الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        إذا أوصى بأن يذبح خنازيره ويطعم المشركين من غير تعيين لما ذكرنا وإن كان لقوم معينين جاز بالاتفاق فحاصله أن وصايا الذمي على ثلاثة أقسام وهو ما إذا أوصى بما هو قربة عندنا وعندهم كما إذا أوصى بأن يسرج في بيت المقدس أو بأن يغزي الترك وهو من الروم سواء كان القوم معينين أو غير معينين ; لأنه وصية بما هو قربة عندنا ، وفي معتقدهم أيضا قربة ومنها ما هو باطل بالاتفاق وهو ما إذا أوصى بما هو ليس بقربة عندنا ولا عندهم كما إذا أوصى للمغنيات ، والنائحات أو أوصى بما هو قربة عندنا وليس في معتقدهم كما إذا أوصى بالحج وببناء المساجد للمسلمين أو بأن تسرج مساجدنا ; لأنه معصية عندهم إلا أن يكون لقوم بأعيانهم فيصح باعتبار التمليك ومنها ما هو مختلف فيه وهو ما إذا أوصى بما هو قربة عندهم .

                                                                                        وليس بقربة عندنا كبناء الكنيسة لقوم غير معينين ونحوه ، فعند أبي حنيفة يجوز وعندهما لا يجوز فإن كان لقوم معينين يجوز في الكل على أنه تمليك لهم وما ذكره من الجهة من تسريج المساجد ونحوه خرج منه على طريق المشورة لا على طريق الإلزام حتى لا يلزمهم أن يصرفوه في الجهة التي عينها هو بل يفعلون به ما شاءوا ولأنه ملكهم ، والوصية إنما صحت باعتبار التمليك لهم وصاحب البدعة إذا كان لا يكفر فهو في حق الوصية بمنزلة المسلم ; لأنا أمرنا ببناء الأحكام على ظاهر الإسلام وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد فيكون على الخلاف المعروف في تصرفاته قال صاحب الهداية : في المرتدة الأصح أنه تصح وصاياها ; لأنها تبقى على الردة بخلاف المرتد ; لأنه يقتل أو يسلم فجعلها كالذمية ، وقال السغناقي في النهاية : ذكر صاحب الكتاب في الزيادات الخلاف على هذا ، وقال بعضهم لا تكون بمنزلة الذمية وهو الصحيح حتى لا تصح منها وصية ، والفرق بينها وبين الذمية أن الذمية تقر على اعتقادها ، وأما المرتدة فلا تقر على اعتقادها . ا هـ .

                                                                                        وقال صاحب العناية : بعد أن نقل هذا من النهاية ، والظاهر أنه لا منافاة بين كلاميه ; لأنه قال هناك الصحيح وهاهنا الأصح وهما يصدقان ا هـ .

                                                                                        أقول : هذا ليس بشيء إذ لا شك أن مراد من قال في الخلافيات هو الصحيح ترجيح هذا القول على القول الآخر لا بيان مجرد صحته مع رجحان الآخر كما أن مراد من قال هو الأصح ترجيحه على الآخر بل قوله هو الصحيح أدل على الترجيح من قوله هو الأصح ولا ريب أن ترجيح أحدهما على الآخر ينافي [ ص: 520 ] ترجيح الآخر عليه ولا يمكن أن يصدقا معا قال الراجي عفو ربه : الأشبه أن تكون كالذمية تجوز وصيتها ; لأنها لا تقتل ولهذا يجوز جميع تصرفاتها وكذا الوصية كأنه أراد بقوله : صاحب الكتاب صاحب الهداية وذكر السغناقي أن من ارتد عن الإسلام إلى النصرانية أو اليهودية أو المجوسية فحكم وصاياه حكم من انتقل إليهم فما صح منهم صح منه وهذا عندهما ، وأما عند أبي حنيفة فوصيته موقوفة ووصايا المرتدة نافذة بالإجماع ; لأنها لا تقتل عندنا ، وقال قاضي خان : المرتدة الصحيح أنها كالذمية فيجوز منها ما جاز من الذمية وما لا فلا ، وأما الثاني وهو ما إذا أوصى الحربي لمسلم فلأنه أهل للتمليك منجزا كالهبة ونحوها فكذا مضافا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية