الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم ) وقال مالك والشافعي رحمهما الله تعالى الدية اثنا عشر ألف درهم لما رويا عن ابن عباس أن { رجلا قتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا } رواه أبو داود والترمذي ولأنه لا خلاف أنها من الدنانير ألف دينار وكانت قيمة الدينار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر درهما ولنا ما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن { النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم } وما قلنا أولى للتيقن به لأنه أقل أو يحمل على ما روياه على وزن خمسة وما رويناه على وزن ستة وهكذا كانت دراهمهم من زمان النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمان عمر على ما حكاه الخبازي في كتاب الزكاة فإنه قال كانت الدراهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة الواحد منها وزن عشرة أي العشرة منه وزن عشرة دنانير وهو قدر الدينار والثاني وزن ستة أي العشرة منه وزن ستة إلى آخر ما تقدم في كتاب الزكاة فجمع عمر رضي الله عنه بين الثلاثة فخلط فجعله ثلاثة دراهم فصار ثلث المجموع درهما فكشف هذا أن الدينار عشرون قيراطا فوق العشرة يكون مثله عشرون قيراطا ضرورة استوائهما ووزن الستة يكون نصف الدينار وعشرة فيكون اثني عشر قيراطا وزن الخمسة يكون نصف الدينار فيكون عشرة قراريط فيكون المجموع اثنين وأربعين قيراطا فإن جعلتها أثلاثا صار كل ثلث أربعة عشر قيراطا وهو الذي كان عليه دراهمهم .

                                                                                        فإذا حمل ما رواه الشافعي على وزن خمسة وما رويناه على وزن ستة استويا والذي يرجح مذهبنا ما روي أن الواجب في الجنين خمسمائة درهم وهو عشر دية الأم عنده سواء كان ذكرا أو أنثى وعندنا عشر دية النفس إن كان أنثى ونصف العشر إن كان ذكرا فعلم بذلك أن دية الأم خمسة آلاف ودية الرجل ضعف ذلك وهو عشرة آلاف ولأنا أجمعنا أنها من الذهب ألف دينار والدينار مقوم في الشرع بعشرة دراهم ألا ترى أن نصاب الفضة في الزكاة مقدر بمائتي درهم ونصاب الذهب فيها بعشرين دينارا فيكون غنيا بهذا القدر من كل واحد منهما إذ الزكاة لا تجب إلا على الغني فيعلم بذلك علما ضروريا أن الدينار مقدر بعشرة دراهم ثم الخيار في هذه الأنواع الثلاثة إلى القاتل لأنه هو الذي يجب عليه فيكون الخيار إليه كما في كفارة اليمين ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا يجب منها ومن البقر مائتا بقرة ومن الغنم ألف شاة ومن الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبان لما روي عن جابر رضي الله عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم فرض في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل هذه الشياه ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة } رواه أبو داود

                                                                                        وكان عمر رضي الله عنه يقضي بذلك على أهل كل مال كما ذكرنا وكل حلة ثوبان إزار ورداء وهو المختار وفي النهاية قيل في زماننا قميص وسراويل وله أن التقدير إنما يستقيم بشيء معلوم المالية وهذه الأشياء مجهولة المالية ولهذا لا يقدر بها ضمان المتلفات والتقدير بالإبل عرف بالآثار المشهورة ولم يوجد ذلك في غيرها فلا يعدل عن القياس والآثار التي وردت فيها تحتمل القضاء فيها بطريق الصلح فلا يلزم حجة وذكر في المعاقل أنه لو صالح على الزيادة على مائتي حلة أو مائتي بقرة لا يجوز وتأويله أنه قولهما .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية