قال رحمه الله ( فديته على عاقلة الصبي ) لأن الصبي هو المباشر للقتل وعمده وخطؤه سواء تجب على عاقلته ولا شيء على العبد الآمر وكذا الحكم إذا أمره بذلك صبي والأصل أن الأمر بما لا يملكه الآمر إذا لم يعلم المأمور بفساد الأمر صحيح في حق الآمر والمأمور حتى يثبت للمأمور الرجوع عن الأمر إذا لحقه غرم في ذلك بيان ذلك عبد محجور أمر صبيا حرا بقتل رجل فقتله فإنه يصح الأمر في حقهما حتى إذا ضمن الذابح للجار قيمة الشاة يرجع بها على الآمر فإن علم أن الشاة لغيره وهو حر بالغ لا يصح الأمر حتى لا يرجع بما لحقه من مغرم لأنه لم يصر عاملا للآمر وإن كان المأمور صبيا يصح الأمر سواء كان عالما بفساد الأمر حتى لا يرجع بما لحقه من مغرم أو لا لنقصان عقل ويلحق به المجنون وأما مسألتنا فالأصل أن الصبي مؤاخذ بضمان الأفعال دون الأقوال فيما يتنوع إلى صحيح وفاسد أما صحة فعله فلصدوره من أهله في محله النوادر أمر رجلا بأن يذبح هذه الشاة وهي لجاره ولم يعلم المأمور بذلك . أمر صبيا بقتل دابة أو بمزق ثوب أو بأكل طعام لغيره
فالضمان على الصبي في ماله ويرجع بذلك على الآمر ولو أمر الصبي بالغا ففعل لم يضمن الصبي ولو أمر الحر البالغ بذلك فالضمان على الفاعل وفي المحيط لو قال اقتل ابني أو اقطع يده أو اقتل أخي فقتله اقتص من القاتل قياسا وتجب الدية استحسانا ولا رجوع لعاقلة الصبي على الصبي الآمر أبدا ويرجعون على العبد الآمر بعد العتق لأن عدم الاعتبار كان لحق المولى لا بنقصان أهلية العبد وقد زال حق المولى بالإعتاق بخلاف الصبي لأنه قاصر الأهلية وفي شرح الزيادات لا ترجع العاقلة على العبد أيضا أبدا لأن هذا ضمان جناية وهو على المولى لا على العبد وقد تعذر إيجابه على المولى لما كان على العبد الحجر وهذا أوفق للقواعد ألا ترى أن لا يجب عليه شيء لكونه أسنده إلى حالة منافية للضمان على ما بينا قبل هذا ولهذا لو العبد إذا أقر بعد العتق بالقتل قبله لا يجب على العبد شيء وإنما يوجب على المولى فيجب عليه قيمة واحدة ولو مات فيها ألف نفس فيقسموها بالحصص قال رحمه الله ( وكذا إن أمر عبدا ) معناه أن يكون حفر العبد بئرا فأعتقه مولاه ثم وقع فيها إنسان فهلك فيخاطب مولى القاتل بالدفع أو الفداء ولا رجوع له على الآمر في الحال ويرجع بعد العتق بالأقل من الفداء وقيمة العبد لأنه غير مضطر في دفع الزيادة . الآمر عبدا والمأمور أيضا عبدا محجورا عليهما
وعلى قياس ما ذكره العتابي لا يجب عليه شيء لما بينا وهذا إذا كان القتل خطأ وكذا إذا كان عمدا والعبد القاتل صغيرا لأن عمده خطأ على ما بينا وأما إذا كان كبيرا يجب القصاص لأنه من أهل العقوبة ولو فالدية على عاقلة الصبي لأنه المباشر ثم ترجع العاقلة على عاقلة الصبي لأنه المتسبب إذ لولا أمره لما قتل لضعف فيه ولا يقال كيف تعقل عاقلة الرجل ما لزم بسبب القتل فينبغي أن يكون كالإقرار لأنا نقول هذا قول لا يحتمل الكذب وهو تسبب فيعلقه بخلاف الإقرار بالقتل لأنه يحتمل الكذب فلا تعقله العاقلة ولو كان المأمور عبدا محجورا عليه كبيرا أو صغيرا يخير المولى بين الدفع والفداء وأيهما اختار يرجع بالأقل على الآمر في ماله لأن الآمر صار غاصبا للعبد بالأمر كما إذا استخدمه وضمان الغصب في ماله لا على العاقلة وإن كان المأمور حرا بالغا عاقلا فعلى عاقلته الدية ولا ترجع العاقلة على الآمر بحال لأن أمره لم يصح ولا يؤثر وهو أيضا يأمر مثله لا سيما في الدم وإن كان أمر رجل حر صبيا حرا يخير مولى المأمور بين الدفع والفداء وأيهما فعل يرجع على العبد المأذون له لأن هذا ضمان غصب . الآمر عبدا مأذونا له في التجارة كبيرا كان أو صغيرا والمأمور عبدا محجورا عليه أو مأذونا
وإنه من جنس ضمان التجارة لأنه يؤدي إلى تملك المضمون بأداء الضمان والمأذون له يؤخذ بضمان التجارة بخلاف ما إذا كان المأمور حرا حيث لا ترجع عاقلة المأمور على الآمر في الحال ولا بعد الحرية لعدم تحقق الغصب في الحر ولو كان المأمور صبيا حرا مأذونا له في التجارة فحكمه حكم العبد المأذون له حتى يرجع عليه فيما إذا كان المأمور عبدا لتحقق الغصب فيه ويكون ذلك في ماله دون العاقلة لأنه ليس بضمان جناية وإنما هو ضمان تجارة ولا يرجع عليه إذا كان المأمور حرا لعدم تصور الغصب فيه فصار الصبي الآمر في حقه كالصبي المحجور [ ص: 429 ] ولو كان تجب الدية على عاقلة الصبي وترجع العاقلة على المكاتب بالأقل من قيمته ومن الدين لأن هذا حكم جناية المكاتب بخلاف القن فإن حكم جنايته على المولى فيجب عليه إن أمكن وإلا سقط على ما بينا وإن عجز المكاتب بعد ما قضى القاضي عليه بالقيمة تباع رقبته إلا أن يفدي المولى بديتهم والقياس أن يبطل حكم جنايته وهو قول الآمر مكاتبا صغيرا كان أو كبيرا والمأمور صبي حر لأنه بالعجز صار قنا وأمره لا يصلح وهما يقولان لما قضي عليه بالقيمة صار دينا عليه وتقرر فلا يسقط حتى لو عجز قبل القضاء عليه بالقيمة بطل حكم جنايته لأن حكم جنايته إنما يصير دينا عليه بالقضاء ولم يوجد . أبي حنيفة
وإن عجز بعدما أدى كل القيمة لا يبطل وإن كان المأمور عبدا يخير مولاه بين الدفع أو الفداء ثم يرجع على المكاتب بقيمة المأمور إلا إذا كانت قيمته أكثر من الدية فنقص عشرة دراهم بقي إشكال وهو أن يقال إن هذا ضمان الغصب ففيه يضمن قيمته بالغة ما بلغت فكيف ينقص عشرة دراهم كضمان الجناية فجوابه هذا الغصب لكن يحصل بسبب الجناية فاعتبر بها في حق التقدير وإن عجز المكاتب فمولى المأمور يطالب مولى المكاتب ببيعه لأن ضمان الغصب لا يسقط بعجز المكاتب وإن أعتق المولى المكاتب فالمأمور بالخيار إن شاء رجع بجميع قيمة المأمور على المعتق وبالفضل على المعتق لأنه ضمان غصب فلا يبطل بالإعتاق وإن شاء رجع على المولى بقدر قيمة المعتق إلى تمام قيمة المأمور وإن كان المأمور مكاتبا يجب على المأمور ضمان قيمة نفسه ولا يرجع به على الآمر لأنه تعذر أن يجعل ضمان غصب لأن المكاتب حر من وجه فلا يكون محلا للغصب صغيرا كان أو كبيرا لأن المكاتب الصغير ملحق بالكبير فصار كالحر البالغ العاقل إن كان مأمورا قيد بقوله عجز لأنه لو جنى قبل العجز لا يباع بل يخير المولى .