فصل فإذا أعار ثوبا ليرهنه فلا يخلو إما أن لم يسم له شيئا أو سمى له مالا أو عين له متاعا أو شخصا ، فإن فله أن يرهن بأي قدر وبأي نوع شاء ; لأنه طلب منه قضاء دينه من هذا المال مطلقا ; لأن الرهن إيفاء واستيفاء حكما ، ولو طلب منه قضاء دينه من ماله جاز فكذا هذا والاستعارة وجدت مطلقة فقد رضي المعير بأن يرهن بما شاء كما لو استعار من رجل دابة ولم يسم ما يعمل بها فله أن يركب ويركب غيره ويحمل عليها فكذا هذا ، وإذا أعار ثوبا ليرهنه وعين له مكانا أو شخصا ، ولم يسم ما يرهنه به ، فإن كانت قيمتها سواء أو أكثر فرهنه بأقل مما سمي فيتضرر به المعير ، فإن بعضه يكون أمانة عند المرتهن وهو لم يرض بذلك بل طلب أن يجعل كله مضمونا ، وأما إذا رهنه بأكثر فلأنه قد يحتاج المعير إلى الفكاك ليصير إلى ملكه وربما يتعسر عليه الفكاك متى زادت على المسمى ; لأنه قد لا يجد الزيادة على المسمى فيتضرر به وهو قد رضي بضمان قليل ، ولم يرض بقضاء دين كثير فصار مخالفا ، وإن كانت قيمة الثوب أقل من المسمى بأن سمى مالا مقدورا فرهن بأقل أو أكثر ، فإن رهن بقدر قيمته تسعة لا يضمن وأما إذا رهنه بجنس آخر ضمن في الفصول كلها ; لأن مقصوده من تسمية الدراهم أن يرجع عليه بالدراهم متى هلك الثوب ومتى رهن بالطعام لا يمكنه الرجوع عليه بالدراهم ولأنه ربما يحتاج إلى انفكاك وربما يتيسر له الفكاك بالدراهم ويتعسر عليه الفكاك بالطعام فيلحقه زيادة ضرر وأما إذا أعار ثوبا ليرهنه بعشرة وقيمته تسعة ضمن ; لأنه ربما يحتاج إلى أن يقضي دينه لاستخلاص ملكه والناس يتفاوتون في القضاء والاقتضاء فكذلك في الحفظ والأمانة فالرضا بحفظ زيد لا يكون رضا بحفظ عمرو فالخلاف يخلفه زيادة ضرر ، ولو أعاره ليرهنه من إنسان بعينه فرهنه من غيره بالكوفة فرهنه بالبصرة ضمن ; لأن البلدان والأمكنة متفاوتة في الحفظ والصيانة ولأنه يخاف خطر الطريق متى نقل ولأنه قد يتيسر له الفكاك في المكان المشروط ويتعسر عليه الفكاك في غيره . أعاره ليرهنه
وإذا اختلفا في الهلاك أو النقصان قبل الاسترداد من المرتهن أو بعده فالقول للمستعير والبينة للمعير ; لأنه يدعي قضاء دينه من ماله والمستعير ينكر ، فإن ادعى الراهن أن المستعير استرد الرهن قبل الافتكاك وصدقه المرتهن يصدق الراهن ; لأن الراهن والمرتهن تصادقا على فسخ الرهن والرهن عقد جرى بينهما [ ص: 306 ] فيكون القول قولهما أنهما فسخا ذلك كما في المتبايعين ولأن المعير ادعى أنه قضى دينه من ماله وأنكر الراهن فيكون القول قوله ويرجع المعير على الراهن بقدر ما يذهب عنه بالدين ; لأنه قد صار قاضيا دينه من ماله بهذا القدر بأمره ، فإذا هلك عند المستعير قبل الرهن أو بعد الفكاك لا يضمن ; لأن إما بالخلاف أو بأن يقضي دينه منه ، ولم يوجد أحدهما وإما لا يضمن بالقبض والدفع إلى المرتهن ; لأنه حصل بإذن المالك قضى الراهن دينه وبعث وكيلا يقبض العبد فهلك في يد الوكيل ضمن المستعير إلا أن يكون من عياله كالمودع ، وهذه تدل على أن المستعير ليس له أن يودع من ليس في عياله . المستعير إنما يضمن العارية بأحد أمرين
وإن كان له أن يعير من ليس في عياله ، وفي الحالين دفع الأمانة إلى من ليس في عياله وذلك ; لأن الدفع إلى الأجنبي في العارية إنما حصل بإذن المالك ; لأن المعير ملك المنفعة بالإعارة من ملك المنفعة بغير بدل لم يملك المنفعة الوديعة ليحصل له الإذن تبعا لتملك المنفعة رهن المستعار بألف وقيمته ألف ، ولم يقبض المال فهلك في يد المرتهن فعلى الراهن ألف للمعير وعلى المرتهن ألف للراهن ; لأن المقبوض على سوم الرهن مضمون على القابض كالمقبوض بحقيقة الرهن فضمن المرتهن مثل المسمى وهو ألف للراهن وما أخذ من المرتهن بدل العبد فيكون لمالك العبد من حيث إنه بدل ملكه لا من حيث إنه قضى دينه من ماله ، فإنه لم يكن عليه دين للمرتهن استعار من رجلين متاعا للرهن ، ثم قضى نصف المال ، وقال هذا عن نصيب فلان يكون عنهما ; لأن كل جزء من أجزاء الرهن محبوس بجميع الدين إذ لو جعلنا كل جزء محبوسا ببعض الدين يمكن الشيوع في الرهن وأنه يوجب بطلان الرهن فلا يمكن أن يجعل البعض محبوسا ببعض الدين فلهذا لو قضى كان ما قضى عن جميع العبد .