( قوله ابتداء وبناء ) بيان أيضا لما خالف فيه النفل الفرائض والواجبات وهو جوازه بالقعود مع القدرة على القيام وقد حكي فيه إجماع العلماء وفي صحيح ويتنفل قاعدا مع قدرته على القيام عن مسلم رضي الله عنها { عائشة } وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كان يصلي كثيرا من صلاته وهو جالس عن البخاري مرفوعا { عمران بن الحصين } وقد ذكر الجمهور كما نقله من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم النووي أنه محمول على وأما إذا صلاه مع عجزه فلا ينقص ثوابه عن ثوابه قائما وأما الفرض فلا يصح قاعدا مع القدرة على القيام ويأثم ويكفر إن استحله وإن صلى قاعدا لعجزه أو مضطجعا لعجزه فثوابه كثوابه ا هـ . صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام
وتعقبه الأكمل في شرح المشارق بأنه ورد في بعض رواياته { } ولا يمكن حمله على النفل مع القدرة إذ لا يصح مضجعا اللهم إلا أن يحكم بشذوذ هذه الرواية وفي النهاية انعقد الإجماع على أن صلاة القاعد لعذر بعجزه عن القيام مساوية لصلاة القائم في الفضيلة والأجر انتهى وفيه نظر لما نقله ومن صلى نائما أي مضطجعا فله نصف أجر القاعد النووي عن بعضهم أنه على النصف [ ص: 68 ] من صلاة القائم مع العذر وعليه حمل الحديث فلا إجماع إلا أن يريد به إجماع أئمتنا وذكر في المجتبى بعدما نقل الحديث قالوا وهذا في حق القادر أما العاجز فصلاته بإيماء أفضل من صلاة القائم الراكع الساجد لأنه جهد المقل انتهى ولا يخفى ما فيه بل الظاهر المساواة كما في النهاية
وقد عد من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له صلى الله عليه وسلم ويشهد له ما في صحيح عن مسلم وقال حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عبد الله بن عمر وقلت حدثت يا رسول الله أنك قلت صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعدا قال أجل ولكني لست كأحد منكم عبد الله بن عمر } انتهى أطلق في التنفل فشمل السنة المؤكدة والتراويح لكن ذكر إن صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة قال فأتيته فوجدته يصلي قاعدا فوضعت يدي على رأسه فقال ما لك يا قاضي خان في فتاويه من باب التراويح الأصح أن سنة الفجر لا يجوز أداؤها قاعدا من غير عذر والتراويح يجوز أداؤها قاعدا من غير عذر والفرق أن سنة الفجر مؤكدة لا خلاف فيها والتراويح في التأكيد دونها انتهى وقد نقلناه في سنة الفجر في موضعها من رواية الحسن
وهكذا صححه حسام الدين ثم قال الصحيح أنه لا يستحب في التراويح لمخالفته للتوارث وعمل السلف وهذا كله في الابتداء وأما قوله وبناء بأن شرع فيه قائما ثم قعد من غير عذر فهو قول وهذا استحسان وعندهما لا يجزئه وهو قياس لأن الشروع معتبر بالنذر وله أنه لم يباشر القيام فيما بقي ولما باشر صحة بدونه بخلاف النذر لأنه التزمه نصا حتى لو لم ينص على القيام لا يلزمه القيام عند بعضهم كما لو نذر صلاة لأنه في النفل وصف زائد فلا يلزمه إلا بشرط وعند البعض يلزمه القيام لأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله وأينما أوجبها الله تعالى أوجبها قائما والصحيح الأول كالتتابع في الصوم كذا في المحيط وغاية البيان ورجح الثاني في فتح القدير بحثا بأن الصلاة عبارة عن القيام والقراءة إلى آخرها فهو الركن الأصلي غير أنه يجوز تركه إلى القعود رخصة في النفل فلا ينصرف المطلق إلا إليه قيدنا بكونه شرع قائما ثم قعد لأنه لو كان على عكسه فإنه يجوز اتفاقا وهو فعله صلى الله عليه وسلم كما روت أبي حنيفة أنه كان يفتتح التطوع قاعدا فيقرأ ورده حتى إذا بقي عشر آيات ونحوها قام إلى آخره عائشة
وهكذا كان يفعل في الركعة الثانية وذكر في التجنيس أن الأفضل أن يقوم فيقرأ شيئا ثم يركع ليكون موافقا للسنة ولو لم يقرأ ولكنه استوى قائما ثم ركع جاز وإن لم يستو قائما وركع لا يجزئه لأنه لا يكون ركوعا قائما ولا ركوعا قاعدا انتهى وليس هو بناء القوي على الضعيف لأن القعود والقيام في النفل سواء والفرق بين هذا وبين قوله ببطلان صلاة المريض إذا قدر على القيام في أثناء صلاته أن تحريمة المتطوع لم تنعقد للقعود ألبتة بل للقيام لأنه أصل هو قادر عليه ثم جاز له شرعا تركه بخلاف المريض لأنه لم يقدر على القيام فما انعقد إلا للمقدور وهو القعود ولم يذكر لمحمد المصنف كيفية القعود في النفل للاختلاف فيه ففي الذخيرة والنهاية أنه في التشهد يقعد كما يقعد في سائر الصلوات إجماعا سواء كان بعذر أو بغيره أما حالة القراءة فعن تخييره بين القعود والتربع والاحتباء ونقله أبي حنيفة الكرخي عن وعن محمد يحتبي وعنهما يتربع ثم قال أبي يوسف محل القعدة عند السجود وقال أبو يوسف عند الركوع وعن محمد أنه يقعد في جميع الصلاة كما في التشهد زفر
قال الفقيه وعليه الفتوى واختاره أبو الليث الإمام السرخسي لأنه المعهود شرعا في الصلاة واختار الإمام خواهر زاده الاحتباء لأن عامة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 69 ] في آخر العمر كان محتبيا ولأنه يكون أكثر توجيها لأعضائه إلى القبلة لأن الساقين يكونان متوجهين كما يكون حالة القيام ا هـ .
وتفسير الاحتباء أن ينصب ركبتيه ويجمع يديه عند ساقيه كذا في غاية البيان وذكر في الخلاصة عن فيه ثلاث روايات فحينئذ فالإفتاء على إحدى الروايات ولا حاجة إلى أن تضاف إلى أبي حنيفة كما لا يخفى وقيد بالتنفل قاعدا لأن زفر لا يجوز عند عدم العذر كما سبق والشروع وهو منحن قريبا من الركوع لا يصح أيضا في التنفل كما يشير إليه كلام التجنيس السابق وصرح به في موضع من شرح منية المصلي . المتنفل مضطجعا