الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( واللحية إن لم تنبت وشعر الرأس والعينين والأذنين والحاجبين وثديي المرأة الدية وفي كل واحد من هذه الأشياء نصف الدية وفي أجفان العينين الدية وفي أحدهما ربع الدية ) يعني إذا حلق اللحية أو شعر الرأس ولم ينبت في كل واحد منهما دية كاملة لأنه أزال جمالا على الكمال وقال مالك والشافعي لا تجب فيها الدية وتجب فيها حكومة عدل لأن ذلك زيادة في الآدمي ولهذا ينمو بعد كمال الخلقة ولهذا تحلق الرأس واللحية وبعضها في بعض البلاد فلا تتعلق به الدية كشعر الصدر والساق إذ لا تتعلق به منفعة ولهذا لا تجب في شعر العبيد نقصان القيمة ولنا قول علي رضي الله عنه في الرأس إذا حلق ولم ينبت الدية كاملة والموقوف في هذا كالمرفوع لأنه من المقادير فلا يهتدى إليه بالرأي لأن اللحية في أوانها جمال فيلزمه كمال الدية كما لو قطع الأذنين الشاخصين والدليل على أنه جمال قوله عليه الصلاة والسلام { إن لله ملائكة تسبيحهم سبحان من زين الرجال باللحاء والنساء بالقدود والذوائب } بخلاف شعر الصدر والساق لأنه لا يتعلق به الجمال ، وأما شعر العبد فقد روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يجب عليه كمال القيمة فلا يلزمنا والجواب عن الظاهر أن المقصود من العبد الاستخدام دون الجمال وهو لا يفوت بالحلق بخلاف الحر لأن المقصود منه في حقه الجمال فيجب بفواته كمال الدية وفي الشارب حكومة عدل في الصحيح لأنه تابع للحية فصار طرفا من أطراف اللحية واختلفوا في لحية الكوسج والظاهر أنه إن كان في ذقنه شعرات معدودة فليس في حلقها شيء لأن وجودها يشينه ولا يزينه .

                                                                                        وإن كان أكثر من ذلك كان على الخد والذقن جميعا ولكنه غير متصل ففيه حكومة عدل لأن فيه بعض الجمال ، وإن كان متصلا ففيه كمال الدية لأنه ليس بكوسج [ ص: 378 ] وفي لحيته كمال جمال وهذا كله إذا انسد المنبت ، فإن نبت حتى استوى كما كان لا يجب شيء لأنه لم يبق لفعل الجاني أثر في البدن ولكنه يؤدب على ذلك لارتكابه المحرم ، وإن نبت أبيض فقد ذكر في النوادر أنه لا يلزمه شيء عند أبي حنيفة في الحر لأن الجمال يزداد ببياض الشعر في اللحية وعندهما تجب حكومة عدل لأن البياض يشينه في غير أوانه فتجب حكومة عدل باعتباره وفي العبد تجب حكومة عدل عندهم لأنه تنتقص به قيمته ويستوي العمد والخطأ في حلق الشعر لأن القصاص لا يجب فيه لأنه عقوبة فلا يثبت فيها قياسا ، وإذا ثبت نصا أو دلالة والنص إنما ورد في النفس والجراحات ويؤجل فيه سنة ، فإن لم ينبت فيها وجبت الدية ويستوي فيها الصغير والكبير والذكر والأنثى ، فإن مات قبل تمام السنة ولم ينبت فلا شيء عليه أما ما يكون مزدوجا في الأعضاء كالعينين واليدين ففي قطعهما كمال الدية وفي قطع أحدهما نصف الدية وأصل ذلك ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال { في العينين الدية وفي أحدهما نصف الدية وفي الرجلين الدية وفي أحدهما نصف الدية } ولأن تفويت اثنين منها تفويت المنفعة أو تفويت الجمال على الكمال .

                                                                                        وفي تفويت الرجلين تفويت منفعة المشي وفي تفويت الأنثيين تفويت منفعة الإمناء والنسل وفي ثديي المرأة تفويت منفعة الإرضاع بخلاف ثديي الرجل لأنه ليس فيه تفويت المنفعة ولا الجمال على الكمال فيجب فيه حكومة عدل وفي حلمتي المرأة كمال الدية وفي أحدهما نصف الدية لفوات منفعة الإرضاع وإمساك الصبي لأنها إذا لم يكن لها حلمة يتعذر على الصبي الالتقام عند الإرضاع وقال مالك والشافعي يجب في الحاجبين حكومة عدل بناء على أصلهما لأنهما لا يريان وجوب الدية في الشعر وعندنا يجب فيهما الدية لتفويت الجمال على الكمال ، وأما ما يكون من الأعضاء أربعا فهو أشفار العينين ففيها الدية إذا قطعها ولم تنبت وفي أحدهما ربع الدية لأنها يتعلق بها الجمال على الكمال ويتعلق بها دفع الأذى والقذر عن العين وتفويت ذلك ينقص البصر ويورث العمى ، فإذا وجب في الكل الدية وهي أربعة وجب في الواحد منها ربع الدية وفي الاثنين نصف الدية وفي الثلاث ثلاث أرباع الدية وقال محمد في أشفار العينين الدية كاملة إذا لم تنبت فأراد به الشعر لأن الشعر هو الذي ينبت دون الجفون وأيهما أريد كان مستقيما لأن في كل واحد من الشعر دية كاملة فلا يختل المعنى ولو قطع الجفون بأهدابها تجب دية واحدة لأن الأشفار مع الجفون كشيء واحد كالمارن مع القصبة والموضحة مع الشعر .

                                                                                        وأما ما يكون من الأعضاء أعشارا كالأصابع ففي قطع اليدين أو الرجلين كل الدية وفي قطع واحد منها عشر الدية وفي قطع الجفون التي لا شعر فيها حكومة عدل ، وإذا كان الجاني على الأهداب واحدا وعلى الجفون واحدا آخر كان على الذي جنى على الأهداب تمام الدية وعلى الذي جنى على الجفون حكومة عدل وفي الظهيرية ولو حلق نصف اللحية فلم تنبت وحلق ربع الرأس أو نصف الرأس تجب نصف الدية لأنه ما زال الجمال على الكمال لأن الشين إنما يكمل بفوات الكل وقال بعضهم يجب كمال الدية لأن نصف الحلق لا يبقى زينة فتفوت الزينة بالكلية بفوات نصف اللحية ففيه كمال الدية كما لو قطع الشارب وفي لحية العبد حكومة عدل وهو الصحيح لأن المقصود من العبد الخدمة كالجمال لأن لحية العبد جمال من حيث إنه آدمي نقصان من حيث إنه مال لأنه مما يوجب نقصانا في المالية ، فإنه لا يساوي غير الملتحي في الجمال فلم يوجد إزالة الجمال على الكمال وروي عن الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنه تجب كمال الدية لا القيمة لأن الجمال في حقه مقصود أيضا ، وإن نبت مكانها أخرى مثل الأولى فلا شيء فيها كما في السن ، فإن كانت الأولى سوداء فنبتت مكانها بيضاء ذكر في النوادر أن عند أبي حنيفة في الحر لا يجب شيء وفي العبد حكومة عدل لأن البياض في الشعر مما ينقص من قيمة العبد لأن البياض في غير وقته عيب وشين .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية