الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وفي اللسان والذكر والحشفة ) يعني الدية أما اللسان قال محمد في الأصل وفي اللسان الدية يريد به حالة الخطأ ، وإذا قطع بعض اللسان إن منعه عن الكلام ففيه كمال الدية ، وأما إذا منعه عن بعض الكلام دون البعض ، فإنه تجب الدية بقدر ما فات إن كان الفائت نصفا يجب نصف الدية ، وإن كان ربعا يجب ربع الدية وكيف نعرف مقدار الفائت من الباقي اختلف المشايخ المتأخرون قال بعضهم يعرف بالتهجي بحروف المعجم التي عليها مدار كلام العرب وهي ثمانية وعشرون حرفا ، فإن أمكنه التكلم بنصف الحروف أربعة عشر وعجز عن النصف علم أن الفائت نصف الكلام فتجب نصف الدية ، وإن أمكنه التكلم بثلاثة أرباع منها وذلك أحد وعشرون كان الفائت هو الربع فيجب ربع الدية ، وإن أمكنه التكلم بربعها وهو سبعة كان الفائت ثلاثة أرباعه فيلزمه ثلاثة أرباع الدية والأصل في هذا ما روي أن رجلا قطع طرف لسانه في زمن علي رضي الله عنه فأمره أن يقرأ : أ ب ت ث فما قرأ حرفا أسقط من الدية بقدر ذلك وما لم يقرأه أوجب الدية بحساب ذلك وقال بعضهم لا يهجى بجميع حروف المعجم ، وإنما يتهجى بالحروف المتعلقة باللسان اللازمة ، فإن لم يمكنه التهجي بالنصف كان الفائت نصفا فيلزمه نصف الدية ، وإن أمكنه التكلم بالثلث يلزمه ثلثا الدية قالوا والأول أصح . ا هـ .

                                                                                        وفي التجريد المعتبر الحروف التي تتعلق باللسان فالهوائية والحلقية والشفوية لا تدخل في القسمة وفي السغناقي الحروف التي تتعلق باللسان وهي الألف والتاء والثاء والجيم والدال والذال والراء والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء واللام والنون والياء ، فإن لم يمكنه إتيان بحرف منها يلزمه حصته من الدية فأما الهوائية والحلقية والشفوية فلا تدخل في القسمة فالشفوية الباء والميم والواو والحلقية الهاء والعين والغين والحاء والخاء والقاف هذا كله في لسان البالغ والكلام في لسان الصبي يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى ، وإذا قطع لسان غيره عمدا ذكر في الأصل أنه لا قصاص بقطع البعض أو قطع الكل وعن أبي يوسف أنه إذا قطع الكل ففيه القصاص وفي شرح الطحاوي ، وإذا قطع اللسان أن لا قصاص فيه بالإجماع وفي العيون قال أبو حنيفة في اللسان إذا أمكن القصاص يقتص وفي الظهيرية والفتوى على لا قصاص في اللسان لأنه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه لأنه ينقبض وينبسط وفي الواقعات لا قصاص في اللسان ، وإن قطع من وسط اللسان أو من طرفه ، فإن ادعى ذهاب الكلام يشتغل عنه حتى يسمع كلامه أو لا يسمع وفي لسان الأخرس حكومة عدل وأطلق المؤلف في وجوب الدية في الذكر ولم يفرق بين شاب وشيخ ولا بين مريض وصحيح ولا بين ذكر خصي وعنين ولا بد من بيان ذلك ولو قال ويقطع ذكر يفوت به الإيلاج لكان أولى وفي المحيط وفي ذكر الخصي والعنين حكومة عدل وعن الشافعي كمال الدية قلنا ذكر الخصي والعنين لا يتصور منه الإيلاج بنفسه فلا تجب فيه دية .

                                                                                        وفي ذكر المريض دية كاملة لأنه بزوال المرض يعود إلى قوته الكاملة وفي ذكر الشيخ الكبير إن كان لا يتحرك ولا قدرة له على الوطء حكومة عدل ، وإن كان يتحرك ويقدر على الوطء دية كاملة وفي قطع الحشفة دية كاملة وفي قطع الذكر المقطوع الحشفة حكومة عدل وفي التجريد وفي الأنثيين كاملة كمال الدية وفيه أيضا وفي قطع الحشفة دية كاملة ، فإن جاء بعد ذلك وقطع باقي الذكر قبل [ ص: 377 ] تخلل برء تجب دية واحدة كاملة ويجعل كأنه قطع الذكر بدفعة واحدة ، وإن تخلل بينهما برء يجب كمال الدية في الحشفة وحكومة العدل في الباقي ، وإذا قطع الذكر والأنثيين من الرجل الصحيح خطأ إن بدأ بقطع الذكر ففيه ديتان وفي التجريد وكذا إذا قطعهما من جانب واحد معا ففيه ديتان وفي التحفة وفي الأنثيين إذا قطعهما مع الذكر جملة مرة واحدة في حالة واحدة يجب عليه ديتان دية بإزاء الذكر ودية بإزاء الأنثيين ، وإن قطع الذكر أولا ثم الأنثيين يجب ديتان أيضا لأن بقطع الذكر تفوت منفعة الأنثيين وهي إمساك المني فأما إذا قطع الأنثيين أولا ثم الذكر تجب الدية بقطع الأنثيين ويجب بقطع الذكر حكومة العدل وفي الأنثيين إذا قطعهما خطأ كمال الدية وفي الظهيرية وفي أحدهما نصف الدية وقد قدمناه وفي المنتقى عن محمد إذا قطع إحدى أنثييه فانقطع ماؤه دية ونصف ولا يعلم ذهاب الماء إلا بإقرار الجاني .

                                                                                        فإن قطع الباقي من إحدى الأنثيين يجب نصف الدية ولم يذكر في الكتاب أنه إذا قطع الأنثيين عمدا هل يجب القصاص والظاهر أنه يجب فيهما القصاص حالة العمد ، وإن قطع الحشفة كلها عمدا ففيها القصاص ، وإن قطع بعضها فلا قصاص فيه ولو قطع الذكر كله ذكر في الأصل أنه لا قصاص لأنه ينقبض وينبسط فلا يمكن استيفاء القصاص فيه وصار كاللسان وعن أبي يوسف أنه يجب القصاص .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية