الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( فإن شرطت في عقد الرهن لم ينعزل بعزله وبموت الراهن والمرتهن ) ; لأن الوكالة لما شرطت في عقد الرهن صارت وصفا من أوصافه وحقا من حقوقه ، ألا ترى أنها الزيادة الوثيقة فلزم بلزوم أصله ولا يتعلق به حق المرتهن ، وفي العزل إبطال حقه وصار كالوكالة بالخصومة بطلب المدعي ، ولو وكله بالبيع مطلقا حتى ملك البيع بالنقد والنسيئة ، ثم نهاه عن البيع بالنسيئة لم يعمل نهيه ; لأنه لازم بأصله فكذا بوصفه ، وكذا لا ينعزل بالعزل الحكمي لموت الموكل وارتداده ولحوقه بدار الحرب ; لأن الرهن لا يبطل بموته ، ولو بطل إنما يبطل لحق الورثة وحق المرتهن مقدم عليه كما يقدم على حق الراهن بخلاف الوكالة المفردة حيث تبطل بالموت وينعزل بعزل الوكيل لما عرف في موضعه ، وهذه الوكالة بخلاف المفردة من وجوه منها ما ذكرنا ومنها أن الوكيل هنا امتنع عن البيع يجبر عليه بخلاف الوكالة المفردة ومنها أن هذا يبيع الولد والأرش بخلاف المفردة ومنها أنه إذا باع بخلاف جنس الدين كان له أن يصرفه إلى جنس الدين المفردة ومنها أن الرهن إذا كان عبدا وقتله عبد خطا فدفع القاتل بالجناية كان لهذا الوكيل أن يبيعه بخلاف المفردة وإنما ينعزل بعزل المرتهن ; لأنه لم يوكله فكان أجنبيا عنه بالنسبة إلى الوكالة .

                                                                                        وهذا إذا عزله الموكل لا ينعزل فبعزل غيره أولى أن لا ينعزل وقيد المؤلف بقوله شرطت في عقد الرهن فلو كانت بعد عقد الرهن ذكر الكرخي في مختصره للراهن أن يعزله وينعزل بموته ; لأن التوكيل بالبيع وقع منفردا عن الرهن وإنما جعلناها من توابع الرهن لكونها مشروطة فيه ، فإذا لم تشترط في الرهن اعتبرت وكالة مبتدأة ، وروي عن أبي يوسف أنه لا ينعزل وهو اختيار بعض مشايخنا ; لأن المشروط بعد الرهن التحق بالعقد ; لأن اشتراط البيع حتى يوفي دينه من ثمنه زيادة إيفاء وتأكيد شرط في الرهن ; لأنه يثبت في الرهن إيفاء حكمي وباشتراط البيع فيه ثبت أيضا حقيقي وكان اشتراط زيادة أيضا والزيادة في المعقود عليه تلتحق بأصل العقد وصار كالمشروط فيه ابتداء وكالزيادة في الثمن .

                                                                                        ولو مات العدل بطلت الوكالة حتى لو أوصى ببيعه لم يجز والرهن على حاله ; لأن الراهن رضي ببيعه ، ولم يرض ببيع غيره ، وقد وقع العجز عن البيع بنفسه ونائبه فبطلت الوكالة ضرورة والرهن لا يبطل ; لأن العدل نائب عن الراهن والمرتهن في الإمساك والحفظ والرهن لا يبطل بموتهما فبموت نائبهما أولى ، ولو اجتمع الراهن والمرتهن على وضعه على [ ص: 293 ] يدي عدل آخر ، وقد مات الأول أو على يدي المرتهن جاز ; لأن الحق لهما ، فإن اختلفا وضعه القاضي على يدي عدل ، وإن شاء على يدي المرتهن ; لأنه ليس للراهن والمرتهن حق في الإمساك والحفظ فينصب القاضي عدلا آخر يمسكه ويحفظه نائبا عنهما ; لأن القاضي نصب لإيفاء حقوق الناس وإذا علم القاضي أن المرتهن يتهم العدل في العدالة لم يضعه على يديه ، وإن كره الراهن ; لأنه لما كان له ولاية الوضع على يدي عدل آخر مع إباء الراهن فكذا له ولاية الوضع على يدي المرتهن فأما إذا أراد أن يضعه على يدي الراهن ذكر في بعض الروايات ليس له ذلك ; لأنه لا يفيد ; لأن المقصود من الرهن الاستيفاء وذلك بأن يضجر الراهن بإمساك الرهن عنه فيسارع في قضاء دينه .

                                                                                        وذلك لا يحصل متى كان الرهن في يده فيكون الوضع في يده اشتغالا بما لا يفيد ، وذكر في بعض الروايات له ذلك ; لأن الضجر لم يثبت من كل وجه ; لأن العين ، وإن كانت في يده لكن بقي ممنوعا عن الانتفاع به فالحجر عن الانتفاع مما يضجره وبإزاء ما فات من الضجر حصل للمرتهن منفعة أخرى وهو أنه متى هلك في يد الراهن لا يسقط من دينه كما لو أعاره منه وهلك في يده ولذا لو جعلاه على يد عدل أو سلطا رجلا آخر على بيعه وسلم الثمن إلى المرتهن أو سلط المرتهن على بيعه جاز ، وليس له فسخه وعزله لما بينا ، ولو عزلا العدل سلطا غيره أو لم يسلطا جاز ; لأنهما لو اتفقا على فسخ الرهن جاز فكذا على ما شرط فيه ومن التسليط على البيع المرتهن لو قبضه وجعل الراهن مسلطا على بيعه جاز ; لأن الرهن أوجب حكمه وهو الحبس دائما حين قبضه المرتهن ، فإذا فات القبض والحبس بعد ذلك فيتصور عوده في كل زمان ; لأن للمرتهن حق استرداده ولا يبطل عقد الرهن ; لأن فوات حكم العقد على وجه يتوهم ويرجى عوده لا يوجب بطلان العقد كما لو أعار من الراهن .

                                                                                        وهذا إذا شرطا بعد الرهن فأما إذا شرطا في الرهن أن يكون العدل هو الراهن لا يصح الرهن ، وإن قبضه المرتهن ; لأنه شرط في الرهن أن يكون الرهن عنده ساعة فلا يجوز كما لو قال يوما ويوما لا أرتهن دارا وسلط الراهن رجلا على بيعها وإيفاء الثمن ولم يقبضها المرتهن لم يكن رهنا لعدم قبضه بنفسه ولا بنائبه وبيع العدل إياها جائز بالوكالة والثمن يدفع إلى الراهن ، فإن دفعه إلى المرتهن لم يضمن وينعزل العدل بموت الراهن والرهن أسوة الغرماء ; لأن الرهن لم يصح فلم يتعلق حق المرتهن بالثمن إلا أنه أمره بالبيع وبقضاء الدين من الثمن والمأمور بقضاء الدين إن شاء دفع إلى الآمر ، وإن شاء دفع إلى الغريم ويكون هذا وكيلا محضا حتى لا يجبر العبد على البيع وينعزل بموت الآمر ; لأنه شرط البيع في رهن غير لازم فلا يكون البيع لازما ، ولو قتل العبد المرهون عبد العدل المسلط على بيعه أو فقأ عينه عبد دفع مكانه فهو مسلط على بيعه بمنزلة الأول ; لأن العبد المدفوع صار رهنا ; لأن حق المرتهن كان ثابتا في الأول والبدل قائم مقام الأول فثبتت ولايته في الثاني حسب ثبوت ولايته في الأول بخلاف الوكيل المفرد ; لأنه ما ثبت له حق بيع الأصل حتى يسري إلى بدله ، ولو كان العدل عبدا محجورا أو غير محجور أو صبيا عاقلا مأذونا وغير مأذون جاز ولا تلزمهما العهدة إلا بإذن المولى والولي ; لأنهما لا يؤخذان بضمان الأقوال إلا بإذن المولى والولي .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية