الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ولا تعقل عاقلة حتى تشهد الشهود أنها لذي اليد ) أي إذا كانت دار في يد رجل فوجد فيها قتيل لا تعقله عاقلته حتى تشهد الشهود أنها لصاحب اليد لأن ملك صاحب اليد لا بد منه حتى تعقل عاقلته عنه واليد وإن كانت تدل على الملك ولكنها محتملة فلا تكفي إلا بإيجاب الضمان على العاقلة كما لا يخفى للاستحقاق وتصلح للدفع وقد عرف في موضعه قال صاحب العناية ولا يختلج في وهمك صورة تناقض بعدم الاكتفاء باليد مع ما تقدم أن الاعتبار عند أبي حنيفة رضي الله عنه لليد لأن اليد المعتبرة عنده هي التي تكون بالأصالة لكن كيف يتم على أصله التعليل الذي ذكره المصنف بقوله لأنه لا بد من الملك لصاحب اليد حتى تعقل العواقل عنه .

                                                                                        وهل لا يناقض هذا ما مر من أن الاعتبار عند أبي حنيفة لليد دون الملك كما في المسألة المتقدمة آنفا فإن الملك هناك للمشتري مع أن الدية عنده على عاقلة البائع لكونه صاحب اليد قبل القبض كما مر تفصيله قال صاحب العناية ولا يلزم أبا حنيفة أن يعتبر اليد في استحقاق الدية كما قال في الدار المبيعة في يد البائع يوجد فيها قتيل لأن الدية تجب على عاقلة البائع لأنه يعتبر يد المالك لا مجرد اليد فلم تثبت هنا يد المالك إلا بالبينة ا هـ .

                                                                                        وذكر في معراج الدراية ما يوافقه حيث قال وفي جامع كربيسي اعتبر أبو حنيفة رضي الله عنه مجرد اليد في المسألة المتقدمة وهناك لا يثبت ذلك إلا بالبينة فلا يرد نقضا عليه . ا هـ .

                                                                                        أقول : هذا التوجيه مشكل لأن الملك في المسألة المتقدمة كان للمشتري لا محالة وعن هذا نشأ النزاع بين أبي حنيفة رحمه الله وصاحبيه في تلك المسألة إذ لو كان الملك أيضا للبائع لما صار محل الخلاف وإقامة الحجة من الجانبين على ما مر بيانه فإذا كان الملك هنا للمشتري فكيف يتحقق البائع أن ذاك يد المالك إذ ثبوت يد الملك له يقتضي ثبوت نفس الملك أيضا له فيلزم أن يجتمع على الدار المبيعة في حالة واحدة ملكان وهما ملك البائع وملك المشتري وهو محال وإن أريد بيد الملك غير معناه الظاهر أي اليد التي كانت لصاحبها ملكا في الأصل وإن زال ذلك الملك في الحال بالبيع فما معنى اعتبار مثل ذلك الأصل المزيل في ترتب الحكم الشرعي عليه في الحال وهل يليق أن يعد ذلك أصلا لإمامنا الأعظم فعليك بالتأمل الصادق .

                                                                                        وظاهر إطلاق المصنف أنه لا فرق بين ما إذا أنكر العواقل [ ص: 452 ] أن الدار له وأقروا بها قال فخر الإسلام البزدوي قصد بهذا الكلام إذا أنكر العواقل كون الدار له وقالوا هي وجيعة في يده فالقول لهم إلا أن يقيموا بينة على الملك كذا في العيني على الهداية ولا فرق في ذلك بين أن يكون القتيل الموجود فيها صاحب الدار أو غيره عند الإمام رحمه الله تعالى

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية