الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ، وإن قطع واحد يميني رجلين فلهما قطع يمينه ونصف الدية ) يعني إذ حضرا معا سواء كان القطع جملة واحدة أو على التعاقب وقال الشافعي : إن قطعهما على التعاقب يقطع للأول منهما ويغرم أرش اليد للثاني ولنا أن المساواة في سبب الاستحقاق ويوجب المساواة في الاستحقاق ولا عبرة في التقدم والتأخر كالغريمين في الشركة ، وهذا ; لأن حق كل واحد منهما ثابت في كل اليد لتقرر السبب في حق كل واحد منهما ، وهو القطع وكونه مشغولا بحق الأول لا يمنع تقرر السبب في حق الثاني ; ولهذا لو كان القاطع لهما عبدا استويا في استحقاق رقبته ، ولو كان يمنع بالأول لما شاركه الثاني بخلاف الرهن ; لأنه استيفاء حكما فلا يثبت للثاني بعدما ثبت للأول كالاستيفاء حقيقة فإذا لم يمنع الأول بثبوت حق الثاني فيها استويا فيها يقطع لهما إذا حضرا معا لعدم الأولوية ويقضي لهما بنصف الدية يقسمانه نصفين لاستوائهما فيه بخلاف ما إذا كان القصاص في النفس حيث يكتفي فيه بالقتل لهما ولا يقضي لهما بالدية لما بينا من الفرق فيما تقدم وقدمنا له مزيد بيان فارجع إليه قال رحمه الله ( ، وإن حضر واحد فقطع يده له فللآخر عليه نصف الدية ) ; لأن للحاضر أن [ ص: 358 ] يستوفي حقه ولا يجب عليه التأخير حتى يحضر الآخر ثبوت حقه بيقين وحق الآخر متردد لاحتمال أن لا يطلب أو يعفو مجانا أو صلحا فصار كأحد الشفيعين إذا حضر والآخر غائب حيث يقضي له بالشفعة في الكل لما قلنا .

                                                                                        ثم إذا حضر الآخر بعدما قطعت للآخر وطلب يقضي له بالدية ; لأن يده وفاؤها حق مستحق عليه فيضمنها لسلامتها له ، ولو قضى بالقصاص بينهما ثم عفا أحدهما قبل استيفاء الدية فللآخر القود عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد له الأرش ; لأن القصاص بالقضاء أثبت الشركة بينهما فعاد حق كل واحد منهما إلى البعض ، فإذا عفا أحدهما فقد منع الآخر من استيفاء الكل ولهما أن الإمضاء من القضاء في العقوبات فالعفو قبله كالعفو قبل القضاء ، ولو قطع أحدهما يد القاطع من المرفق سقط القصاص لذهاب اليد التي فيها القصاص بالقطع ظلما ولا ينقلب مالا كما إذا قطعها أجنبي أو سقطت بآفة سماوية ولهما نصف الدية على حالها ; لأنها واجبة قبل قطعها ولا تسقط بالقطع ظلما ثم القاطع الأول بالخيار إن شاء قطع ذراع القاطع ، وإن شاء ضمنه دية اليد وحكومة عدل في قطع الذراع إلى المرفق ; لأن يد القاطع كانت مقطوعة من الكف حين قطع القاطع الأول من المرفق فكانت كالشلاء وعلى هذا لو كان المقطوع يده واحدا فقطع القاطع من المرفق سقط حقه في القصاص ووجب عليه القصاص وللمقطوع من المرفق الخيار إن شاء قطع من المرفق ، وإن شاء أخذ الأرش لما ذكرنا وقدمنا له مزيد بيان .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية