الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب القصاص فيما دون النفس ) .

                                                                                        لما فرغ من بيان القصاص في النفس شرع في بيان القصاص فيما دون النفس ; لأن الجزء يتبع الكل قال رحمه الله تعالى ( يقتص بقطع اليد من المفصل ، وإن كانت يد القاطع أكبر وكذا الرجل ومارن الأنف والأذن ) لقوله تعالى { والجروح قصاص } أي ذو قصاص لقوله تعالى { والسن بالسن } والقصاص ينبني على المماثلة فكل ما أمكن فيه رعاية للمماثلة يجب فيه القصاص وما لا فلا وقد أمكن في هذه الأشياء التي ذكرناها ولا عبرة بكبر العضو ; لأنه لا يوجب التفاوت في المنفعة وإذا قلنا أن المدار عن التساوي في المنفعة فلا تقطع اليمنى باليسرى ولا الصحيحة بالشلاء ولا يد المرأة بيد الرجل ولا يد الحر بيد العبد وقيد بقوله من المفصل ; لأنه لو قطع ذلك من غير المفصل لا قصاص فيه وفي النوادر روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه إذا قطع شحمة أذنه يقتص منه ، وإن قطع نصف أذنه ، وكان يقدر أن يقتص مثل ذلك اقتص منه ; لأن شحمة الأذن لها حد معلوم وللأذن مفاصل معلومة فإذا قطع منها شيء يعلم أن القطع من أي المفصل أمكن القصاص ، وكذلك إذا قطع غضروف الأذن قطعا يستطاع فيه القصاص اقتص منه يعمل ذلك بحديدة أو بغير حديدة ، وإن جذب أذنه فانتزع شحمته لا قصاص فيه وعليه الأرش في ماله ، وإن كان أذن القاطع سكا أي صغيرة الخلقة وأذن المقطوع صحيحة كبيرة كان بالخيار إن شاء ضمنه نصف الدية ، وإن شاء قطعها على صغرها ، وكذلك لو كانت أذن القاطع مقطوعة أو خرماء أو مشقوقة كان المقطوع بالخيار ، وإن كانت الناقصة هي المقطوعة كان له حكومة عدل لا قصاص فيه وفي نوادر ابن سماعة عن محمد ، ولو قطع المارن ، وهو أرنبة الأنف ففيها القصاص ، وإن قطع من أصله لا قصاص عليه ; لأنه عظم ، وليس بمفصل ولا قصاص في العظم قال أبو حنيفة : لو قطع ذكره من أصله أو من الحشفة اقتص منه ; لأنه أمكن استيفاؤه على سبيل المساواة إذ له حد معلوم فأشبه اليد من الكوع .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية