الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وإذا رهن عبدا قيمته ألف بألف ففقأ عيني عبد قيمته ألف فدفع به وأخذ الأعمى فهو رهن بألف عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وقال محمد يدفع العبد بجنايته والعبد المدفوع يقوم صحيحا وأعمى فيبطل من الرهن بقدره ، وإن كان ثلثان فيبطل ثلثا الدين ويصير الأعمى رهنا بما بقي من الدين ، وإن شاء الراهن سلمه للمرتهن بما بقي من الدين ، وإن شاء أخذه بما بقي ، وهذا بناء على أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى الجثة العمياء تقوم مقام الصحيحة لحما ودما ، وكذلك تقوم مقام القيمة لزوما وحتما حتى لا يكون لصاحب الجثة العمياء أن يمسك الجثة ويضمن النقصان فيصير كأن التامة في يد المرتهن إلا أنه انتقصت قيمته بتراجع السعر فيبقى بجميع الدين وعند محمد رحمه الله تعالى قيمة الجثة العمياء لا تقوم مقام الجثة والعينين جميعا ولا تكون بدلا عنهما حتى إن له أن يمسك الجثة ويرجع بقيمة النقصان فكذلك العبد الجاني يكون بعضه بإزاء الجثة وبعضه بإزاء العينين فما كان بإزاء العينين فات لا إلى بدل وما كان بإزاء الجثة فات إلى بدله فسقط ما كان بإزاء العينين ويبقى ما كان بإزاء الجثة وعند أبي يوسف كذلك القيمة بإزاء الجثة والعينين متى اختار المفقوء عينيه إمساك الجثة وتضمين النقصان .

                                                                                        فأما إذا اختار دفع الجثة وأخذ الجاني فالجاني كله يكون بدلا عن العينين لا عن الجثة ; لأن الجاني إنما وجب دفعه بسبب الجناية فيقوم مقام الفائت بالجناية والفائت بالجثة العينان لا الجثة وكان كما لو فقأ عينا واحدة وأخذ نصف قيمة المفقوء كان المأخوذ بدلا عن الفائت فكذا إذا فقأ العينين إلا أن بدل العينين بدل جميع الرقبة كما في الحر والأصل إن توفر على المالك بدل ملكه ، فإنه يزال المبدل عن ملكه حتى لا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد ، وقد تعذر إزالة العين عن ملك المفقوءة لفواتها عن ملكه فجعلنا الجثة قائمة مقام العينين والمدفوع كان بإزاء العينين فصار الرهن فائتا إلى خلف ، وإن كان أقل قيمة فيبقى بجميع الدين عبد الرهن أتلف متاعا لرجل يباع فيه ، فإن بقي من ثمنه شيء فهو رهن ; لأنه بدل بعض الرهن فيقوم مقام المبدل كأرش طرفه ، فإن بقي شيء فهو للمرتهن ; لأنه بالبيع صار كالهالك في حقه فصار مستوفيا ومتملكا له فيكون الثمن بدل ملكه فيكون له .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية