الحادي عشر والثاني عشر الجهر على الإمام فيما يجهر فيه والمخافتة مطلقا فيما يخافت فيه واختلفت الرواية في المقدار والأصح قدر ما تجوز به الصلاة في الفصلين لأن اليسير من الجهر والإخفاء لا يمكن الاحتراز عنه وعن الكثير يمكن وما تصح به الصلاة كثير غير أن ذلك عنده آية واحدة وعندهما ثلاث آيات وهذا في حق الإمام دون المنفرد لأن الجهر والمخافتة من خصائص الجماعة كذا في الهداية وذكرها قاضي خان في فتاويه أن ظاهر الرواية وجوب السجود على الإمام إذا جهر فيما يخافت أو خافت فيما يجهر قل ذلك أو كثر وكذا في الظهيرية والذخيرة زاد في الخلاصة وعليه اعتماد شمس الأئمة الحلواني لا على رواية النوادر وفي الظهيرية وروى أبو سليمان أن المنفرد إذا ظن أنه إمام فجهر كما يجهر الإمام يلزمه سجود السهو ا هـ .
وهو مبني على وجوب المخافتة عليه وهو رواية الأصل وهو الصحيح كما في البدائع وفي العناية أن ظاهر الرواية أن الإخفاء ليس بواجب عليه وذكر الولوالجي أنه إذا جهر فيما يخافت فيه يجب سجدة السهو قل أو كثر وإذا خافت فيما يجهر به لا يجب ما لم يكن قدر ما يتعلق به وجوب الصلاة على الاختلاف الذي مر وهذا أصح ا هـ .
فقد اختلف الترجيح على ثلاثة أقوال وينبغي عدم العدول عن ظاهر الرواية الذي نقله الثقات [ ص: 105 ] من أصحاب الفتاوى كما لا يخفى وذكر في الخلاصة أنه لو أسمع رجلا أو رجلين لا يكون جهرا والجهر أن يسمع الكل ا هـ .
وصرحوا بأنه إذا جهر سهوا بشيء من الأدعية والأثنية ولو شهدا فإنه لا يجب عليه السجود قال العلامة الحلبي ولا يعري القول بذلك في التشهد من تأمل ا هـ .
وقد اقتصر المصنف على هذه الواجبات في باب صفة الصلاة وبقي واجب آخر وهو عدم تأخير الفرض والواجب وعدم تغييرهما وعليه تفرع مسائل منها لو ركع ركوعين أو سجد ثلاثا في ركعة لزمه السجود لتأخير الفرض وهو السجود في الأول والقيام في الثاني وكذا لو قعد في محل القيام أو قام في محل القعود المفروض وإنما قيدنا بالفروض لأنه لو قام في محل الواجب فقد لزمه السجود لترك الواجب لا لتأخيره وكذا لو قرأ آية في الركوع أو السجود أو القومة فعليه السهو كما في الظهيرية وغيرها وعلله في المحيط بتأخير ركن أو واجب عليه وكذا لو قرأها في القعود إن بدأ بالقراءة وإن بدأ بالتشهد ثم قرأها فلا سهو عليه كما في المحيط وفي البدائع لو قرأ القرآن في ركوعه أو في سجوده لا سهو عليه لأنه ثناء وهذه الأركان مواضع الثناء ا هـ .
ولا يخفى ما فيه فالظاهر الأول ومنها لو كرر الفاتحة في الأوليين فعليه السهو لتأخير السورة ومنها لو تشهد في قيامه بعد الفاتحة لزمه السجود وقبلها لا على الأصح لتأخير الواجب في الأول وهو السورة وفي الثاني محل الثناء وهو منه وفي الظهيرية لو تشهد في القيام إن كان في الركعة الأولى لا يلزمه شيء وإن كان في الثانية اختلف المشايخ فيه ، والصحيح أنه لا يجب ا هـ .
فقد اختلف التصحيح والظاهر الأول المنقول في التبيين وغيره ومنها لو كرر التشهد في القعدة الأولى فعليه السهو لتأخير القيام ولو كذا لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فيها لتأخيره واختلفوا في قدره والأصح وجوبه باللهم صل على محمد وإن لم يقل وعلى آله وذكر في البدائع أنه يجب عليه السجود عنده وعندهما لا يجب لأنه لو وجب لوجب لجبر النقصان ولا يعقل نقصان في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو حنيفة رحمه الله يقول لا يجب عليه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بل بتأخير الفرض وهو القيام إلا أن التأخير حصل بالصلاة فيجب عليه من حيث إنها تأخير لا من حيث إنها صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ا هـ .
وقد حكي في المناقب أن أبا حنيفة رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له كيف أوجبت على من صلى علي سجود السهو فأجابه بكونه صلى عليك ساهيا فاستحسنه منه ولو كرر التشهد في القعدة الأخيرة فلا سهو عليه
وفي شرح الطحاوي لم يفصل وقال لا سهو عليه فيهما كذا في الخلاصة ومنها إذا شك في صلاته فتفكر حتى استيقن ولا يخلو إما أن يشك في شيء من هذه الصلاة أو في صلاة قبلها وكل على وجهين أما إن طال تفكره بأن كان مقدار ما يمكنه أن يؤدي فيه ركنا من أركان الصلاة أو لم يطل وإن لم يطل فلا سهو عليه سواء كان تفكره بسبب شك في هذه الصلاة أو في غيرها لأن الفكر القليل لا يمكن الاحتراز عنه فكان عفوا دفعا للحرج وإن طال تفكره فإن كان في غير هذه الصلاة فلا سهو عليه وإن كان فيها فعليه السهو واستحسانا لتأخير الأركان عن أوقاتها فتمكن النقصان فيها بخلاف ما إذا شك في صلاة أخرى وهو في هذه الصلاة لأن الموجب للسهو في هذه الصلاة سهو هذه الصلاة لا سهو صلاة أخرى كذا في البدائع وفي الذخيرة هذا إذا كان [ ص: 106 ] التفكر يمنعه عن التسبيح أما إذا كان يسبح أو يقرأ ويتفكر فلا سهو عليه وفي الظهيرية ولو سبقه الحدث فذهب ليتوضأ فشك أنه صلى ثلاثا أو أربعا وشغله ذلك عن وضوئه ساعة ثم استيقن فأتم وضوءه فعليه السهو لأنه في حرمة الصلاة فكان الشك في هذه الحالة بمنزلة الشك في حالة الأداء وإذا قعد في صلاته قدر التشهد ثم شك في شيء من صلاته أنه صلى ثلاثا أو أربعا حتى شغله ذلك عن التسليم ثم استيقن وأتم صلاته فعليه السهو ا هـ .
فالأحسن أن يفسر طول التفكير بأن يشغله عن مقدار أداء ركن أو واجب ليدخل السلام كما في المحيط قيد بترك الواجب لأنه لا يجب بترك سنة كالثناء والتعوذ والتسمية وتكبيرات الركوع والسجود وتسبيحاتها ورفع اليدين في تكبيرة الافتتاح وتكبيرات العيدين والتأمين والتسميع والتحميد كذا في المحيط والخلاصة
وجزم الشارح بوجوب السجود بترك التسمية مصدرا به ثم قال وقيل لا يجب وكذا في المجتبى وصرح في القنية بأن الصحيح وجوب التسمية في كل ركعة وتبعه العلامة ابن وهبان في منظومته وكله مخالف لظاهر المذهب المذكور في المتون والشروح والفتاوى من أنها سنة لا واجب فلا يجب بتركها شيء ولو ترك فرضا فإنه لا ينجبر بالسجود بل تبطل الصلاة أصلا وفي البدائع وأما بيان أن المتروك ساهيا هل يقضى أو لا فنقول أنه يقضى إن أمكنه التدارك بالقضاء سواء كان من الأفعال أو الأذكار وإن لم يمكن فإن كان المتروك فرضا فسدت وإن كان واجبا لا تفسد ولكنه ينقص ويدخل في حد الكراهة فإذا ترك سجدة صلبية من ركعة قضاها في آخرها إذا تذكر ولا تلزمه إعادة ما بعدها وإذا كانا سجدتين قضاهما ويبدأ بالأولى ثم بالثانية لأن القضاء على حسب الأداء ولو كانت إحداهما سجدة تلاوة وتركها من الأولى والأخرى صلبية تركها من الثانية يراعي الترتيب أيضا فيبدأ بالتلاوية عند عامة العلماء ولو كان المتروك ركوعا فلا يتصور فيه القضاء وكذا إذا ترك سجدتين من ركعة لأنه لا يعتد بالسجود قبل الركوع لعدم مصادفته محله فلو قرأ وسجد ولم يركع ثم قام فقرأ وركع وسجد فهذا قد صلى ركعة ولا يكون هذا الركوع قضاء عن الأول وكذا لو قرأ وركع ولم يسجد ثم رفع رأسه فقرأ ولم يركع ثم سجد فهذا قد صلى ركعة ولا يكون هذا السجود قضاء عن الأول وكذا إذا قرأ وركع ثم رفع رأسه وقرأ وركع وسجد فإنما صلى ركعة والصحيح أن المعتبر الركوع الأول لكونه صادف محله فوقع الثاني مكررا وكذا إذا قرأ ولم يركع وسجد ثم قام فقرأ وركع ولم يسجد ثم قام فقرأ ولم يركع وسجد فإنما صلى ركعة
وأما الأذكار فإذا ترك القراءة في الأوليين قضاها في الآخرين وقد تقدم حكم ترك الفاتحة أو السورة في الأوليين وإذا ترك التشهد في القعدة الأخيرة ثم قام فتذكر عاد وتشهد إذا لم يقيد بالسجدة بخلافه في الأولى كما سيأتي مفصلا .
[ ص: 104 ]


