الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ثم المعتق ) لقوله عليه الصلاة والسلام { الولاء لحمة كلحمة النسب } وهو آخر العصبات { لقوله عليه الصلاة والسلام لمن أعتق عبدا إن مات ولم يدع وارثا كنت عصبة له } قال في التعصيب من جهة النسب فهو نوعان مولى العتاقة ومولى الموالاة ، أما الكلام في مولى العتاقة فنقول : تكلم المشايخ في سبب استحقاقه الإرث قال بعضهم شبيه الإعتاق والنص يشهد له قال عليه الصلاة والسلام { الولاء لمن [ ص: 569 ] أعتق } وقال بعضهم شبيه الملك على المعتق وهو الصحيح ، ألا ترى أن من ورث قريبه حتى عتق عليه كان ولاؤه له ولا إعتاق ها هنا وفي المضمرات لا يباع الولاء ولا يوهب ; لأنه ليس بمال وفي الزيادات ومن الناس من أجاز هبته والصحيح ما قلنا يكون لأقرب الناس عصبة من المعتق حتى لو مات مولى العتاقة وترك ابنه وبنته ، ثم المعتق فميراثه لابن المعتق ولا شيء لبنت المعتق ، وكذلك إذا مات مولى العتاقة وترك أبا وابنا ، ثم مات المعتق كان ميراثه لابن المعتق ولا شيء لأبيه ; لأن الابن أقرب العصبات إليه ، فالحاصل أن الولاء نفسه لا يورث بل هو للمعتق على حاله ألا ترى أن المعتق ينسب بالولاء إلى المعتق دون أولاده فيكون استحقاق الإرث بالولاء لمن هو منسوب إليه حقيقة ، ثم يخلفه فيه أقرب عصبة كما يخلف في ماله فينظر إلى موت المعتق إذ مولى العتاق لو كان حيا في هذه الحالة ومات من يرثه من عصباته وهو أقرب الناس إليه فيرث ذلك الشخص من المعتق .

                                                                                        وفي الذخيرة وهذا الذي ذكرنا أن الولاء لا يورث ظاهر الرواية عن أصحابنا وعن أبي يوسف أنه يورث ويقسم بين الابن والبنت { للذكر مثل حظ الأنثيين } وهكذا روي عن عبد الله بن مسعود في رواية وبه أخذ إبراهيم النخعي وشريح القاضي وإذا مات المعتق ولم يترك إلا بنت المعتق فلا شيء لها في ظاهر الرواية عن أصحابنا ويكون الميراث لبيت المال ، وحكي عن بعض مشايخنا أنهم كانوا يفتون في هذه المسألة أن يدفع المال إليها لا بطريق الإرث ولكن ; لأنها أقرب إلى الميت من بيت المال كيف وأنه ليس في زماننا بيت المال وإنما كان كذلك في زمن الصحابة ، وإذا دفع ذلك إلى سلطان الوقت أو القاضي لا يصرفون إلى مصرفه هكذا كان يفتي القاضي أبو بكر وصدر الشريعة ، وذكر الإمام عبد الواحد الشهيد في فرائضه أن الفاضل عن سهام الزوج والزوجة لا يوضع في بيت المال بل يدفع إليهما ; لأنهما أقرب إلى الميت من جهة النسب وكان الدفع إليهما أولى من غيرهما وكذلك الابن والابنة من الرضاع إذا لم يكن للميت غيرهما يدفع المال إليهما وعصبة المعتق ترث أما عصبة الورثة لا يرث مثاله امرأة أعتقت عبدا و ماتت وتركت ابنا وزوجا ، ثم مات المعتق فالميراث لابن المعتق ; لأنه عصبتها ، ولو كان الابن مات وترك أباه وهو زوج المعتقة لا يرث ; لأن أب الابن ليس عصبة المعتق وإذا أعتق الرجل عبدا ، ثم أعتق المعتق الثاني عبدا ، ثم مات المعتق الثالث وترك عصبة المعتق الأول لا غير يرث منه .

                                                                                        ولو أن امرأة اشترت أباها حتى أعتق عليها ، ثم مات الأب وترك هذه المشترية وبنتا أخرى فميراث المعتق أثلاثا وكان الثلثان بينهما على السوية بحكم الفرض والثلث الآخر للمشتري بحكم الولاء وكثير من هذا الفصل قدم في كتاب الولاء ، وأما الكلام في ولاء الموالاة فنقول : تفسير ولاء الموالاة أن يسلم الرجل على يد رجل فيقول للذي أسلم على يديه أو لغيره واليتك على أني إن مت فميراثي لك . وفي شرح الطحاوي : إن مت ولم يكن لي وارث لا من جهة الفريضة ولا من جهة العصبة ولا من جهة ذوي الأرحام فميراثي لك ، وإن جنيت فعقلي عليك وعلى عاقلتك ، وقبل الآخر فهذا هو تفسير ولاء الموالاة فإذا جنى الأسفل جناية فعقله على عاقلة المولى الأعلى وإذا مات الأسفل يرث منه المولى الأعلى ، وإن مات لا يرث منه المولى الأسفل ولا تثبت هذه الأحكام بمجرد الإسلام بدون عقد الموالاة وإذا مات الأسفل فميراث الأسفل لأقرب الناس عصبة إلى الأعلى كما في ولاء العتاقة ولكل واحد منهما أن ينقض عقد الموالاة وليس له أن يجعل الولاء إلى غيره فإنه لو قال : جعلت ولائي لفلان ، لا يصير له والأسفل له أن يتحول بالولاء إلى غيره فإن له أن يوالي مع آخر وينقض العقد مع الأول ، وإن والى مع غيره ينتقض الأول .

                                                                                        وإن كان الموالاة مع غيره بغيبة الأعلى وفي الذخيرة وولاء الموالاة يخالف ولاء العتاقة من وجوه : أحدها : أن في العتاقة يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى ، وإن شرطوا ذلك في ولاء الموالاة يعتبر شرطهما حتى لو شرطا يرث كل واحد منهما كما شرطا . والثاني : أن ولاء الموالاة يحتمل النقض وولاء العتاقة لا يحتمل . والثالث : أن ولاء العتاقة مقدم على ذوي الأرحام ومولى الموالاة مؤخر عن ذوي الأرحام ، المولى الأسفل إذا أقر بأخ أو ابن عم ، ثم مات فميراثه لمولى الموالاة فقد صح منه عقد الموالاة ولم يصح منه الإقرار بالأخ وابن العم قال رحمه الله ( ثم عصبته على الترتيب ) أي عصبة المولى ومعناه إذا لم يكن للمعتق من النسب على الترتيب الذي ذكرنا فعصبته مولاه الذي أعتقه فإن لم يكن مولاه فعصبته عصبة المعتق وهو المولى على الترتيب الذي [ ص: 570 ] ذكرناه بأن يكون جزء المولى أولى ، وإن سفل ، ثم أصوله ، ثم جزء أبيه ، ثم جزء جده يقدمون لقوة القرابة عند الاستواء أو بعلو الدرجة عند التفاوت .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية