلبه جاز فكذلك بطلب وكيله ولا تبطل الشفعة بموت الوكيل وتبطل بموت الموكل ولحاقه بدار الحرب مرتدا ; لأن الحق ثابت للموكل لا للوكيل وفي المنتقى ولو وكل رجلا بطلب كل حق له وبالخصومة والقبض ليس له أن يطلب شفعته ; لأن الشفعة شراء والوكيل بالخصومة لا يملك الشراء وله أن يقبض شفعة قد قضي بها

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية