الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وهو طعم أو لون أو ريح ) أي الأثر ما ذكر وحاصله أن الماء الجاري وما هو في حكمه إذا وقعت فيه نجاسة إن ظهر أثرها لا يجوز الوضوء به ، وإلا جاز ; لأن وجود الأثر دليل وجود النجاسة ، فكل ما تيقنا فيه نجاسة أو غلب على ظننا ذلك لا يجوز الوضوء به جاريا كان أو غيره ; لأن الماء الجاري لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه كما قد يتوهم ، وظاهر ما في المتون أن الجاري إذا وقعت فيه نجاسة يجوز الوضوء به إن لم ير أثرها سواء كان النجس جيفة مرئية أو غيرها ، فإذا بال إنسان فيه فتوضأ آخر من أسفله جاز ما لم يظهر في الجرية أثره قال محمد في كتاب الأشربة : ولو كسرت خابية خمر في الفرات ورجل يتوضأ أسفل منه فما لم يجد في الماء طعم الخمر أو ريحه أو لونه يجوز الوضوء به وكذا لو استقرت المرئية فيه بأن كانت جيفة إن ظهر أثر النجاسة لا يجوز ، وإلا جاز [ ص: 89 ] سواء أخذت الجيفة الجرية أو نصفها إنما العبرة لظهور الأثر ويوافقه ما في الينابيع قال أبو يوسف في ساقية صغيرة فيها كلب ميت سد عرضها فيجري الماء فوقه وتحته أنه لا بأس بالوضوء أسفل منه إذا لم يتغير طعمه فيها أو لونه أو ريحه وقيل ينبغي أن يكون هذا قول أبي يوسف خاصة أما عند أبي حنيفة ومحمد لا يجوز الوضوء أسفل من الكلب ا هـ .

                                                                                        ما في الينابيع لكن المذكور في الفتاوى كفتاوى قاضي خان والتجنيس والولوالجي والخلاصة وفي البدائع وكثير من كتب أئمتنا أن الأثر إنما يعتبر في غير الجيفة أما في الجيفة ، فإنه ينظر إن كان كله أو أكثره يجري عليها لا يجوز الوضوء به ، وإن كان الأقل يجوز الوضوء ، وإن كان النصف فالقياس الجواز والاستحسان أنه لا يجوز ، وهو الأحوط ونظير هذا ماء المطر إذا جرى في ميزاب من السطح ، وكان على السطح عذرة فالماء طاهر ; لأن الذي يجري على غير العذرة أكثر ، وإن كانت العذرة عند الميزاب ، فإن كان الماء كله أو أكثره أو نصفه يلاقي العذرة فهو نجس ، وإن كان أكثره لا يلاقي العذرة فهو طاهر وكذا أيضا ماء المطر إذا جرى على عذرات واستنقع في موضع كان الجواب كذلك ورجح في فتح القدير أن العبرة لظهور الأثر مطلقا ; لأن الحديث ، وهو قوله { الماء طهور لا ينجسه شيء } لما حمل على الجاري كان مقتضاه جواز التوضؤ من أسفله ، وإن أخذت الجيفة أكثر الماء ولم يتغير فقولهم إذا أخذت الجيفة أكثر الماء أو نصفه لا يجوز يحتاج إلى مخصص قال ويوافقه ما عن أبي يوسف وقد نقلناه عن الينابيع

                                                                                        وقال تلميذه العلامة قاسم في رسالته المختار اعتبار ما عن أبي يوسف ا هـ .

                                                                                        لكن لقائل أن يقول الأوجه ما في أكثر الكتب وقد صححه في التجنيس لصاحب الهداية ; لأن العلماء رضي الله عنهم إنما قالوا بأن الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة يجوز الوضوء به إذا لم ير أثرها ; لأن النجاسة لا تستقر مع جريان الماء فلما لم يظهر أثرها علم أن الماء ذهب بعينها ولم تبق عينها موجودة فجاز استعمال الماء أما إذا كانت النجاسة جيفة ، وكان الماء يجري على أكثرها أو نصفها تيقنا بوجود النجاسة فيه ، وقد تقدم أن كل ما تيقنا وجود النجاسة فيه أو غلب على ظننا وجودها فيه لا يجوز استعماله فكان هذا مأخوذا من دلالة الإجماع ; لأن الحديث لما حمل بالإجماع على الماء الذي لم يتغير لأجل أنه عند التغير تيقن بوجود النجاسة كان التغير دليل وجود النجاسة فيما يمكن فيه ذلك أما في الجيفة فقد تيقنا بوجودها فلا يجوز استعمال الماء التي هي فيه أو أكثرها أو نصفها من غير اعتبار التغير ; لأن التغير لما كان علامة على وجود النجاسة لا يلزم من انتفائه انتفاؤه فكان الإجماع مخصصا للحديث [ ص: 90 ] وما قلناه مأخوذ من دلالة الإجماع هذا ما ظهر للعبد الضعيف لكن ينبغي أن تعلم أن هذا أعني قولهم إذا أخذت الجيفة أقله يجوز الوضوء إذا لم يظهر أثر النجاسة ، وأن قولهم إذا أخذت الجيفة الأكثر أو النصف لا يجوز يعنون ، وإن لم يظهر أثر النجاسة

                                                                                        وأما التوضؤ في عين والماء يخرج منها ، فإن كان في موضع خروجه جاز وإن كان في غيره فكذلك إن كان قدره أربعا في أربع فأقل وإن كان خمسا في خمس اختلف فيه واختار السعدي جوازه والخلاف مبني على أنه هل يخرج الماء المستعمل قبل تكرر الاستعمال إذا كان بهذه المساحة أو لا وهذه مبنية على نجاسة الماء المستعمل كذا في فتح القدير وقد [ ص: 91 ] قدمنا أن الفتوى على الجواز مطلقا ، وكذا صرح في الفتاوى الصغرى وألحقوا بها بالجاري حوض الحمام إذا كان الماء ينزل من أعلاه حتى لو أدخلت القصعة النجسة واليد النجسة فيه لا تتنجس وهل يشترط ومع ذلك تدارك اغتراف الناس منه فيه خلاف ذكره في المنية ، وفي المجتبى الأصح أنه إن كان يدخل الماء من الأنبوب والغرف متدارك فهو من كالجاري وتفسير الغرف أن لا يسكن وجه الماء فيما بين الغرفتين قال في فتح القدير : ثم لا بد من كون جريانه لمدد له كما في العين والنهر ، وهو المختار ا هـ .

                                                                                        وفي السراج الوهاج ولا يشترط في الماء الجاري المدد وهو الصحيح ا هـ

                                                                                        وفي التجنيس والمعراج وغيرهما الماء الجاري إذا سد من فوق فتوضأ إنسان بما يجري في النهر وقد بقي جري الماء كان جائزا ; لأن هذا ماء جار ا هـ فهذا يشهد لما في السراج وذكر السراج الهندي عن الإمام الزاهد أن من حفر نهرا من حوض صغير وأجرى الماء في النهر وتوضأ بذلك الماء في حال جريانه فاجتمع ذلك الماء في مكان واستقر فيه فحفر رجل آخر نهرا من ذلك المكان وأجرى الماء فيه وتوضأ به في حال جريانه فاجتمع ذلك الماء في مكان آخر أيضا ففعل رجل ثالث كذلك جاز وضوء الكل ; لأن كل واحد منهم إنما توضأ بالماء حال جريانه والماء الجاري لا يحتمل النجاسة ما لم يتغير .

                                                                                        وعن الحسن بن زياد ما يدل على جواز وضوء الثاني والثالث ، فإنه قال في حفرتين يخرج الماء من أحدهما ويدخل في الأخرى فتوضأ فيما بينهما جاز والحفيرة التي يدخل فيها الماء تفسد وإذا كان معه كميزاب واسع ومعه إداوة من ماء يحتاج إليه ، وهو على طمع من وجود الماء ولكن لا يتيقن ذلك ماذا يصنع حكى عن الشيخ الزاهد أبي الحسن الرستغفني أنه كان يقول يأمر أحد رفقائه أن يصب الماء في طرف من الميزاب ، وهو يتوضأ فيه وعند الطرف الآخر من الميزاب إناء يجتمع فيه الماء فالمجتمع طاهر وطهور لأن استعماله حصل في حال جريانه والماء الجاري لا يصير مستعملا باستعماله ومن المشايخ من أنكر هذا القول وقال في الماء الجاري إنما يصير مستعملا إذا كان له مدد كالعين والنهر أما إذا لم يكن له مدد يصير مستعملا والصحيح القول بدليل مسألة واقعات الناطفي أن النهر إذا سد من فوق فتوضأ إنسان بما جرى ، فإنه يجوز ، فإن هناك لم يبق للماء مدد ومع هذا يجوز التوضؤ به ا هـ . ما ذكره السراج الهندي .

                                                                                        واعلم أنه قد تقدم عن فتح القدير أن قولهم ما اجتمع في الحفيرة الثانية فاسد ، وكذا كثير من أشباه ذلك إنما هو بناء على نجاسة الماء المستعمل فأما على المختار من طهارته فلا فلتحفظ ليفرع عليها ولا يفتى بمثل هذه الفروع .

                                                                                        [ ص: 89 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 89 ] ( قوله لأن التغير لما كان علامة على وجود النجاسة لا يلزم من انتفائه انتفاؤه ) قال في النهر : أقول : قد تقرر أن الجاري ، وما في حكمه لا يتأثر بوقوع النجاسة فيه ما لم يغلب عليه بأن يظهر أثرها فيه فمجرد التيقن بوجود النجاسة لا أثر له ، وإلا لاستوى الحال بين جريه على الأكثر أو الأقل فما في الفتح أوجه ا هـ .

                                                                                        وأقول : لا يخفى منع الملازمة التي ادعاها ; لأنه إذا كان الأقل جاريا على الجيفة ، وإن تحقق بوجودها ولكن ما استعمله من هذا النهر مثلا لم يحصل التيقن بكونه جرى عليها بل ولا غلبة الظن ، وليس المراد أنه يعتبر مجرد التيقن بوجود النجاسة بل مع غلبة الظن باستعمال ما جرى عليها بدليل التفرقة ، وإن كان ليس ذلك في كلامه لكنه مراد بقرينة السياق فتأمل منصفا ثم رأيت في شرح هدية ابن العماد لشيخ شيوخ مشايخنا العارف بالله تعالى سيدي عبد الغني النابلسي قال بعد نقله لكلام النهر قلت نعم مجرد التيقن بالنجاسة لا أثر له ولكن هذا في نجاسة غير مرئية في الماء كالبول والغائط والدم والخمر إذا تيقنا وقوعه فيه فلا ينجس ما لم يظهر الأثر ، وأما في نحو الجيفة المرئية المتحققة أي احتياج إلى اشتراط الأثر مع تحقق وجودها في الماء فما في البحر أوجه ا هـ .

                                                                                        قلت : ولا بد من ضم ما قلناه ليتم الجواب ، وإلا فمجرد ذلك لا يكفي وبعد هذا فما ذكره الشارح تبع فيه ما في أكثر الفتاوى ولكنه قدم أن ظاهر ما في المتون اعتبار ظهور الأثر مطلقا ومما هو معلوم أن ما في المتون مقدم على ما في الشروح وما في الشروح مقدم على ما في الفتاوى فالظاهر تقديم ما هو ظاهر المتون لا سيما وقد رجحه المحقق ابن الهمام وتلميذه العلامة قاسم وقد مشى عليه الشيخ علاء الدين في شرح التنوير قال وأقره المصنف .

                                                                                        وفي القهستاني عن المضمرات عن النصاب وعليه الفتوى . ا هـ .

                                                                                        ( تنبيه ) : هاهنا مسألة مهمة لا بأس بالتعرض لها ، وإن كان في ذكرها طولا لاغتفاره بشدة الاحتياج إليها فنقول قال العلامة عبد الرحمن أفندي العمادي مفتي دمشق في كتابه هدية ابن العماد : مسألة : قال صاحب مجمع الفتاوى في الخزانة ماء الثلج إذا جرى على طريق فيه سرقين ونجاسة إن تغيبت النجاسة واختلطت حتى لا يرى أثرها يتوضأ منه ولو كان جميع بطن النهر نجسا ، فإن كان الماء كثيرا لا يرى ما تحته فهو طاهر ، وإن كان يرى فهو نجس وفي الملتقط قال بعض المشايخ الماء طاهر ، وإن قل إذا كان جاريا قلت وهذه المسائل يستأنس بها لما عمت به البلوى في بلادنا من اعتيادهم إجراء الماء بسرقين الدواب فلتحفظ ، فإنها أقرب ما ظفرنا به [ ص: 90 ] في ذلك بعد التنقيب والتنقير في الكتب المعتبرات وأن ذلك من أهم المهمات ولا سيما إذا انضم إلى ذلك ما ذكر ابن نجيم وغيره في فروع القاعدة المشهورة أعني قولهم المشقة تجلب التيسير من العفو عن نجاسة المعذور وعدم الحكم بنجاسة الماء إذا لاقى المتنجس إلا بالانفصال وما ذكروه في الحكم بالطهارة في الاستنجاء مع أن الماء كلما لاقى النجاسة ينجس وبأن الماء لا يضره التغير بالمكث والطين والطحلب وكلما يعسر صونه عنه ا هـ .

                                                                                        وقد أطال هنا سيدي العارف في شرحه ولكن أذكر منه المحتاج إليه في شرح هذا المحل فنقول السرقين هو الزبل ومعنى كون النجاسة تغيبت عدم ظهور أثرها ، وهذا مبني على عدم اشتراط المدد في الماء الجاري والظاهر أن المراد بقوله لا يرى ما تحته لا ترى النجاسة التي هي في بطن النهر حتى لو كانت ترى والماء يمر عليها فهي بمنزلة الجيفة ومقتضاه نجاسة ذلك الماء وإن كان جاريا وما نقله عن الملتقط معناه إذا لم يظهر في الماء أثر النجاسة ، ويكون هذا كالقول الآخر في مسألة الجيفة الناظر إلى ظهور الأثر وعدمه وحاصل الكلام على ما عمت به البلوى أنه يعتبر تغير أحد الأوصاف بنجاسة السرقين وعدم ذلك فإذا وضع السرقين في مقسم الماء إلى البيوت ونحوها المسمى بالطالع وجرى مع الماء في القساطل فالماء نجس فإذا ركد الزبل في وسط القساطل وجرى الماء صافيا كان نظير مسألة ما لو جرى ماء الثلج على النجاسة أو كان بطن النهر نجسا وجرى الماء عليه ولم تتغير أحد أوصافه بالنجاسة ، فإن ذلك الماء طاهر كله وكذلك هذا فإذا وصل الماء إلى الحياض في البيوت ، فإن وصل متغير أحد الأوصاف بالزبل أو عين الزبل ظاهرة فيه فهو نجس من غير شك فإذا استقر في حوض دون القدر الكثير فهو نجس ، وإن صفا بعد ذلك في الحوض وزال تغيره بنفسه ; لأنه ماء نجس والماء النجس لا يطهر بزوال تغيره بنفسه لا سيما وقد ركد الزبل في أسفله ، وإن استقر في حوض كبير فهو نجس أيضا ما دام متغيرا أو زال تغيره بنفسه أيضا

                                                                                        وأما إذا استمر الماء جاريا بعد ذلك إلى أن أتى الماء صافيا وزال تغير الحوض بذلك الماء الصافي ، فإنه يطهر الماء كله سواء كان الحوض صغيرا أو كبيرا ، وإن كان الزبل في أسفله راكدا ما دام الماء الصافي في ذلك الحوض يدخل من مكان ويخرج من مكان فإذا انقطع الجريان بعد ذلك ، وكان الحوض صغيرا والزبل في أسفله راكدا فالحوض نجس إلى أن يصير الزبل الذي في أسفله حمأة ، وهي الطين الأسود فلا يكون نجسا حينئذ ، وإذا كان الحوض كبيرا فالأمر فيه يسير هذا ما نعامل به أنفسنا في هذه المسألة حيث ابتلينا بها ولم نجد فيها نقلا صريحا ا هـ .

                                                                                        كلامه قدس سره قلت ومعنى قوله فالحوض نجس إلى أن يصير الزبل الذي في أسفله حمأة فلا يكون نجسا حينئذ يعني إذا جرى بعد ذلك لا بمجرد صيرورة الزبل حمأة كما يعلم مما مر ثم قال قدس سره وظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا أن العفو في ذلك كائن وإن ظهر أثر السرقين في الماء حملا على التغير بالمكث ونحو ذلك مما فيه الضرورة والصواب ما ذكرناه أولا أن أثر النجاسة إذا ظهر في الماء فلا عفو حينئذ لعدم الضرورة بانتظار صفو الماء غايته العفو عن النجاسة المستقرة في باطن القساطل إذا جرى الماء عليها صافيا على حسب ما قدمنا بيانه وعدم تنجيس الماء الطاهر بالزبل النجس للضرورة حيث لا يجري الماء إلا به لكونه يسد خروق القساطل فلا ينفذ الماء منها ويبقى جاريا فوقه ا هـ .

                                                                                        قلت ولا يخفى أنه على القول باشتراط ظهور الأثر في الجاري يكون طاهرا فلا حاجة إلى القول بالعفو عنه بناء عليه ثم نقل عن ابن حجر الشافعي في شرح العباب بناء على قول الإمام الشافعي رحمه الله إذا ضاق الأمر اتسع أنه لا يضر تغير أنهر الشام بما فيها من الزبل ولو قليلة ; لأنه لا يمكن جريها المضطر إليه الناس إلا به ا هـ .

                                                                                        قال والظاهر من قوله لا يضر إلخ أن المعفو عنه عنده أثر الزبل لا عينه ، وهذا كله بناء على نجاسة الزبل عندنا وعند الشافعي رحمه الله ثم نقل عبارات الفقهاء في ذلك وحاصلها أن الروث والخثى عند مالك رحمه الله طاهران وعن زفر روث ما يؤكل لحمه طاهر وعنه أيضا مطلقا كمالك ثم قال وفي كتاب المبتغى بالغين المعجمة الأرواث كلها نجسة إلا رواية عن محمد أنها طاهرة للبلوى ، وفي هذه الرواية توسعة لأرباب الدواب فقل ما يسلمون عن التلطخ بالأرواث والأخثاء فتحفظ هذه الرواية ا هـ .

                                                                                        كلام المبتغى قال : وإذا أردت تقليد من يقول بالطهارة فانظر في شروطه في باقي المسألة واعمل على ذلك

                                                                                        وإن قلنا بالفتوى على قول زفر في طهارة الأرواث كلها بالنسبة إلى تغير الماء بها في بلادنا هذه فلا يبعد ; لأن الضرورة داعية إلى ذلك كما أفتى علماؤنا رحمهم الله بقول محمد رحمه الله في [ ص: 91 ] طهارة الماء المستعمل لأجل الضرورة وتركوا في ذلك قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله بالنجاسة وأفتوا بقول زفر وحده في مسائل معدودة خمسة ا هـ .

                                                                                        كلامه قدس سره والذي يقوي ما ذكر من عدم البعد في الفتوى بطهارة الأرواث ما قدمه عن المبتغى من التوسعة لأرباب الدواب وأنه رواية عن محمد أيضا ولا شك في الضرورة في هذه كما وسع على أرباب الدواب ، فإن الضرورة فيهم ليست بأشد مما هنا ، فإن أكثر المحلات مياهها قليلة وأن حياضها لا تكون ملأى دائما والماء ينقطع تارة ويجيء أخرى وفي غالب الأوقات يستصحب الماء عين الزبل ويعسر الاستعمال من غير هذا الماء سيما على النساء في بيوتهن فلا يمكنهن الخروج ، وعند قطع الأنهر لكريها تشتد الضرورة إلى ذلك مع أن الحياض في أسفلها عين الزبل غالبا ويستمر انقطاعها أي أياما { وما جعل عليكم في الدين من حرج } .

                                                                                        ( قوله : وألحقوا بالجاري حوض الحمام ) قال الرملي أقول : وبالأولى إلحاق الآبار المعينة التي عليها الدولاب ببلادنا إذ الماء ينبع من أسفلها والغرف فيها بالقواديس متدارك فوق تدارك الغرف من حوض الحمام فلا شك في أن حكم مائها حكم الجاري فلو وقع في حال الدوران في البئر والحال هذه نجاسة لا يتنجس تأمل والله تعالى أعلم .




                                                                                        الخدمات العلمية