الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وسدله ) لنهيه عليه السلام عنه كما أخرجه أبو داود والحاكم وصححه يقال سدل الثوب سدلا من باب طلب إذا أرسله من غير أن يضم جانبه وقيل هو أن يلقيه على رأسه ويرخيه على منكبيه وأسدل خطأ كذا في المغرب وذكر في البدائع أن الكرخي فسره بأن يجعل ثوبه على رأسه أو على كتفيه ويرسل أطرافه من جوانبه إذا لم يكن عليه سراويل وعن أبي حنيفة أنه يكره السدل على القميص وعلى الإزار وقال لأنه صنيع أهل الكتاب فإن كان السدل بدون السراويل فكراهته لاحتمال كشف العورة عند الركوع وإن كان مع الإزار فكراهته لأجل التشبه بأهل الكتاب فهو مكروه مطلقا سواء كان للخيلاء أو لغيره للنهي من غير فصل ا هـ .

                                                                                        وفي فتح القدير أن السدل يصدق على أن يكون المنديل مرسلا من كتفيه كما يعتاده كثير فينبغي لمن على عنقه منديل أن يضعه عند الصلاة ويصدق أيضا على لبس القباء من غير إدخال اليدين في كميه وقد صرح بالكراهة فيه ا هـ .

                                                                                        وكذا صرح في النهاية بإدخال القباء المذكور في السدل وعزاه إلى مبسوط شيخ الإسلام والخلاصة لكن الذي في خلاصة الفتاوى المصلي إذا كان لابسا شقة أو فرجية ولم يدخل يديه اختلف المتأخرون في الكراهة والمختار أنه لا يكره ا هـ .

                                                                                        وظاهر ما في فتح القدير أن الشد الذي يعتاد وضعه على الكتفين إذا أرسل طرفا على صدره وطرفا على ظهره لا يخرج عن الكراهة فإنه عين الوضع وظاهر كلامهم يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون الثوب محفوظا من الوقوع أو لا فعلى هذا يكره في الطيلسان الذي يجعل على الرأس وقد صرح به في شرح الوقاية

                                                                                        وصرح العلامة الحلبي بأن محل كراهة السدل عند عدم العذر وأما عند العذر فلا كراهة وأنه إن كان للتكبير فهو مكروه مطلقا واختلف المشايخ في كراهة السدل خارج الصلاة كما في الدراية وصحح في القنية من باب الكراهية أنه لا يكره ومن المكروه اشتمال الصماء لما رواه أبو داود عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن إلا ثوب فليتزر به ولا يشتمل اشتمال اليهود } ا هـ .

                                                                                        واشتمال اليهود هو الصماء وهو إدارة الثوب على الجسد من غير إخراج اليد سمي بها لعدم منفذ يخرج يده منها كالصخرة الصماء وفسرها في المحيط بأن يجمع طرفي ثوبه ويخرجهما تحت إحدى يديه على أحد كتفيه ا هـ .

                                                                                        وقيده في البدائع بأن لا يكون عليه سراويل وإنما كره لأنه لا يؤمن انكشاف العورة ومحمد رحمه الله فصل بين الاضطباع ولبسة الصماء فقال إنما تكره الصماء إذا لم يكن عليه إزار فإن كان عليه إزار فهو اضطباع لأنه يدخل طرفي ثوبه تحت إحدى ضبعيه وهو مكروه لأنه لبس أهل الكبر ا هـ .

                                                                                        وفي الخلاصة وغيرها لا بأس أن يصلي الرجل في ثوب واحد متوشحا به جميع بدنه ويؤم كذلك [ ص: 27 ] والمستحب أن يصلي الرجل في ثلاثة أثواب قميص وإزار وعمامة أما لو صلى في ثوب واحد متوشحا به جميع بدنه كإزار الميت تجوز صلاته من غير كراهة وتفسيره ما يجعله القصار في المقصرة ، وإن صلى في إزار واحد يجوز ويكره وكذا في السراويل فقط لغير عذر وكذا مكشوف الرأس للتهاون والتكاسل لا للخشوع وفسر في الذخيرة التوشيح أن يكون الثوب طويلا يتوشح به فيجعل بعضه على رأسه وبعضه على منكبيه وعلى كل موضع من بدنه وذكر في شرح منية المصلي أن ستر المنكبين في الصلاة مستحب يكره تركه تنزيها عند أصحابنا وفسره في المغرب بأن يدخله تحت يده اليمنى ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم ا هـ .

                                                                                        وفسره ابن السكيت بأن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى ثم يعقدهما على صدره وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن أبي سلمة أنه { رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة قد ألقى طرفيه على عاتقه وفي لفظ مشتملا به واضعا طرفيه على عاتقيه وفي لفظ مخالفا بين طرفيه وفي حديث جابر متوشحا به } والألفاظ كلها بمعنى واحد كما ذكره النووي في شرح مسلم ومن المكروه التلثم وتغطية الأنف والوجه في الصلاة لأنه يشبه فعل المجوس حال عبادتهم النيران كذا ذكره الشارح لكن التلثم هو تغطية الأنف والوجه كما في المحيط وفي الخلاصة ولو ستر قدميه في السجدة يكره

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله والمختار أنه لا يكره ) قال الرملي ومثله في البزازية واختار قاضي خان وغيره أنه يكره وهو الصحيح كذا ذكره الحلبي في شرح منية المصلي ( قوله وصحح في القنية أنه لا يكره ) قال في النهر أي تحريما وإلا فمقتضى ما مر أنه يكره تنزيها . ا هـ .

                                                                                        وما مر هو قوله لأنه صنيع أهل الكتاب قال الشيخ إسماعيل وفيه بحث لأن الظاهر من كلامهم أن تخصيص أهل الكتاب بفعله معتبر فيه كونه في الصلاة فلا يظهر التشبه وكراهته خارجها فليتأمل [ ص: 27 ] ( قوله وفسره في المغرب ) أي فسر التوشح ( قوله لكن التلثم إلخ ) استدراك على الشارح وحاصله أن التلثم يغني عن قوله وتغطية الأنف والوجه ( قوله ولو ستر قدميه في السجدة يكره ) قال الشيخ إبراهيم الحلبي في شرح المنية ولعل مرادهم قصد ذلك لأنه فعل زائد لا فائدة فيه أما لو وقع بغير قصد فلا وجه لكراهته بل يكره تكلف الكشف لأنه اشتغال بما لا فائدة فيه




                                                                                        الخدمات العلمية