الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله : ( وإن أوصى لأقاربه أو لذوي قرابته أو لأرحامه أو لأنسابه ) فهي للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه ولا يدخل الوالدان ، والولد ، والوارث ويكون للاثنين فصاعدا وهذا عند أبي حنيفة ، وقالا : الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له في الإسلام وإن لم يسلم بعد أن أدرك الإسلام أو أسلم على ما اختلف فيه المشايخ ، وفائدة الاختلاف تظهر في مثل أبي طالب وعلي رضي الله عنه [ ص: 508 ] إذا وقعت الوصية لأقرباء النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل فيه أولاد أبي طالب وعلى هذا وقعت الوصية على قول من شرط الإسلام ويدخلون على قول من شرط إدراك الإسلام ، ومن شرط إسلامه صرفه إلى أولاد علي لا غير ولا يدخل أولاد عبد المطلب بالإجماع ; لأنه لم يدرك الإسلام لهما أن الاسم يتناول الكل ; لأن لفظة القريب حقيقة للكل إذ هي مشتقة من القرابة فيكون اسما لكل من قامت به .

                                                                                        فيتناول مواضع الخلاف ضرورة ولأبي حنيفة أن الوصية أخت الميراث ، وفي الميراث يعتبر الأقرب فالأقرب فكذا في أخته ; لأن الأخت لا تخالف الأخت في الأحكام ولأن المقصود من هذه الوصية تلافي ما فرط في إقامة الواجب وهو صلة الرحم ، والوجوب يختص بذي الرحم المحرم ، ولا معتبر بظاهر اللفظ بعد انعقاد الإجماع على تركه فإن كلا منهما قيده بما ذكره والإمام الشافعي قيده بالأب الأدنى ولا تدخل قرابة الأولاد عندنا ; لأنهم لا يسمون أقرباء عادة ومن يسمي ، والده قريبا يكون منه عقوقا إذ القريب في عرف أهل اللغة : من تقرب إلى غيره بواسطة غيره وتقرب الوالد ، والولد بنفسه لا بغيره ولهذا عطف القريب على الوالدين في قوله تعالى : { الوصية للوالدين والأقربين } ، والعطف للمغايرة ولو كان منهم لما عطفوا عليهما ويدخل فيه الجد ، والجدة وولد الولد في ظاهر الرواية .

                                                                                        وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنهم لا يدخلون وقيل ما ذكراه إلى أنه يصرف إلى أقصى أب له في الإسلام كان في ذلك الزمان حين لم يكن في أقرباء الإنسان الذين ينسبون إلى أقصى أب له في الإسلام كثرة وأما في زماننا ففيهم كثرة لا يمكن إحصاؤهم فيصرف الوصية إلى أولاد أبيه وجده وجد أبيه وأولاد أمه وجد أمه وجدته وجدة أمه ولا يصرف إلى أكثر من ذلك .

                                                                                        ويستوي الحر ، والعبد ، والمسلم ، والكافر ، والصغير ، والكبير ، والذكر ، والأنثى على المذهبين وإنما يكون للاثنين فصاعدا عنده ; لأن المذكور فيه بلفظ الجمع ، وفي الميراث يراد بالجمع المثنى فكذا في الوصية ; لأنها أخته قال الراجي عفو ربه : هذا ظاهر في الأقارب وأما في الإنسان فمشكل ; لأنه جمع نسب ، وفيه لا تدخل قرابته من جهة الأم فكيف دخلوا فيه هنا قال في الأصل : ولو ترك الموصي ولدا يجوز ميراثه وترك عمين وخالين فالوصية عند أبي حنيفة للعمين وإنما شرط قيام الولد كي لا يكون العمان وارثين ، وعند أبي يوسف ومحمد الوصية بين العمين ، والخالين أرباعا لاستوائهم في تناول اسم القريب ولو كان عما وخالين فللعم النصف ، والباقي للخالين عند أبي حنيفة وعندهما الوصية بينهم بالسوية وإن ترك عما وعمة وخالا وخالة فالوصية للعم ، والعمة عند أبي حنيفة ، وفي الكافي : إذا أوصى لأقاربه وله عمان وخالان فالوصية لعميه عند أبي حنيفة وعندهما يقسم بينهم أرباعا وكذا في قوله : لأرحامه ولذوي أرحامه ولأنسابه ولذوي أنسابه ، ولو قال لذوي قرابته أو لذي نسبته أو لقرابته فالجواب ما ذكرنا إذ هنا لا يعتبر الجمع عند أبي حنيفة فإنه يدخل تحت الوصية الأقرب فالأقرب ، والواحد فصاعدا بلا خلاف .

                                                                                        وفي الكافي ولو أوصى لذوي قرابته لا يشترط فيه الجمع لاستحقاق الكل حتى لو كان له عم وخالان فكله للعم عنده قال ويعتبر في هذه المسائل قرابة الموصى له وقت موت الموصي لا وقت الإيصاء قال في الأصل : وإن لم يكن للموصي ذو رحم في هذه المسائل فالوصية باطلة عند أبي حنيفة ، وفي النوازل ، وفي الظهيرية : الوصية للقرابة إذا كانوا لا يحصون اختلف المشايخ في جوازها قال بعضهم : إنها باطلة ، وقال محمد بن سلمة : إنها جائزة وعليه الفتوى ; لأنها قربة لكونها صلة ، ولو أوصى بثلث ماله لأهل بيته دخل في الوصية كل من يتصل به من قبل آبائه إلى أقصى أب له في الإسلام يستوي فيه المسلم ، والكافر ، والذكر ، والأنثى ، والمحرم ، والقريب ، والبعيد ونسب الإنسان من قبل أبيه وكل من يتصل به من قبل آبائه إلى أقصى أب في الإسلام فهو من أهل بيت نسبته فيدخل تحت الوصية ولا يدخل تحت الوصية أولاد البنات قال إلا إذا كان أزواجهن من بني أعمام الوصي وعشيرته ولا يدخل فيه أولاد الأخوات ولا أحد من قرابة أم الموصي وإذا أوصى لجنسه فهذا وما لو أوصى لأهل بيته سواء ; لأن الإنسان من جنس قوم أبيه ألا ترى أن إبراهيم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قرشيا وكذلك أولاد الخلفاء يصلحون للخلافة وإن كان أكثرهم من الإماء واعتبروا من جنس قوم آبائهم فصار قوله : وجنسه وقوله لأهل بيته سواء وكل من يتصل به إلى أقصى أب في الإسلام يدخل تحت الوصية إن أوصى لآله فهذا وما لو أوصى لأهل بيته سواء ; لأنهم يستعملون استعمالا [ ص: 509 ] واحدا .

                                                                                        يقال : آل محمد وأهل بيت محمد وآل عباس وأهل بيت عباس إذا أوصى بثلث ماله لأهله أو لأهل فلان فالوصية للزوجة خاصة دون من سواها قياسا إلا أنا استحسنا وجعلنا الوصية لكل من يكون في عياله وتلزمه نفقتهم ويضمهم بيته ولا يدخل تحت الوصية مماليكه فلو كان أهل في بلدتين أو في بيتين دخلوا تحت الوصية لعموم اللفظ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية