الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وفي الجامع مسائله على فصول مختلفة : أحدها في هلاك المرهون بسراية الجناية الواقعة في يد الراهن . والثاني في الجناية على المرهونة وولدها . والثالث في إعوار المرهونة ، وفي رهن العوار ثم انجلاء البياض أصله إن رهن المجني عليه يقطع حكم السراية ويبرئ الجاني عن ضمانها كالبيع ; لأنه تعذر إيجاب ضمان السراية على البائع ; لأن السراية حصلت في ملك المشتري وتعذر إيجابه على المشتري في الانتهاء فتصير الجناية مخالفة للجناية والنهاية مباينة عن البداية وذلك لا يجوز والرهن كالبيع ; لأن المرتهن ملك المرهون عند الهلاك بالدين فيتبدل الملك عند الهلاك فالبراءة عن ضمان السراية إنما تحصل عند الهلاك لا قبله حتى إن الراهن لو افتك الرهن قبل السراية ، ثم سرى ضمن الجاني جميع بدل الرهن لا بدل الطرف قطع يد جارية قيمتها خمسمائة وغرم القاطع لنفسه خمسمائة للراهن حالا ولا يغرم بالسراية ; لأن الجاني بالرهن برئ عن ضمان السراية ; لأنها حصلت في ملك المرتهن فبقي عليه أرش اليد وتجب في ماله حالة كضمان إتلاف المال ; لأن أطراف العبد ملحقة بالأموال فإتلافها يوجب ضمان المال والمرتهن بالهلاك يصير مستوفيا لدينه بقدر خمسمائة فسقط ذلك ، ولو ماتت بعدما ولدت ولدا يساوي خمسمائة فولدها رهن بمائتين وخمسين فيدفع إلى المرتهن فيكون رهنا في يده مع الولد ; لأن الدين انقسم على الأم والولد نصفين لاستواء قيمتهما للحال ، وبقية قيمة الولد خمسمائة وإلى وقت الفكاك فتحول [ ص: 317 ] نصف الدين إليه وذهب نصفه بذهاب الأم ، فإذا ماتت الأم بعدما تحول نصف الدين إلى الولد ظهر أن الدين كان في نصف الجارية عند قضاء واقتضاء وإيفاء واستيفاء ، وفي نصفها عقد وديعة وأمانة ; لأنه ظهر أن نصفها كان مضمونا ونصفها أمانة وعقد الرهن يوجب البراءة عن ضمان السراية وعقد الأمانة يوجب على القاطع ضمان نصف السراية وذلك خمسمائة وضمان نصف الجناية وهي القطع وذلك مائتان وخمسون فيكون جملته سبعمائة وخمسين .

                                                                                        وروي عن محمد رحمه الله تعالى أن خمسمائة من ذلك على عاقلة الجاني مؤجلا في ثلاث سنين ومائتين وخمسين تجب في ماله ; لأن خمسمائة ضمان نصف النصف ; لأنه لم يهدر نصف السراية وضمان النفس تجب على العاقلة مؤجلا ومائتان وخمسون ضمان المال وضمان المال يجب في ماله حالا ويدفع مائتين وخمسين إلى المرتهن ; لأن هذا بدل نصف نفس الجارية ونصفها كان محبوسا في يد المرتهن ، وإن كان أمانة فكذلك بدلها يدفع إليه حتى يكون محبوسا عنده مع الولد ، فإن هلك المائتان والخمسون في يد المرتهن هلكت بغير شيء ; لأنها كانت بدلا كما كانت أمانة في يده وللبدل حكم المبدل فيهلك أمانة ، فإن هلك الولد بعد ذلك أن يرد المرتهن المائتين والخمسين على الراهن والراهن على القاطع ; لأن الولد لما هلك قبل الفكاك تبين أنا أخطأنا في القسمة حتى قسمنا الدين عليهما نصفين ; لأنه ظهر أن الدين كله كان بإزاء لازم حين لم يبق وقت الفكاك فقد هلكت الأم بجميع الدين وظهر أن المرتهن قبض مائتين وخمسين من الرهن بغير حق وظهر أن القاطع كان بريئا عن السراية كلها وإنما كان عليه أرش اليد خمسمائة لا غير ، وقد أخذ منه الراهن مائتين وخمسين بغير حق فيرد ذلك عليه أصلا إن الدين متى قسم على الأم والولد للحال ينظر إن بقيت قيمته غير منتقصة إلى وقت الفكاك لا تعاد القسمة يوم الفكاك .

                                                                                        وإن انتقصت قيمته تعاد القسمة ; لأنه ظهر الخطأ في القسمة ; لأنه وجب تقسيم الدين على قيمة الولد يوم الفكاك ; لأن الأم تعتبر يوم الرهن وقيمة الولد تعتبر يوم الفكاك لما بينا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية