الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وبثياب متفاوتة لثلاثة فضاع ثوب ، ولم يدر أي والوارث يقول لكل هلك حقك بطلت ) أي إذاأوصى بثلاثة ثياب متفاوتة ، وهي جيد ووسط ورديء لثلاثة أنفار لكل واحد منهم بثوب فضاع منها ثوب ولا يدري أيهم ، والوارث يجحد ذلك بأن يقول لكل واحد منهم هلك حقك أو حق أحدكم ولا يدري من هو الهالك فلا أدفع إليكم شيئا بطلت الوصية لأن المستحق مجهول ، وجهالته تمنع صحة القضاء ، وتحصيل غرض الموصي فيبطل كما إذا أوصى لأحد الرجلين ، وقول المؤلف والوارث يقول إلى آخره ، ومعنى جحودهم أن يقول الوارث لكل واحد منهما الثوب الذي هو حقك قد هلك أقول : في ظاهر تعبير المؤلف هاهنا فساد لأن هلاك كل واحد منهم إنما يتصور فيما إذا ضاعت الأثواب الثلاثة معا ، والغرض في وضع المسألة أن ضياع ثوب واحد منها غير معلوم بخصوصه فكيف يصح أن يقول الوارث لكل واحد منهم الثوب الذي هو حقك قد هلك فإنه كذب ظاهر لا ينبغي أن يسمع أصلا فضلا عن أن يترتب عليه حكم شرعي .

                                                                                        بل قوله لواحد منهم الثوب الذي هو حقك قد هلك يقتضي الاعتراف بكون الثوبين الباقيين لصاحبه ، والأولى في التعبير ما ذكر في الجامع الصغير سيما للصدر الشهيد والإمام قاضي خان ، وهو أن المراد بجحود الوارث أن يقول حق واحد منكم بطل ولا ندري من بطل حقه ، ومن بقي حقه فلا نسلم إليكم شيئا ، والذي يمكن في توجيه كلام المصنف أن يكون مراده معنى جحوده أن يقول الوارث لكل واحد بعينه الثوب الذي قد هلك يحتمل أن يكون حقك فكأنه سامح في العبارة بناء على ظهور المراد ، ووافقه صاحب الكافي في هذه العبارة مع ظهور كمالها قال رحمه الله ( إلا أن يسلموا ما بقي ) أي إلا أن يسلم الورثة ما بقي من الثياب فحينئذ تصح الوصية لأنها كانت صحيحة في الأصل ، وإنما بطلت بجهالة طارئة مانعة من التسليم فإذا سلموا الباقي زال المانع فعادت صحيحة كما كانت فتقسم بينهم قال رحمه الله ( فلذي الجيد ثلثاه ولذي الرديء ثلثاه ، ولذي الوسط ثلث كل ) أي لصاحب الجيد ثلثا الثوب الجيد ، ولصاحب الرديء يعطى [ ص: 483 ] ثلثا الثوب الرديء ، ولصاحب الوسط ثلث كل واحد منهما فيصيب كل واحد منهم ثلثا ثوب لأن الاثنين إذا قسما على ثلاثة أصاب كل واحد منهما الثلثان ، وإنما أعطي لصاحب الوسط ثلث كل واحد منهم ، وللآخرين الثلثين من ثوب واحد لأن صاحب الجيد لا حق له في الرديء بيقين لأنه إنما يكون هو الرديء أو الوسط ولا حق له فيهما .

                                                                                        واحتمل أن يكون حقه في الرديء بأن كان الهالك هو الجيد أو الوسط ، واحتمل أن لا يكون له فيه حق بأن يكون الهالك أجود ، ويحتمل أن يكون في الرديء بأن يكون الهالك أردأ ، ويحتمل أن يكون له فيهما حق بأن كان الهالك هو الوسط فإذا كان كذلك أعطى كل واحد منهم حقه من محل يحتمل أن يكون هو له لأن التسوية بإبطال حق كل واحد منهم إليه ، وهم في احتمال بقاء حقه وبطلانه سواء ، وفيما قلنا إيصال حق كل واحد منهم بقدر الإمكان ، وتحصيل غرض الموصي من التفضيل فكان متعينا ، وفي العيون إذا أوصى لرجل بثياب جيدة فله ما يلبس من الجباب والقمص والأردية والطيلسان والسراويلات والأكسية ولا يكون له شيء من القلانس والخفاف والجوارب ، وفي الخانية فإن ذلك ليس من الثياب ، وفي فتاوى الفضلي قال بالفارسية حامه من هروشيد وبدر ويشان وهيد فهذا في عرفنا يقع على جميع ثياب بدنه إلا الخف فإنه يبعد أن يراد بهذا اللفظ في عرفنا الخف ، ويدخل في الوصية بالثوب الديباج وغيره مما يلبس عادة من كساء أو فرو هكذا ذكر في السير ولا يدخل فيه البساط والستر ، وكذا العمامة ، والقلنسوة لا تدخل ذكره في السير ، وقد قيل إذا كانت العمامة طويلة يجيء منها ثوب كامل تدخل تحت الوصية ، وفي فتاوى أهل سمرقند إذا أوصى بمتاع بدنه يدخل تحت الوصية القلنسوة ، والخف ، واللحاف ، والدثار ، والفراش لأنه يصون بهذه الأشياء بدنه عن الحر ، والبرد ، والأذى .

                                                                                        وفي السير أن اسم المتاع في العادة يقع على ما يلبسه الناس ، ويبسط ، وعلى هذا يدخل في الوصية بالمتاع الثياب والفراش والقمص ، والستر هل يدخل فيها أو لا ؟ فقد اختلف المشايخ أشار محمد في السير إلى أنه يدخل ، وإذا أوصى لرجل بفرس بسلاحه سئل أبو يوسف أهو على سلاح الرجل أو على سلاح الفرس قال على سلاح الرجل قال البقالي في فتاويه وأدنى ما يكون من السلاح سيف وترس ورمح وقرص ، ولو أوصى له بذهب أو فضة ، وللموصي سيف محلى بذهب أو فضة كانت الحلية له ، وبعد هذا ينظر إن لم يكن في نزع الحلية ضرر فاحش ينزع الحلية من السيف ، وتعطى للموصى له ، وإن كان في نزعها ضرر فاحش ينظر إلى قيمة الحلية ، وإلى قيمة السيف فإن كانت قيمة السيف أكثر تخير الورثة إن شاءوا أعطوا الموصى له قيمة الحلية مصوغا من خلاف جنسها ، وصار السيف مع الحلية لهم ، وإن كانت قيمة الحلية أكثر يخير الموصى له إن شاء أعطى ، وأخذ السيف ، وإن شاء أخذ القيمة . وإن كانت قيمتهما على السواء كان الخيار للورثة ، ولو أوصى لرجل بفرو ، وللموصي جبة بطانتها ثوب فرو وظهارتها ثوب فرو كان للموصى له الثوب ، والآخر للورثة ، ولو أوصى بجبة حرير ، وله جبة ، وبطانتها حرير دخلت تحت الوصية إن كانت الظهارة حريرا والبطانة حريرا كذلك الجواب ، وإن كانت البطانة حريرا فلا شيء له ، ولو أوصى له بحلي يدخل كل ما يطلق عليه اسم الحلي سواء كان مفصصا بزمرد وياقوت أو لم يكن .

                                                                                        ويكون جميع ذلك للموصى له ، ولو أوصى له بذهب ، وله ثوب ديباج منسوج من ذهب فإن كان الذهب مثل الثوب مثل الغزل فليس له شيء إن كان الذهب فيه شيء جرى كان ذلك للموصى له وما وراء ذلك للورثة فيباع الثوب ، ويقسم الثمن على قيمة الذهب وما سواه فما أصاب الذهب فهو للموصى له ، ولو أوصى له بحلي دخل تحتها الخاتم من الذهب ، وهل يدخل تحتها الخاتم من الفضة فإن كان من الخواتم التي تستعملها الرجال دون النساء لا يدخل ، وهل يدخل فيه اللؤلؤ والياقوت والزبرجد فإن كان مركبا في شيء من الذهب والفضة يدخل بالاتفاق ، وإن لم يكن مركبا فعلى قول أبي حنيفة لا يدخل لأنه ليس بحلي ، وعلى قولهما يدخل أصل المسألة إذا حلفت المرأة لا تلبس حليا ، ولبست عقد اللؤلؤ لا يخالطه ذهب ولا فضة لا تحنث في يمينها عند أبي حنيفة ، وعندهما تحنث ، ولو لبست عقد لؤلؤ مركب من ذهب وفضة تحنث في يمينها بالإجماع ، ولو أوصى له بحديد ، وله سرج ركاباه من حديد نزع الركابان ، وأعطيا للموصى له ، والباقي للورثة ، وفي المنتقى إذا أعتق عبدا له ، وقال كسوته له فله خفاه وقلنسوته وقميصه وسراويله وإزاره ولا يدخل [ ص: 484 ] فيه منطقته ولا سيفه ، وإن قال له متاعه دخل السيف ، والمنطقة أيضا ، وهي وصية عبد الله بن المبارك لغلامه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية