الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وإن قال لورثته لفلان علي دين فصدقوه فإنه يصدق إلى الثلث ) وهذا استحسان ، والقياس أن لا يصدق لأن الإقرار بالمجهول ، وإن كان صحيحا لا يحكم به إلا بالبيان ، وقوله فصدقوه مخالف للشرع لأن المدعي لا يصدق إلا بحجة فتعذر جعله إقرارا مطلقا فلا يعتبر فصار كمن قال كل من ادعى علي شيئا فأعطوه فإنه باطل لكونه مخالفا للشرع إلا أن يقول إن رأى الموصي أن يعطيه فحينئذ يجوز من الثلث وجه الاستحسان أنا نعلم قصده تقديمه على الورثة ، وقد أمكن تنفيذ قصده بطريق الوصية ، وقد يحتاج إليه من يعلم بأصل الحق عليه دون مقداره فيسعى في تفريغ ذمته فيجعل وصية جعل التقدير فيها إلى الموصى له كأنه قال لهم إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ما شاء فهذه معتبرة فكذا هذا فيصدق إلى الثلث قال رحمه الله ( فإن ) ( أوصى بوصايا ) أي مع ذلك ( عزل الثلث لأصحاب الوصايا ، والثلثان للورثة ، وقيل لكل صدقوه فيما شئتم وما بقي من الثلث فللوصايا ) أي لأصحاب الوصايا لا يشاركهم فيه صاحب الدين ، وإنما عزل الثلث والثلثان لأن الوصايا حقوق معلومة في الثلث ، والميراث معلوم في الثلثين ، وهذا ليس [ ص: 481 ] بدين معلوم ولا وصية معلومة فلا يزاحم المعلوم ، وقدمنا عزل المعلوم ، وفي الإقرار فائدة أخرى ، وهي أن أحد الفريقين قد يكون أعرف بمقدار هذا الحق وما يتعلق به ، وربما يختلفون في الفضل إذا ادعاه الخصم فإذا أقر فقد علمنا أن في التركة دينا شائعا في جميع التركة فيؤمر أصحاب الوصايا والورثة ببيانه فإذا بينوا شيئا أخذ أصحاب الوصايا بثلث ما أقروا به ، والورثة بثلثي ما أقروا به لأن إقرار كل فريق نافذ في حق نفسه فتلزمه بحصته ، وإن ادعى المقر له أكثر من ذلك حلف كل فريق على نفي العلم لأنه تحليف على فعل الغير .

                                                                                        قال الشارح قال العبد الضعيف الراجي عفو ربه الكريم : هذا مشكل من حيث إن الورثة كانوا يصدقونه إلى الثلث ولا يلزمهم أن يصدقوه في أكثر من الثلث لأن أصحاب الوصايا أخذوا الثلث على تقدير أن تكون الوصايا تستغرق الثلث كله ، ولم يبق في أيديهم من الثلث شيء فوجب أن لا يلزمهم تصديقه قال صاحب العناية حاصله أنه تصرف يشبه الإقرار لفظا ، ويشبه الوصية تنفيذا فباعتبار شبه الوصية لا يصدق في الزيادة على الثلث ، وباعتبار شبه الإقرار يجعل شائعا في الأثلاث ولا يخصص بالثلث الذي لأصحاب الوصايا عملا بالشبهين ، وقد سبقه تاج الشريعة إلى بيان حاصل هذا المقام بهذا الوجه أقول : فيه كلام ، وهو أن العمل بمجموع الشبهين إن كان أمرا واجبا فكيف يصلح ذلك تعليلا كما هو الظاهر المعروف فما بالهم لم يعملوا بشبه الإقرار في هذا التصرف إذا لم يوص بوصايا غير ذلك كما تقدم بل جعلوه وصية جعل التقدير فيها إلى الموصى له كما إذا قال إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ولم يعتبر ، وأشبه الإقرار قط حيث لم يجعلوا له حكما أصلا في تلك الصورة ، وإن لم يكن ذلك أمرا واجبا فكيف يصلح ذلك تعليلا لجواب هذه المسألة في هذه الصورة ، واعترض عليه بعض الفضلاء بوجه آخر حيث قال فيه بحثا فإنه لا يؤخذ بقوله في هذه الصورة لا في الثلث ولا في أقل منه بل يؤخذ بقول الورثة وأصحاب الوصايا فتأمل ا هـ .

                                                                                        وقصد بعض المتأخرين أن يجيب عنه فقال في الحاشية بعد نقل ذلك قلت بعد تسليم ذلك إن عدم التصديق في الزيادة على الثلث لا يوجب التصديق في الثلث فالمعنى لا يصدق في صورة دعوى الزيادة بل يؤخذ بقولهم فلا اعتبار فتأمل ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية