[ ص: 78 ] وقال في مختصره وما كان من الإمام أبو الحسن الكرخي نظر المستعمل في ذلك ، فإن كان في غالب رأيه أن النجاسة لم تختلط بجميعه [ ص: 79 ] لكثرته توضأ من الجانب الذي هو طاهر عنده في غالب رأيه في إصابة الطاهر منه وما كان قليلا يحيط العلم أن النجاسة قد خلصت إلى جميعه أو كان ذلك في غالب رأيه لم يتوضأ منه ا هـ . المياه في الغدران أو في مستنقع من الأرض وقعت فيه نجاسة
وقال ركن الإسلام أبو الفضل عبد الرحمن الكرماني في شرح الإيضاح واختلفت الروايات في تحديد الكثير : والظاهر عن أنه عشر في عشر والصحيح عن محمد أنه لم يوقت في ذلك بشيء ، وإنما هو موكول إلى غلبة الظن في خلوص النجاسة ا هـ . أبي حنيفة
وقال الحاكم الشهيد في الكافي : الذي هو جمع كلام قال محمد أبو عصمة : كان يوقت عشرة في عشرة ثم رجع إلى قول محمد بن الحسن وقال لا أوقت فيه شيئا ا هـ . أبي حنيفة
وقال الإمام الإسبيجابي في شرح مختصر : ثم الحد الفاصل بين القليل والكثير عند أصحابنا هو الخلوص ، وهو أن يخلص بعضه من جانب إلى جانب ولم يفسر الخلوص في رواية الأصول . الطحاوي
وسئل عن حد الحوض فقال مقدار مسجدي فذرعوه فوجدوه ثمانية في ثمانية وبه أخذ محمد وقال بعضهم : مسحوا مسجد محمد بن سلمة فكان داخله ثمانيا في ثمان وخارجه عشرا في عشر ثم رجع محمد إلى قول محمد وقال لا أوقت فيه شيئا ا هـ . أبي حنيفة
وفي معراج الدراية الصحيح عن أنه لم يقدر في ذلك شيئا ، وإنما قال هو موكول إلى غلبة الظن في خلوص النجاسة من طرف إلى طرف ، وهذا أقرب إلى التحقيق ; لأن المعتبر عدم وصول النجاسة وغلبة الظن في ذلك تجري مجرى اليقين في وجوب العمل كما إذا أخبر واحد بنجاسة الماء وجب العمل بقوله ، وذلك يختلف بحسب اجتهاد الرائي وظنه ا هـ . أبي حنيفة
وكذا في شرح المجمع والمجتبى وفي الغاية ظاهر الرواية عن اعتباره بغلبة الظن ، وهو الأصح ا هـ . أبي حنيفة
وفي الينابيع قال : الغدير العظيم هو الذي لا يخلص بعضه إلى بعض ولم يفسره في ظاهر الرواية وفوضه إلى رأي المبتلى به ، وهو الصحيح وبه أخذ أبو حنيفة ا هـ . الكرخي
وهكذا في أكثر كتب أئمتنا فثبت بهذه النقول المعتبرة عن مشايخنا المتقدمين مذهب إمامنا الأعظم أبي حنيفة وأبي يوسف رضي الله عنهم أجمعين فتعين المصير إليه ، وأما ما اختاره كثير من مشايخنا المتأخرين بل عامتهم كما نقله في معراج الدراية [ ص: 80 ] من اعتبار العشر في العشر فقد علمت أنه ليس مذهب أصحابنا ، وأن ومحمد ، وإن كان قدر به رجع عنه كما نقله الأئمة الثقات الذين هم أعلم بمذهب أصحابنا فإن قلت إن في الهداية وكثير من الكتب أن الفتوى على اعتبار العشر في العشر واختاره أصحاب المتون فكيف ساغ لهم ترجيح غير المذهب قلت لما كان مذهب محمدا التفويض إلى رأي المبتلى به ، وكان الرأي يختلف بل من الناس من لا رأي له اعتبر المشايخ العشر في العشر توسعة وتيسيرا على الناس ، فإن قلت : هل يعمل بما صح من المذهب أو بفتوى المشايخ قلت يعمل بما صح من المذهب فقد قال أبي حنيفة في نوازله سئل الإمام أبو الليث أبو نصر عن مسألة وردت عليه ما تقل رحمك الله وقعت عندك كتب أربعة كتاب إبراهيم بن رستم وأدب القاضي عن الخصاف وكتاب المجرد وكتاب النوادر من جهة هشام فهل يجوز لنا أن نفتي منها أو لا وهذه الكتب محمودة عندك فقال ما صح عن أصحابنا فذلك علم محبوب مرغوب فيه مرضي به .
وأما الفتيا ، فإني لا أرى لأحد أن يفتي بشيء لا يفهمه ولا يتحمل أثقال الناس ، فإن كانت مسائل قد اشتهرت وظهرت وانجلت عن أصحابنا رجوت أن يسع الاعتماد عليها في النوازل انتهى .
وعلى تقدير عدم رجوع عن هذا التقدير فما قدر به لا يستلزم تقديره به إلا في نظره ، وهو لا يلزم غيره ، وهذا ; لأنه لما وجب كونه ما استكثره المبتلى فاستكثار واحد لا يلزم غيره بل يختلف باختلاف ما يقع في قلب كل إنسان ، وليس هذا من قبيل الأمور التي يجب فيها على العامي تقليد المجتهد إليه أشار في فتح القدير ويؤيده ما في شرح محمد الزاهدي عن وأصح حده ما لا يخلص بعض الماء إلى بعض بظن المبتلى به واجتهاده ولا يناظر المجتهد فيه ا هـ . الحسن
فعلم من هذا أن التقدير بعشر في عشر لا يرجع إلى أصل شرعي يعتمد عليه كما قاله محيي السنة فإن قلت قال في شرح الوقاية ، وإنما قدر به بناء على قوله صلى الله عليه وسلم { } فيكون له حريمها من كل جانب عشرة ففهم من هذا أنه إذا أراد آخر أن يحفر في حريمها بئرا يمنع ; لأنه ينجذب الماء إليها وينقص الماء في البئر الأولى ، وإذا أراد أن يحفر بئر بالوعة يمنع أيضا السراية النجاسة إلى البئر الأولى وينجس ماؤها ولا يمنع فيما وراء الحريم وهو عشر في عشر فعلم أن الشرع اعتبر العشر في العشر في عدم سراية النجاسة حتى لو كانت النجاسة تسري يحكم بالمنع قلت هو مردود من ثلاثة أوجه : من حفر بئرا فله حولها أربعون ذراعا
الأول : أن كون عشرة أذرع من كل جانب قول البعض والصحيح أنه أربعون من كل جانب كما سيأتي إن شاء الله تعالى : حريم البئر
الثاني : أن قوام الأرض أضعاف قوام الماء فقياسه عليها في مقدار عدم السراية غير مستقيم
الثالث : أن المختار المعتمد في البعد بين البالوعة والبئر نفوذ الرائحة إن تغير لونه أو ريحه أو طعمه تنجس ، وإلا فلا هكذا في الخلاصة وفتاوى قاضي خان وغيرهما .
وصرح في التتارخانية أن اعتبار العشر في العشر على اعتبار حال أراضيهم والجواب يختلف باختلاف صلابة الأرض ورخاوتها وحيث اختار في المتن اعتبار العشر لا بأس بإيراد تفاريعه والتكلم عليها ، فنقول : اختلف المشايخ في الذراع على ثلاثة أقوال ففي التجنيس المختار ذراع الكرباس واختلف فيه ففي كثير من الكتب أنه ست قبضات ليس فوق كل قبضة إصبع قائمة فهو أربعة وعشرون إصبعا بعدد حروف لا إله إلا الله محمد رسول الله والمراد بالإصبع القائمة ارتفاع الإبهام كما في غاية البيان وفي فتاوى الولوالجي أن ذراع الكرباس سبع قبضات ليس فوق كل قبضة إصبع قائمة وفي فتاوى قاضي خان وغيرها الأصح ذراع المساحة ، وهو سبع قبضات فوق كل قبضة إصبع قائمة وفي المحيط والكافي الأصح أنه يعتبر في كل زمان ومكان ذراعهم من غير تعرض للمساحة والكرباس والأقوال الكل في المربع ، فإن كان الحوض مدورا ففي .
[ ص: 81 ] الظهيرية يعتبر ستة وثلاثون ، وهو الصحيح ، وهو مبرهن عند الحساب وفي غيرها المختار المفتى به ستة وأربعون كيلا لعسر رعاية الكسر وفي المحيط الأحوط اعتبار ثمانية وأربعين وفي فتح القدير والكل تحكمات غير لازمة إنما الصحيح ما قدمناه من عدم التحكم بتقدير معين وفي الخلاصة وصورة الحوض الكبير المقدر بعشرة في عشرة أن يكون من كل جانب من جوانب الحوض عشرة وحول الماء أربعون ذراعا ووجه الماء مائة ذراع هذا مقدار الطول والعرض . ا هـ .
وأما العمق ففي الهداية والمعتبر في العمق أن يكون بحال لا ينحسر بالاغتراف و هو الصحيح أي لا ينكشف حتى لو انكشف ثم اتصل بعد ذلك لا يتوضأ منه ، وعليه الفتوى كذا في معراج الدراية ، وفي البدائع إذا أخذ الماء وجه الأرض يكفي ولا تقدير فيه في ظاهر الرواية ، وهو الصحيح ا هـ .
وهو الأوجه لما عرف من أصل وفي الفتاوى غدير كبير لا يكون فيه الماء في الصيف وتروث فيه الدواب والناس ثم يملأ في الشتاء ويرفع منه الجمدان كان الماء الذي يدخله يدخل على مكان نجس فالماء والجمد نجس ، وإن كان كثيرا بعد ذلك ، وإن كان دخل في مكان طاهر واستقر فيه حتى صار عشرا في عشر ثم انتهى إلى النجاسة ، فالماء والجمد طاهران ا هـ . أبي حنيفة
وهذا بناء على ما ذكروا من لا ينجسه ، وإن كان الماء النجس غالبا على الحوض ; لأن كل ما يتصل بالحوض الكبير يصير منه فيحكم بطهارته وعلى هذا الماء النجس إذا دخل على ماء الحوض الكبير بالقاهرة طاهر إذا كان ممره طاهرا أو أكثر ممره على ما عرف في ماء السطح ; لأنها لا تجف كلها بل لا يزال بها غدير عظيم فلو أن الداخل اجتمع قبل أن يصل إلى ذلك الماء الكثير بها في مكان نجس حتى صار عشرا في عشر ثم اتصل بذلك الماء الكثير كان الكل طاهرا هذا إذا كان الغدير الباقي محكوما بطهارته كذا في فتح القدير وفي التجنيس ، وإذا كان الماء له طول وعمق وليس له عرض ولو قدر يصير عشرا في عشر فلا بأس بالوضوء فيه تيسيرا على المسلمين ثم العبرة لحالة الوقوع ، فإن نقص بعده لا ينجس وعلى العكس لا يطهر ; ولذا صحح في الاختيار وغيره ما في التجنيس قال في فتح القدير ، وهذا تفريع على التقدير بعشر ولو فرعنا على الأصح ينبغي أن يعتبر أكبر الرأي لو ضم ومثله لو كان له عمق بلا سعة ولو بسط بلغ عشرا في عشر اختلف فيه ومنهم من صحح جعله كثيرا والأوجه خلافه ; لأن مدار الكثرة عند فماء بركة الفيل على تحكيم الرأي في عدم خلوص النجاسة إلى الجانب الآخر ، وعند تقارب الجوانب لا شك في غلبة الخلوص إليه والاستعمال إنما هو من السطح لا من العمق وبهذا يظهر ضعف ما اختاره في الاختيار ; لأنه إذا لم يكن له عرض فأقرب الأمور الحكم بوصول النجاسة إلى الجانب الآخر من عرضه وبه خالف حكم الكثير إذ ليس حكم الكثير تنجس الجانب الآخر بسقوطها في مقابله بدون تغير وأنت إذا حققت الأصل الذي بيناه قبلت ما وافقه وتركت ما خالفه ا هـ . أبي حنيفة
وقد يقال إن هذا ، وإن كان الأوجه إلا أن المشايخ وسعوا الأمر على الناس وقالوا بالضم كما أشار إليه في التجنيس بقوله تيسيرا على المسلمين ، وفي التجنيس الحوض إذا كان أعلاه عشرا في عشر وأسفله أقل من ذلك ، وهو ممتلئ يجوز التوضؤ فيه والاغتسال فيه ، وإن نقص الماء حتى صار أقل من عشرة في عشرة لا يتوضأ فيه ولكن يغترف منه ويتوضأ .
[ ص: 79 ]