الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله : ( ولا يسعر السلطان إلا أن يتعدى أرباب الطعام عن القيمة تعديا فاحشا ) لقوله عليه الصلاة والسلام { لا تسعروا فإن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق } ولأن الثمن حق البائع وكان إليه تقديره فلا ينبغي للإمام أن يتعرض لحقه إلا إذا كان أرباب الطعام يحتكرون على المسلمين ويتعدون في القيمة تعديا فاحشا وعجز السلطان عن منعه إلا بالتسعير بمشاورة أهل الرأي والنظر فإذا فعل ذلك على رجل فتعدى وباع بثمن فوقه أجازه القاضي وهذا لا يشكل على قول الإمام ; لأنه لا يرى الحجر على الحر وكذا عندهما إلا أن يكون الحجر على قوم بأعيانهم ، وينبغي للقاضي وللسلطان أن لا يعجل بعقوبة من باع فوق ما سعر بل يعظه ويزجره وإن رفع إليه ثانيا فعل به كذلك وهدده وإن رفع إليه ثالثا حبسه وعزره حتى يمتنع عنه ويمتنع الضرر عن الناس وفي العتابي : ولو باع شيئا بثمن زائد على ما قدره الإمام فليس على الإمام أن ينقضه ، والغبن الفاحش هو أن يبيعه بضعف قيمته وإذا امتنع أرباب الطعام عن بيعه لا يبيعه القاضي أو السلطان عند الإمام وعندهما يبيع بناء على أنه لا يرى الحجر على الحر البالغ العاقل وهما يريانه .

                                                                                        امتنع المحتكر من بيع الطعام للإمام أن يبيعه عليه عندهم جميعا على مسألة الحجر وقيل يبيع بالإجماع ; لأنه اجتمع ضرر عام وضرر خاص فيقدم دفع الضرر العام كما بينا في كتاب الحجر قال في المحيط قال بعض مشايخنا إذا امتنع المحتكر عن بيع الطعام يبيعه الإمام عليه عندهم جميعا . ا هـ .

                                                                                        ومن باع منهم بما قدره الإمام صح لأنه غير مكره على البيع كذا في الهداية وفي المحيط إن كان البائع يخاف إذا زاد في الثمن على ما قدره أو نقص في البيع يضر به الإمام أو من يقوم مقامه لا يحل للمشتري ذلك ; لأنه في معنى المكره ، والحيلة في ذلك أن يقول تبيعني بما تحب ولو اصطلح أهل بلدة على سعر الخبز واللحم وشاع ذلك عندهم فاشترى منهم رجل خبزا بدرهم أو لحما بدرهم ، وأعطاه البائع ناقصا والمشتري لا يعرف ذلك كان له أن يرجع بالنقصان إذا عرفه ; لأن المعروف كالمشروط وإن كان من غير أهل تلك البلد كان له أن يرجع بالنقصان في الخبز دون اللحم ; لأن سعر الخبز يظهر عادة في البلدان وسعر اللحم لا يظهر إلا نادرا فيكون شارطا في الخبز مقدارا معينا دون اللحم ولو خاف الإمام على أهل مصر الهلاك أخذ الطعام من المحتكرين وفرقه فإذا وجدوه ردوا مثله وليس هذا من باب الحجر وإنما هو من باب دفع الضرر عنهم كما في حال المخمصة ذكره في شرح المختار .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية