الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وسجد للسهو وإن سلم للقطع ) رفع لإيهام التخيير بين السجود وعدمه من قوله فإن سجد صح وإلا لا فأفاد أن السجود واجب وإن قصد بسلامه قطع صلاته لأن هذا السلام غير قاطع لحرمة الصلاة أما عند محمد فظاهر لأنه لا يخرجه عن حرمتها أصلا عنده وأما عندهما فلا يخرجه خروجا باتا فلا ينقطع الإحرام مطلقا فلما نوى القطع تكون نيته مبدلة للمشروع فلغت كنية الإبانة بصريح الطلاق وكنية الظهر ستا بخلاف ما إذا نوى الكفر فإنه يحكم بكفره لزوال الاعتقاد قيد بسجود السهو لأنه لو سلم وهو ذاكر للسجدة الصلبية تفسد صلاته والفرق أن سجود السهو يؤتى به في حرمة الصلاة وهي باقية والصلبية يؤتى بها في حقيقتها وقد بطلت بالسلام العمد وفي فتح القدير واعلم أن ما قدمناه من قولنا إن سلام من عليه السهو لا يخرجه عن حرمة الصلاة لا يستلزم وقوعه قاطعا وإلا لم يعد إلى حرمتها بل الحاصل من هذا أنه إذا وقع في محله كان محللا مخرجا وبعد ذلك فإن لم يكن عليه شيء مما يجب وقوعه في حرمة الصلاة كان قاطعا مع ذلك وإن كان فإن سلم ذاكر له وهو من الواجبات فقد قطع وتقرر النقص وتعذر جبره إلا أن يكون ذلك الواجب نفس سجود السهو وإن كان ركنا فسدت وإن سلم غير ذاكر أن عليه شيئا لم يصر خارجا وعلى هذا تجري الفروع ا هـ .

                                                                                        وأما إذا سلم وعليه سجدة التلاوة فقد ذكر في الخلاصة وغيرها ولو سلم وعليه سجدة التلاوة وسجدتا السهو إن سلم وهو غير ذاكر لهما أو ذاكر للسهو خاصة فإن سلامه لا يكون قاطعا للصلاة ويسجد للتلاوة أولا ثم يتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو وإن سلم وهو ذاكر لهما أو ذاكر للتلاوة خاصة فإن سلامه يكون قاطعا وسقطت عنه التلاوة والسهو وإن سلم وعليه سجدة صلبية وسجدتا السهو إن سلم وهو غير ذاكر لهما أو ذاكر للسهو فإن سلامه لا يكون قاطعا ويسجد للصلبية ويتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو وإن سلم وهو ذاكر لهما أو ذاكر للصلبية خاصة فإن سلامه يكون قاطعا وفسدت صلاته ولو سلم وعليه السجدة الصلبية والتلاوة والسهو إن سلم وهو غير ذاكر للكل أو ذاكر للسهو لا يكون سلامه قاطعا ويسجد للأول فالأول إن كانت سجدة التلاوة أولا فإنه يسجدها [ ص: 117 ] وإن كانت الصلبية أولا فإنه يسجدها ثم يتشهد بعدها وسلم ثم يسجد سجدتي السهو وإن كان ذاكرا للصلبية أو التلاوة أولهما فسدت صلاته وصار سلامه قاطعا للصلاة لأنه سلام سهو في حق أحدهما وسلام عمد في حق الآخر وسلام السهو لا يخرج وسلام العمد يخرج فترجح جانب الخروج احتياطا ولو سلم وعليه السهو والتكبير والتلبية بأن كان محرما وهو في أيام التشريق فإنه لا يسقط عنه ذلك كله سواء كان ذاكرا للكل أو ساهيا للكل ا هـ

                                                                                        وبهذا علم أن قوله وسجد للسهو وإن سلم للقطع مقيد بما إذا لم يكن عليه سجدة صلبية أو سجدة تلاوة متذكرا لها فإن كانت صلبية فسدت الصلاة وإن كانت تلاوة لم تفسد وسقط عنه سجود السهو كما سقط عنه سجود التلاوة وفي نفسي من سقوط سجود السهو شيء لأن التلاوة إنما سقطت لكون الصلاتية لا تقضى خارجها وقد صار خارجا وأما سجود السهو فإنه لا يؤدي في نفس الصلاة وإنما يؤدي في حرمتها وقد علل في فتح القدير لسقوطهما بامتناع البناء بسبب الانقطاع إلا إذا تذكر أنه لم يتشهد فإنه يتشهد ويسجد للتلاوة وصلاته تامة ا هـ .

                                                                                        علل لسقوطها في البدائع بأنه سلام عمد صار به خارجا من الصلاة ا هـ .

                                                                                        ولعله لما صار قاطعا بالنسبة إلى التلاوة صار قاطعا لسجود السهو بطريق التبعية بخلاف ما إذا لم يكن عليه تلاوية ولا صلبية فإنه لم يجعل قاطعا بالنسبة إلى شيء وفي الولوالجية ولو سها فسلم ثم قام فكبر ودخل في صلاة أخرى فرضا كان أو نفلا لا يجب عليه سجود السهو لأن التحريمة الأولى قد انقطعت وهذه تحريمة قد استؤنفت فالنقصان الذي حصل في التحريمة الأولى لا يمكن جبره بفعله في التحريمة الأخرى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ولو سلم وعليه سجدة التلاوة وسجدتا السهو إلخ ) ذكر في البدائع أيضا ما لو سلم وعليه سجدة تلاوة أو قراءة التشهد الأخيرة قال فإن سلم وهو ذاكر لها سقطت عنه لأن سلامه سلام عمد فيخرجه من الصلاة ولا تفسد صلاته لأنه لم يبق عليه ركن من أركان الصلاة لكنها تنقص لترك الواجب وإن كان ساهيا عنها لا تسقط لأن سلام السهو لا يخرج من الصلاة حتى يصح الاقتداء به وينتقض وضوءه بالقهقهة ويتحول فرضه أربعا بنية الإقامة لو كان مسافرا ( قوله وسقطت عنه التلاوة والسهو ) أي ولا تفسد صلاته لما مر كذا في البدائع أي لأنه لم يبق عليه ركن من أركان الصلاة ولكن صلاته ناقصة لترك الواجب [ ص: 117 ] ( قوله لأنه سلام سهوا إلخ ) تعليل لما إذا كان ذاكرا للصلبية أو التلاوية فإن سلامه بالنسبة إلى التي كان ذاكرا لها عمد وإلى غيرها سهو ولم يعلل لما إذا كان ذاكرا لهما لظهوره على أنه لو كان ذاكرا للصلبية فقط فالحكم بالفساد ظاهر لأنها بطلت بالسلام العمد وإنما المشكل ما إذا سلم وهو ذاكر للتلاوية فقط مع أنه قد مر في صدر العبارة أنه تسقط عنه التلاوة والسهو وذكرنا هناك أن الصلاة لا تفسد لأنه لم يبق عليه ركن من أركانها والجواب أنه لما كانت الصلبية متروكة هنا وهي ركن ترجح جانب الخروج بالسلام وإن كان سهوا في جانبها عمدا في جانب التلاوة لأنا لو لم نحكم بفساد الصلاة يلزم منه أن يصح إتيانه بالصلبية وإذا أتى بها يلزم أن يأتي بالتلاوة أيضا لبقاء التحريمة ولا سبيل إليه لأنه سلم وهو ذاكر للتلاوة فكان عمدا في حقها كما في البدائع قال وقراءة التشهد الأخير في هذا الحكم كسجدة التلاوة لأنها واجبة

                                                                                        ( قوله وقد علل في فتح القدير إلخ ) قد يقال على هذا التعليل والذي يأتي بعده عن البدائع أن سلام من عليه سجود السهو لا يقطع وإن نوى به القطع فلو قلنا بوجوبه عليه هنا لم يلزم المحذور ولكن أشار إلى جوابه بقوله الآتي ولعله إلخ .




                                                                                        الخدمات العلمية