وحيث انتهينا من التفاريع المذكورة في الكتب نرجع إلى بيان الدلائل للأئمة فنقول استدل [ ص: 83 ] رضي الله عنه بقوله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه واستدل الإمام الإمام مالك رضي الله عنه بقوله صلى الله عليه وسلم إذا الشافعي لا يحمل خبثا واستدل بلغ الماء قلتين على ما ذكره أبو حنيفة في أحكام القرآن بقوله تعالى { الرازي ويحرم عليهم الخبائث } والنجاسات لا محالة من الخبائث فحرمها الله تحريما مبهما ولم يفرق بين حال اختلاطها وانفرادها بالماء فوجب تحريم استعمال كل ما تيقنا به جزءا من النجاسة ، وتكون جهة الحظر من طريق النجاسة أولى من جهة الإباحة ; لأن الأصل أنه إذا اجتمع المحرم والمبيح قدم المحرم وأيضا لا نعلم بين الفقهاء في سائر المائعات إذا خالطه اليسير من النجاسة كاللبن والأدهان أن حكم اليسير في ذلك كحكم الكثير وأنه محظور عليه أكل ذلك وشربه فكذا الماء بجامع لزوم اجتناب النجاسات ، ويدل عليه من السنة قوله صلى الله عليه وسلم { } وفي لفظ آخر { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه من الجنابة } ومعلوم أن البول القليل في الماء الكثير لا يغير لونه ولا طعمه ولا رائحته وقد منع منه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يغتسلن فيه من جنابة
ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم { } فأمر بغسل اليد احتياطا من نجاسة أصابته من موضع الاستنجاء ومعلوم أنها لا تغير الماء ولولا أنها مفسدة عند التحقيق لما كان للأمر بالاحتياط معنى وحكم النبي صلى الله عليه وسلم بنجاسة ولوغ الكلب بقوله { إذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها الإناء ، فإنه لا يدري أين باتت يده } ، وهو لا يغير ا هـ فالحاصل أنه حيث غلب على الظن وجود نجاسة في الماء لا يجوز استعماله أصلا بهذه الدلائل لا فرق بين أن يكون قلتين أو أكثر أو أقل تغير أو لا ، وهذا مذهب طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبعا والتقدير بشيء دون شيء لا بد فيه من نص ولم يوجد وفي بعض هذا الاستدلال كلام نذكره إن شاء الله تعالى ، وأما ما استدل به أبي حنيفة رضي الله عنه فهو مع الاستثناء ضعيف مالك برشدين بن سعد صرح بضعفه جماعة منهم النووي في شرح المهذب ، وأما بدون الاستثناء فقد ورد من رواية أبي داود والترمذي من حديث الخدري { بئر بضاعة ، وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شيء } وحسنه قيل يا رسول الله أنتوضأ من الترمذي وقال هو حديث صحيح ورواه الإمام أحمد عن البيهقي أبي يحيى قال دخلت على في نسوة فقال لو أني أسقيتكم من سهل بن سعد بئر بضاعة لكرهتم ذلك وقد والله سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي منها قلنا هذا ورد في بئر بضاعة بكسر الباء وضمها كذا في الصحاح وفي المغرب بالكسر لا غير وماؤها كان جاريا في البساتين على ما أخرجه في شرح معاني الآثار بسنده إلى الطحاوي قال الواقدي البيهقي لا يحتج بما يسنده فضلا عما يرسله قلنا قد أثنى عليه الواقدي الدراوردي وأبو بكر بن العربي وابن الجوزي وجماعة والدليل على أنه كان جاريا أن الماء الراكد إذا وقع فيه عذرة الناس والجيف والمحائض والنتن تغير طعمه وريحه ولونه ويتنجس بذلك إجماعا وليس في الحديث استثناء فدل ذلك على جريان مائها
فإن قيل نقل النووي في شرح المهذب عن أبي داود أنه قال مددت ردائي على بئر بضاعة ثم ذرعتها فإذا عرضها ستة أذرع وسألت الذي فتح لي باب البستان هل غير بناؤها عما كان عليه فقال لا قال رأيت فيها ماء متغيرا قلنا ما ذكره إثبات وما نقل الطحاوي أبو داود عن البستاني نفي والإثبات مقدم على النفي والبستاني الذي فتح الباب مجهول الشخص والحال عنده فكيف يحتج بقوله ; ولأن أبا داود توفي بالبصرة في النصف من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين فبينه وبين زمن النبي صلى الله عليه وسلم مدة كثيرة ودليل التغير غالب ، وهو مضي السنين المتطاولة [ ص: 84 ] قال النووي : في شرح المهذب وهذه صفتها في زمن أبي داود ولا يلزم أن تكون كانت هكذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قد توهم بعضهم أن إلقاء العذرة والجيف وخروق الحيض في الخطابي بئر بضاعة كان عادة وتعمدا ، وهذا لا يظن بذمي ولا وثني فضلا عن مسلم فلم يزل من عادة الناس قديما وحديثا مسلمهم وكافرهم تنزيه الماء وصونه عن النجاسات فكيف يظن بأهل ذلك الزمان وهم أعلى طبقات أهل الدين وأفضل جماعات المسلمين والماء ببلادهم أعز والحاجة إليه أمس من أن يكون هذا صنيعهم بالماء وامتهانهم له وقد { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تغوط في موارد الماء ومشارعه } فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه مطرح الأنجاس ، وإنما كان ذلك من أجل أن هذه البئر موضعها في حدور من الأرض وكانت السيول تمسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية وتحملها فتلقيها فيه ، وكان الماء لكثرته وغزارته لا يؤثر فيه ، وكان جوابه عليه السلام لهم إن الماء الكثير الذي صفته هذه في الكثرة والغزارة لا تؤثر فيه النجاسة ; لأن السؤال إنما وقع عن ذلك ، والجواب إنما يقع عنه ا هـ .
وقال الإمام أبو نصر البغدادي المعروف بالأقطع لا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ من بئر هذه صفتها مع نزاهته وإيثاره الرائحة الطيبة ونهيه عن الامتخاط في الماء ، فدل أن ذلك كان يفعل في الجاهلية فشك المسلمون في أمرها فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا أثر لذلك مع كثرة النزح ا هـ .
وقال : إن معنى قوله الماء لا ينجسه شيء والله أعلم . الطحاوي
أنه لا يبقى نجسا بعد إخراج النجاسة منه بالنزح ، وليس هو على حال كون النجاسة فيها ، وإنما سألوا عنه ; لأنه موضع مشكل ; لأن حيطان البئر لم تغسل وطينها لم يخرج فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك يعفى للضرورة مثل قوله : صلى الله عليه وسلم { } ليس معناه أنه لا يتنجس ، وإن أصابته النجاسة ، فإن قيل العبرة لعموم اللفظ وهو لا ينجسه شيء لا لخصوص السبب ، وهو المؤمن لا ينجس بئر بضاعة فكيف خص هذا العموم بوروده في بئر بضاعة قلنا إنما لا يخص عموم اللفظ بسببه إذا لم يكن المخصص مثله في القوة ، وهاهنا قد ورد ما يخصصه ، وهو يساويه في القوة ، وهو حديث المستيقظ ، وحديث { } ، وإنما خصصناه بهذين الحديثين دفعا للتناقض فكان من باب الحمل لدفع التناقض لا من باب التخصيص بالسبب ; ولأنا ما خصصناه لا يبولن أحدكم ببئر بضاعة بل عدينا حكمه منها إلى ما هو في معناها من الماء الجاري ، وترك عموم ظاهر الحديث لدفع التناقض واجب كذا ذكره السراج الهندي وصاحب المعراج وتعقبه في فتح القدير بأنه لا تعارض ; لأن حاصل النهي عن تنجس الماء الدائم في الجملة لا كل ماء إذ ليست اللام فيه للاستغراق للإجماع على أن الكثير لا ينجس إلا بتغيره بالنجاسة ، وحاصله أن الماء طهور لا ينجسه شيء و عدم تنجس الماء إلا بالتغير بحسب ما هو المراد المجمع عليه ، وإلا تعارض بين مفهومي هاتين القضيتين ، وأما حديث المستيقظ من منامه ، فليس فيه تصريح بتنجس الماء بتقدير كون اليد نجسة بل ذلك تعليل منا للنهي المذكور ، وهو غير لازم أعني تعليله بتنجس الماء عينا بتقدير نجاستهما لجواز كونه أعم من النجاسة والكراهة فنقول : نهي لتنجيس الماء بتقدير كونها متنجسة بما يغير أو للكراهة بتقدير كونها بما لا يغير وأين هو من ذلك الصريح الصحيح لكن يمكن إثبات المعارض بقوله صلى الله عليه وسلم { البول في الماء الدائم } الحديث ، فإنه يقتضي نجاسة الماء ولا يغير بالولوغ فتعين ذلك الحمل والله سبحانه وتعالى أعلم . ا هـ . طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب
وقد يقال : إن اللام في حديث { } للعموم حتى حرم لا يبولن أحدكم في الماء فاختصت القضية الثانية بالقليل بدليل يوجب تخصيصها حتى لم يحرم البول في الماء القليل والكثير جميعا هكذا ذكر في معراج الدراية معزيا إلى شيخه العلامة فعلى هذا حاصل النهي عن البول في الماء تنجس كل ماء راكد فعارض قوله لا ينجسه شيء وكون الإجماع أن الكثير لا يتنجس إلا بالتغير أمر آخر خارج عن مفهوم الحديث ، وإثبات التعارض إنما هو باعتبار المفهومين وممن صرح بأن ماء الاغتسال في الماء الدائم [ ص: 85 ] الكثير مثل الغدير العظيم بئر بضاعة كان كثيرا رضي الله عنه ، وأما ما استدل به الشافعي فرواه أصحاب السنن الأربعة عن الشافعي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو { ابن عمر } . وأخرجه يسأل عن الماء يكون في الفلاة وما ينوبه من السباع والدواب فقال : إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ابن خزيمة في صحيحيهما قلنا هذا الحديث ضعيف ، وممن ضعفه الحافظ والحاكم والقاضي ابن عبد البر إسماعيل بن إسحاق المالكيون ، ونقل ضعفه في البدائع عن وأبو بكر بن العربي ابن المديني وقال أبو داود : ولا يكاد يصح لواحد من الفريقين حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تقدير الماء ويلزم منه تضعيف حديث القلتين .
وإن كان رواه في كتابه وسكت عنه وكذا ضعفه الغزالي في الإحياء والروياني في البحر والحلية قال في البحر هو اختياري واختيار جماعة رأيتهم بخراسان والعراق ذكره النووي كما نقله عنه السراج الهندي .
وقال الزيلعي : المخرج ، وقد جمع الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في كتاب الإمام طرق هذا الحديث ورواياته واختلاف ألفاظه وأطال في ذلك إطالة لخص منها تضعيفه له فلذلك أضرب عن ذكره في كتاب الإلمام مع شدة الاحتياج إليه ، ووجهه أن الاضطراب وقع في سنده ومتنه ومعناه أما الأول ، فإنه اختلف على فمرة يقول عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير محمد بن عباد بن جعفر ومرة عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير ومرة يروى عن عبد الله بن عبد الله بن عمر ومرة يروى عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر .
وقد أجاب النووي عن هذا بأنه ليس اضطرابا ; لأن الوليد رواه عن كل من المحمدين فحدث مرة عن أحدهما ، ومرة عن الآخر ، ورواه أيضا عبد الله وعبيد الله ابنا عن أبيهما وهما أيضا ثبتان وأما الاضطراب في متنه ففي رواية عبد الله بن عمر الوليد عن محمد بن جعفر بن الزبير { } . ورواية لم ينجسه شيء بسنده { محمد بن إسحاق } قال سئل عن الماء يكون في الفلاة فترده السباع والكلاب فقال : إذا كان الماء قلتين لا يحمل الخبث : وهو غريب . البيهقي
وقال عن إسماعيل بن عياش الكلاب والدواب ورواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن هارون فقال حماد بن سلمة الحسن بن الصباح : عنه عن حماد عن عاصم هو ابن المنذر قال دخلت مع عبيد الله بن عبد الله بن عمر بستانا فيه مقر ماء فيه جلد بعير ميت ، فتوضأ منه فقلت : أتتوضأ منه وفيه جلد بعير ميت فحدثني عن أبيه { } . وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثا لم ينجسه شيء الدارقطني وابن عدي في كتابه عن والعقيلي القاسم بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يحمل الخبث وضعفه إذا بلغ الماء أربعين قلة الدارقطني بالقاسم .
وروي بإسناد صحيح من جهة عن روح بن القاسم ابن المنكدر عن قال إذا بلغ الماء أربعين قلة لم ينجس وأخرج عن ابن عمر من جهة أبي هريرة بشر بن السري عن قال إذا كان الماء قدر أربعين قلة لم يحمل خبثا قال ابن لهيعة : كذا قال وخالفه غير واحد رووه عن الدارقطني فقالوا أربعين غربا ومنهم من قال أربعين دلوا وهذا الاضطراب يوجب الضعف ، وإن وثقت الرجال . أبي هريرة
وأجاب النووي عن هذا الاضطراب أما عن الشك في قوله قلتين أو ثلاثا ، فهي رواية شاذة غير ثابتة ، فهي متروكة ، فوجودها كعدمها لكن أثبتها بإسناده في شرح معاني الآثار . الطحاوي
وأما ما روي من أربعين قلة أو أربعين غربا فغير صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما نقل أربعين قلة عن وأربعين غربا أي دلوا عن عبد الله بن عمرو بن العاص وحديث النبي صلى الله عليه وسلم مقدم [ ص: 86 ] على غيره قال أبي هريرة النووي : وهذا ما نعتمده في الجواب .
وأما الاضطراب في معناه فذكر شمس السرخسي وتبعه في الهداية أن معنى قوله لم يحمل خبثا أنه يضعف عن النجاسة فيتنجس كما يقال هو لا يحمل الكل أي لا يطيقه ، وهذا مردود من وجهين ذكرهما النووي في شرح المهذب الأول أنه ثبت في رواية صحيحة لأبي داود { } فتحمل الرواية الأخرى عليها فمعنى لم يحمل خبثا لم ينجس ، وقد قال العلماء أحسن تفسير غريب الحديث أن يفسر بما جاء في رواية أخرى لذلك الحديث الثاني أنه صلى الله عليه وسلم جعل القلتين حدا فلو كان كما زعم هذا القائل لكان التقييد بذلك باطلا فإن ما دون القلتين يساوي القلتين في هذا زاد عليه في فتح القدير وقال هذا إن اعتبر مفهوم شرطه إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس
وأما إن لم يعتبر مفهوم شرطه فيلزم عدم إتمام الجواب ، فإنه حينئذ لا يفيد حكمه إذا زاد على القلتين والسؤال عن ذلك الماء كيفما كان والنووي إنما اقتصر على ما ذكره ; لأنه يقول بأن مفهوم الشرط حجة لكن قال الخبازي : ومعنى قوله إذا بلغ الماء قلتين يعني انتقاصا لا ازديادا ، فإن قيل فما فوق القلتين ما لم يبلغ عشرا في عشر ، فهو أيضا يضعف عن احتمال النجاسة فما الفائدة في تخصيصه بالقلتين قيل له من الجائز أنه كان يوحي إليه بأن مجتهدا سيجيء ويقول بأن الماء إذا بلغ قلتين لا يحتمل النجاسة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ردا لذلك القول ا هـ .
وهو كما ترى في غاية البعد قال المحقق في فتح القدير : فالمعول عليه الاضطراب في معنى القلة ، فإنه مشترك يقال على الجرة والقربة ورأس الجبل وما فسر به منقطع للجهالة ، فإنه قال في مسنده : أخبرني الشافعي عن مسلم بن خالد الزنجي بإسناد لا يحضرني { ابن جريج هجر } قال أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثا وقال في الحديث بقلال رأيت قلال ابن جريج هجر فالقلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا قال : رحمه الله تعالى فالاحتياط أن تجعل قربتين ونصفا فإذا كان خمس قرب كبار كقرب الشافعي الحجاز لم ينجس إلا أن يتغير وهجر بفتح الهاء والجيم قرية بقرب المدينة فثبت بهذا أن حديث القلتين ضعيف ، فإن قلت : قد صححه ابن ماجه وابن خزيمة وجماعة من أهل الحديث قلت من صححه اعتمد بعض طرقه ولم ينظر إلى ألفاظه ومفهومها إذ ليس هذا وظيفة المحدث والنظر في ذلك من وظيفة الفقيه إذ غرضه بعد صحة الثبوت الفتوى والعمل بالمدلول ، وقد بالغ الحافظ عالم العرب والحاكم أبو العباس بن تيمية في تضعيفه وقال يشبه أن يكون غلط في رفع [ ص: 87 ] الحديث وعزوه إلى الوليد بن كثير ، فإنه دائما يفتي الناس ويحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم والذي رواه معروف عند أهل ابن عمر المدينة وغيرهم لا سيما عند سالم ابنه مولاه ، وهذا لم يروه عنه لا ونافع سالم ولا ولا عمل به أحد من علماء نافع المدينة وذكر عن التابعين ما يخالف هذا الحديث ثم قال فكيف تكون هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عموم البلوى فيها ، ولا ينقلها أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان إلا رواية مختلفة مضطربة عن لم يعمل بها أحد من أهل ابن عمر المدينة ولا أهل البصرة ولا أهل الشام ولا أهل الكوفة وأطال رحمه الله تعالى الكلام بما لا يحتمله هذا الموضع ولا يضر الحافظ ما أخرجه عن الدارقطني سالم عن أبيه لضعفه وقول النووي بأن حدها هو ما حده رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوجب الله طاعته وحرم مخالفته وحدهم يعني الحنفية مخالف حده صلى الله عليه وسلم مع أنه حد بما لا أصل له ولا ضبط فيه مدفوع بأن ما استدللتم به ضعيف كما تقدم ، وما صرنا إليه يشهد له الشرع والعقل أما الشرع فقد قدمنا الأحاديث الواردة في ذلك
وأما العقل ، فإنا نتيقن بعدم وصول النجاسة إلى الجانب الآخر أو يغلب على ظننا والظن كاليقين فقد استعملنا الماء الذي ليس فيه نجاسة يقينا لم يقدر ذلك بشيء بل اعتبر غلبة ظن المكلف ، فهذا دليل عقلي مؤيد بالأحاديث الصحيحة المتقدمة ، فكان العمل به متعينا ; ولأن دليلنا ، وهو حديث النهي عن البول في الماء الراكد ثابت في الصحيحين من رواية وأبو حنيفة وإسلامه متأخر وحديث القلتين حديث أبي هريرة وإسلامه متقدم والمتأخر ينسخ المتقدم لو ثبت . ابن عمر
وقال : الشافعي لو زال تغير القلتين بنفسه طهر الماء مع بقاء البول والعذرة وغيرهما من النجاسات ، فيكون حينئذ نجاسة البول والعذرة والخمر باعتبار الرائحة واللون والطعم لا لذاتها ، وهذا لا يعقل ولا تشهد له أصول الشرع ولو أضيفت قلة نجسة إلى قلة نجسة عادتا طاهرتين عندهم وهذا يؤدي إلى تنجس الماء الطاهر بقليل النجاسة دون كثيرها ; لأنهم نجسوا القلة الطاهرة برطل ماء نجس ، ولم ينجسوها بقلة نجسة من الماء بل طهروها بها ، ويؤدي أيضا إلى تولد طاهر باجتماع نجسين ، وهذا مما تحيله العقول . وأحمد
[ ص: 84 ]