الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وبحقوق الله قدمت الفرائض ، وإن أخرها كالحج والزكاة والكفارات ) لأن الفرض أهم من النفل ، والظاهر منه البداية بالأهم قال في الأصل إذا اجتمعت الوصايا فإن كان ثلث المال يوفي بالكل أو أجازت الورثة الوصايا بأسرها نفذت الوصايا بأسرها ، وإن لم تجز الورثة الوصايا فإن كانت الوصايا كلها للعباد يقدم الأقوى فالأقوى ، وإلا بدئ بما بدأ به كما سيأتي في القول التي بعدها فإن كان في الوصايا عتق قدم على غيره ، وإن استوت في القوة فإنهم يتحاصون فيها بأن يضرب بقدر حقه في الثلث ، وقد تقدم ، وإن كانت الوصايا كلها لله تعالى إن كانت النوافل كلها عينا بأن أوصى أن يتصدق بمائة على فقير بعينه ، وأوصى بأن يعتق نسمة بعينها تطوعا فإنهما يتحاصان ولا يبدأ بما بدأ به الميت فإن كان صاحب النسمة لا يبيع النسمة بما يخصها أو ماتت النسمة في يد صاحبها حتى وقع العجز عن تنفيذ الوصية فإنه يكمل وصية الموصى له بالمائة لأن صحة الوصية للعبد صحت ثم بطلت لأنا نعتبر البطلان بوقوع اليأس عن تنفيذ الوصية للعبد فأما إذا كانت الوصايا كلها فرائض ، وقد استوت في الوكالة ، وليس معها وصية للمعين بأن أوصى بأداء الزكاة ، وبحجة الإسلام ، وبأن يعتق عنه عبد عن كفارة يمين فإن على قول الفقيه أبي بكر البلخي يبدأ بما بدأ به الميت بخلاف ما لو أوصى بعتق في كفارة فطر فإنه يبدأ بكفارة الفطر أو القتل ، وإن أخرها الميت .

                                                                                        وقد روى أبو يوسف في الأمالي عن أبي حنيفة والحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه يبدأ بالحج ثم بالزكاة ثم بالعتق عن كفارة اليمين سواء بدأ بالحج أو أخر ، وفي الكافي ، وروي عن أبي يوسف أنه يقدم عليه الزكاة بكل حال ثم يقدم الحج على الكفارات ، وكفارة الظهار والقتل واليمين مقدم على صدقة الفطر ، وصدقة الفطر مقدمة على الأضحية ، وعلى هذا القياس يقدم بعض الواجبات كالنذر يقدم على الأضحية وما ليس بواجب يقدم منه ما قدمه الموصي فإن أوصى بعتق في كفارة قتل أو كفارة يمين أو ظهار يبدأ بكفارة القتل ، وإن أخرها الميت ، وإن كانت الكفارة كفارة اليمين ساوت كفارة القتل في القوة والوكالة بخلاف ما إذا أوصى بالعتق في كفارة يمين ، وبالعتق في كفارة ظهار ، وبكفارة جزاء الصيد ، وبكفارة الحلف في الأذى فإنه يبدأ بما بدأ به الميت ، وروى القاضي الإمام الجليل في شرح مختصر الطحاوي عن أصحابنا أنه يبدأ بالزكاة ثم بالحج ثم بالعتق عن الكفارة هذا كله إذا لم يكن مع الفرائض نفل فإن كان النفل بغير العين بأن أوصى بأن يحج عنه حجة الإسلام ، ويعتق عنه نسمة لا بعينها تطوعا فالفرض أولى ، وإن أخره الميت ، وهذا استحسان ، والقياس أن يبدأ بالنفل إذا كان الميت بدأ بالنفل فأما إذا كان مع الفرائض عين بأن أوصى بحجة الإسلام ، وبأن يعتق عنه معين يتحاصان سواء بدأ بالعتق أو أخر هذه جملة ما أورده الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده .

                                                                                        وذكر الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواف في شرحه ، ويسن أن بعد الفرائض تقدم الكفارة على النذور ، وفي الذخيرة تقدم كفارة القتل على غيرها من الكفارات ، وعلى النذور ، وتقدم النذور على الأضحية ، وصدقة الفطر ، وتقدم صدقة الفطر على الأضحية لأنها واجبة بالاتفاق ، وإن كان مع الفرض وصية بعتق ، ونفل ليس بمعين بأن أوصى لرجل بمائة درهم ، وأوصى بعتق نسمة لا بعينها فإنه يجب التوزيع والمحاصة لتظهر صحة المعين فإذا ظهر صحة المعين من الثلث خرج المعين عن الوسط بقي بعد هذا فرض ونفل ، وليس بعين فيقدم الفرض فإن بقي بعد الفرض شيء ولا يؤخذ بذلك نسمة قالوا يصرف إلى الموصى له بالعين ، وفي فتاوى الخلاصة فإن كان مع شيء من هذه الوصايا حق الله نحو أن يقول ثلث مالي في الحج والزكاة والكفارة ، ولزيد [ ص: 503 ] قسم على أربعة أسهم ، وفي فتاوى أبي الليث إذا قال أخرجوا من مالي عشرين ألفا فأعطوا فلانا كذا وفلانا كذا حتى بلغ أحد عشر ألفا ثم قال : والباقي للفقراء ثم مات فإذا ثلث ماله تسعة آلاف درهم ، والورثة لم يجيزوا فإنه ينفذ من وصية كل واحد منهم تسعة أجزاء من عشرين جزءا ، ويبطل من وصية كل واحد منهم أحد عشر جزءا من عشرين جزءا أو يجعل قوله والباقي للفقراء بعدما سمى عشرين ألفا ، وذلك لكل واحد من ذلك نصيبهما حتى بلغ أحد عشر ألفا فإنه قال أعطوا ثلث مالي لفلان كذا حتى بلغ أحد عشر ألفا .

                                                                                        ثم قال وأعطوا الباقي للفقراء فإذا بلغ ماله تسعة آلاف أو أكثر إلى أحد عشر ألفا لا شيء للفقراء ، ويعطى كل واحد من أصحاب الوصايا حصة كاملة إن كان الثلث أحد عشر ألفا ثم يعطى كل واحد منهم تسعة أجزاء من أحد عشر جزءا من وصيته ، ويبطل سهمان من أحد عشر ، وفي الواقعات للناطقي الواجبات في الوصايا على أربع مراتب ما أوجبه الله تعالى أبدا كالزكاة والحج ، والثاني ما أوجبه على العبد بسبب من جهته ككفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة القتل ، والثالث ما أوجبه على نفسه من غير ثبوته عليه بالنذر كقوله على صدقة أو عتق وما أشبهه ، والرابع التطوع كقوله تصدقوا عني بعد وفاتي ، وقد اختلفت الرواية في الحج مع الزكاة فعن أبي حنيفة في المجرد أنه تقدم حجة الإسلام ، وإن أخر الحج عن الزكاة في الوصية لفظا ، وفي نوادر ابن رستم إذا أوصى بالزكاة والحج والفرض يبدأ بما بدأ به الميت فعلى هذا الترتيب الذي بيناه يجب إيفاؤها مرتبة إذا لم يف ثلث ماله بذلك كله .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية