الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وجناية الرهن عليهما وعلى مالهما هدر ) ولا يخفى أن هذا الإطلاق غير ظاهر ، ولو قال المؤلف وجنايته على الرهن الموجبة للمال وعلى ماله هدر وعلى المرتهن فيما دون النفس أو في ماله هدر كان أولى ; لأن الجناية على الراهن الموجبة للقصاص معتبرة في النفس والأطراف فيما توجبه وعلى المرتهن في النفس الموجبة للقصاص معتبرة .

                                                                                        ومحل كونها هدرا في حق المرتهن حيث لا فضل في قيمته عند الإمام قال الشارح أطلق الجواب والمراد جناية لا توجب القصاص ، وإن كانت توجبه معتبرة حتى يجب عليه القصاص ، أما المرتهن فظاهر ; لأنه أجنبي عنه [ ص: 311 ] وكذا المولى ; لأنه كالأجنبي عنه في حق الدم إذا لم يدخل في ملكه لا من حيث المالية ، ألا ترى أن إقرار المولى عليه بالجناية الموجبة للقصاص باطل وإقرار العبد بها جائز ، والإقرار بالمال على عكسه فإذا لم يكن في ملكه من ذلك الوجه صار أجنبيا عنه بخلاف ما يوجب المال ; لأن ماليته ملك المولى ويستحق المرتهن فلا فائدة في اعتبارها إذ تحصيل الحاصل محال بخلاف جناية المغصوب على المغصوب منه حيث تعتبر عند أبي حنيفة ; لأن عند أداء الضمان يثبت للغاصب مستندا حتى يكون الكفن على الغاصب فكانت كجنايته على غير ملكه فاعتبرت ، وهذا الحكم فيها فيما إذا كانت جناية الرهن موجبة للدين على العبد لا دفع الرقبة بأن كانت على غير الآدمي في النفس خطأ أو فيما دونها فكذلك عند أبي حنيفة ، وقالا إن كانت جنايته على الراهن فكذلك ، وإن كانت على المرتهن فمعتبرة ; لأن في اعتبارها فائدة تملك رقبة العبد ، والمرتهن غير مالك حقيقة فكانت جناية المرتهن عليه جناية على غير المالك غير أنها سقطت لعدم الفائدة في جناية لا توجب دفع العبد لما ذكرنا ، وهذه أفادت ملك رقبة العبد ، وإن كان دينه يسقط بذلك ; لأنه قد يختار ملك رقبة العبد وربما يكون بقاء الدين أنفع له فيختار أيهما شاء .

                                                                                        ثم إذا اختار أخذه ووافقه الراهن على ذلك بطل الرهن بسقوط الدين بهلاكه ; لأن دفعه بالجناية يوجب هلاكه على الراهن فيسقط به الدين ولهذا لو جنى على الأجنبي فدفع بها سقط الدين ، وإن لم يدفع بالجناية فهو رهن على حاله ولأبي حنيفة أن هذه الجناية لو اعتبرناها للمرتهن كان عليه التطهير من الجناية ; لأنها حصلت في ضمانه فلا تفيد وجوب الضمان مع وجوب التخليص عليه ، وهذا الاختلاف نظير الاختلاف في العبد المغصوب ، فإن جنايته على الغاصب لا تعتبر عنده وعندهما تعتبر وما ذكرا من الفائدة غير ظاهر ; لأن أخذ العبد بالجناية لا يكون إلا باختيار المالك ، وفي رواية عن أبي حنيفة إذا كانت قيمة الرهن أكثر من الدين ، فإن كانت جنايته على المرتهن معتبرة بحسابها ; لأن الزائد أمانة فصار كجناية العبد المودع قيد بقوله عليهما ; لأن جنايته على أولادهما معتبرة فلو جنى الرهن على ابن الراهن أو على ابن المرتهن فهي معتبرة في الصحيح حتى يدفع بها أو يفدى ، وإن كانت على المال فيباع كما إذا جنى على الأجنبي إذ هو أجنبي كسائر الأملاك هذا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية