الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب الوصية للأقارب وغيرهم )

                                                                                        قال في العناية إنما أخر هذا الباب عما تقدم ; لأن في هذا الباب ذكر أحكام الوصية لقوم مخصوصين ، وفيما تقدم ذكر أحكامها على وجه العموم ، والخصوص أبدا يتلو العموم وقوله : جيرانه كان حق الكلام أن يقدم ذكر الوصية للأقارب نظرا إلى ما في الترجمة ويجوز أن يقال الواو لا تدل على الترتيب ، وأن يقال قدم ذكر الجيران للاهتمام بهم قال رحمه الله ( جيرانه ملاصقوه ) يعني لو أوصى إلى جيرانه يصرف ذلك للملاصقين لجداره وهذا عند أبي حنيفة وهو القياس ; لأنه مأخوذ من المجاورة وهي الملاصقة ولهذا حمل قوله عليه الصلاة والسلام { الجار أحق بشفعته } حتى لا يستحق الشفعة غير الملاصق بالجوار ولأنه لما تعذر صرفه إلى الجميع صرف إليه ألا ترى أنه يدخل فيه جار المحلة وجار الأرض وجار القرية فوجب صرفه إلى أخص الخصوص وهو الملاصق في الاستحسان ، وفي قولهما جار الرجل هو من يسكن محلته ويجمعهم مسجد المحلة ; لأن الكل يسمون جارا عرفا وشرعا { قال عليه الصلاة والسلام : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } ففسر بكل من سمع النداء ولأن المقصود بالوصية للجيران برهم ، والإحسان إليهم واستحسانه ينتظم الملاصقين وغيرهم إلا أنه لا بد من الاختلاط ليتحقق منهم معنى الاسم ، والاختلاط عند اتحاد المسجد ، وقال الشافعي رحمه الله : الجار إلى أربعين دارا من كل جانب لقوله عليه الصلاة والسلام { حق الجار أربعون دارا هكذا وهكذا } قلنا هذا ضعيف عند أهل النقل فلا يصح الاحتجاج به ويستوي فيه الجار الساكن ، والمالك ، والذكر ، والأنثى ، والمسلم ، والذمي ; لأن الاسم يتناول الكل ويدخل فيه العبد الساكن عنده ; لأن مطلق هذا يتناوله ولا يدخل عندهما ; لأن الوصية له وصية لمولاه وهو ليس بجار بخلاف المكاتب ; لأن استحقاق ما في يده للاختصاص به ثبت له ولا يملكه المولى إلا بالتمليك منه ألا ترى أنه يجوز له أخذ الزكاة وإن كان مولاه غنيا بخلاف القن ، والمدبر وأم الولد فالأرملة تدخل ; لأن سكناها مضاف إليها ولا تدخل التي لها بعل ; لأن سكناها غير مضاف إليها وإنما هي تبع فلم تكن جارا حقيقة ، وفي المنتقى ولو أوصى بثلث ماله لجيرانه فإن كانوا يحصون يقسم على أغنيائهم وفقرائهم ولذلك لو قال لأهل محلة كذا أو لأهل مسجد كذا ; لأنه ليس في اللفظ ما يدل على التخصيص قال محمد رحمه الله رجل أوصى بمائة درهم لرجل من جيرانه ثم أوصى لجيرانه بمائة ينظر فيما أوصى لهذا وفيما يصيبه مع الجيران فيدخل الأقل في الأكثر ; لأن المائة إذا كانت أكثر فإنه يستحقها باسم الجيرة وقد آثره الموصي بتعين المائة فلا يستحق شيئا آخر فإذا كان نصيبه مع الجيران أكثر يكون رجوعا عما سمي له وشركا له مع الجيران كلهم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية