الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله : ( ولو استحق بعض شائع من حظه رجع بقسطه في حظ شريكه ولا تفسخ القسمة ) وهذا عند الإمام ، وظاهر عبارة المؤلف أن هذا محتم لكن قال في العناية إن شاء رجع بذلك إلى نصيب صاحبه ، وإن شاء رد ما بقي واقتسما ثانيا عند الإمام وقوله : بقسطه يعني لو كان قيمة نصيبه ستمائة وقيمة الآخر مثله فاستحق نصف ما في يده رجع بنصف النصف وهو الربع وهو مائة وخمسون وقال الثاني : تفسخ كذا ذكر الاختلاف في الجزء الشائع في الإسرار وغيره قيد بالشائع يحترز عن المعين وذكر القدوري إذا استحق بعض نصيب بعض أحدهما بعينه فالصحيح أن الاختلاف في الشائع ، وفي استحقاق البعض المعين لا تنفسخ بالإجماع ولو استحق بعض شائع في الكل تفسخ بالإجماع فهذه ثلاثة أوجه ومحمد مع الإمام فيما حكاه أبو حفص ومع الثاني فيما حكاه أبو سليمان .

                                                                                        والأول أصح للثاني أن يأخذ ، بالاستحقاق ظهر شريك آخر والقسمة بدونه لا تصح فصار كما لو استحق بعض الشائع في الكل بخلاف المعين لأن ما وراء المستحق بقي مقررا على حاله ليس للغير فيه حق ولهما أن المقصود بالقسمة التميز والإفراز ولا ينعدم باستحقاق جزء من شائع من نصيب الواحد ولهذا جازت القسمة في الابتداء على هذا الوجه بأن كان البعض المتقدم مشتركا بين ثلاثة نفر ، والبعض المؤخر بين اثنين فاقتسم الاثنان على أن لأحدهما ما لهما من المقدم وللآخر المؤخر ، أو اقتسما على أن لأحدهما ما لهما من المقدم وبعض المؤخر مفرزا يجوز فكذا هذا بخلاف استحقاق الشائع في الكل لأن معنى الإفراز والتميز لم يتحقق مع بقاء نصيب البعض ولو استحق نصيب أحدهم كله يرجع به على الشركاء ولو باع بعضهم بفضل نصيبه شائعا ، ثم استحق بعض ما بقي شائعا كان له أن يرجع على الشركاء بحسابه وسقط خيار الفسخ ببيع البعض وعند أبي يوسف يرجع على ما في أيديهم بحسابه ويضمن حصتهم مما باع لأن القسمة تنقلب فاسدة عنده والمقبوض بالفاسد مملوك وينفذ بيعه وهو مضمون بالقيمة فيضمن لهم .

                                                                                        ولو قسم الورثة التركة ، ثم ظهر فيها دين محيط قيل للورثة : اقضوا دين الميت فإن قضوه صحت القسمة ، وإلا فسخت لأن الدين مقدم على الإرث فيمتنع وقوع الملك لهم إلا إذا قضوا الدين ، أو أبرأهم الغرماء فيصح لزوال المانع ولو كان الدين مستغرقا فكذا الجواب إلا إذا بقي من التركة ما يفي بالدين فحينئذ لا تنفسخ لعدم الحاجة ولو ادعى أحد المتقاسمين للتركة دينا في التركة صح دعواه ولا تناقض لأن الدين يتعلق بالذمة والقسمة تصادف الصورة ولو ادعى عيبا بأي سبب كأن لم تسمع دعواه لأن الإقدام على الشركة اعتراف بأن المقسوم مشترك قال ولو كان بينهما مائة شاة أخذ أحدهما أربعين قيمتها خمسمائة والآخر ستين قيمتها خمسمائة فاستحقت شاة من الأربعين قيمتها عشرة فإنه يرجع بخمسة دراهم في الستين ولا خيار له في نقض الإمام عند القسمة بخلاف الأرض ، وإن كان بينهما أربعون قفيزا : ثلاثون رديئة أخذها ، وعشرة جيدة أخذها الآخر لم يجز فإن أخذ العشرة الجيدة وثوبا جاز لأن الزائد في مقابلة الثوب فإن استحق من الثلاثين عشرة رجع عليه بنصف الثوب ، وفي الزيادات يرجع عليه بثلث الثوب وقفيز وثلثي قفيز قيل هذا قياس والأول استحسان كذا في المحيط ، وفي المنتقى ويستوي في هذا الحكم ما إذا وقعت القسمة بالقضاء ، أو بالرضا ا هـ .

                                                                                        وفي السراجية دار بين اثنين اقتسماها نصفين وبنى كل واحد في نصيبه ، ثم استحقت لم يرجع واحد منهما على صاحبه بقيمة البناء ، وفي المحيط دار وأرض فيها القسمة فإذا بنى أحدهما ، أو غرس ، ثم استحق أحد [ ص: 179 ] النصيبين لم يرجع بقيمة البناء والغرس على الآخر لأنه لم يصر مغرورا من جهته هذا إذا كانت القسمة لو امتنع أحدهما يجبر فلو كانت القسمة لو امتنع أحدهما لم يجبر كقسمة الأجناس المختلفة يرجع بقيمة البناء عند الاستحقاق لأن كل واحد منهما مغرور من جهة صاحبه لأنه ضمن له سلامة نصيبه ، وفي التجريد وكل قسمة وقعت باختيار القاضي ، أو باختيارهما على الوجه المذكور يخيرهما القاضي عليه إذا بنى أحدهما بناء ، أو غرس ثم استحق أحد النصيبين لم يرجع بقيمة البناء والغرس على الآخر ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية