( قوله : طاهر لا مطهر ) اعلم أن الكلام في الماء المستعمل يقع في أربعة مواضع : والماء المستعمل لقربة أو رفع حدث إذا استقر في مكان
الأول في سببه وقد أشار إليه بقوله لقربة أو رفع حدث الثاني في وقت ثبوته وقد أشار إليه بقوله إذا استقر في مكان الثالث في صفته وقد بينها بقوله طاهر الرابع في حكمه وقد بينه بقوله لا مطهر والزيلعي رحمه الله أدرج الحكم في الصفة وجعل قوله طاهر لا مطهر بيانا لصفته والأولى ما أسمعتك تبعا لما في فتح القدير أما الأول فقد ذكر أبو عبد الله الجرجاني أنه يصير مستعملا بإقامة القربة بأن ينوي الوضوء على الوضوء حتى يصير عبادة أو برفع الحدث بأن توضأ المحدث للتبرد أو للتعليم بلا خلاف بين أصحابنا الثلاثة وذكر خلافا . أبو بكر الرازي
وقال : إنه يصير مستعملا بإقامة القربة أو رفع الحدث عندهما ، وعند بإقامة القربة لا غير استدلالا بمسألة الجنب إذا انغمس في البئر لطلب الدلو فقال محمد الماء طاهر طهور لعدم إقامة القربة فلو توضأ محدثا بنية القربة صار الماء مستعملا بالإجماع ، ولو محمد لا يصير [ ص: 96 ] مستعملا بالإجماع ، ولو توضأ أو متوضئ للتبرد صار مستعملا عندهما خلافا توضأ المحدث للتبرد ، ولو لمحمد صار مستعملا عند الثلاثة قال توضأ المتوضئ بنية القربة شمس الأئمة السرخسي التعليل بعدم إقامة القربة ليس بقوي ; لأنه غير مروي عنه والصحيح عنده أن إزالة الحدث بالماء مفسدة له إلا عند الضرورة كالجنب يدخل البئر لطلب الدلو ومن شرط نية القربة عند لمحمد استدل بمسألة البئر وجوابه أنه إنما لم يصر مستعملا للضرورة لا ; لأن الماء لا يصير مستعملا بإزالة الحدث ، فصار كما لو أدخل الجنب أو الحائض أو المحدث يده في الماء لا يصير مستعملا للضرورة والقياس أن يصيره مستعملا عندهم لإزالة الحدث ولكن سقط للحاجة ا هـ . محمد
وأقره عليه العلامة كمال الدين بن الهمام والإمام الزيلعي وصرح في البدائع أن الخلاف لم ينقل عنهم نصا ، وإنما مسائلهم تدل عليه وكذا في المحيط لكن قال : وهذا الخلاف صحيح عند ; لأن تغير الماء عند محمد باعتبار إقامة القربة به لا باعتبار تحول نجاسة حكمية إلى الماء وعندهما تغير الماء باعتبار أنه تحول إليه نجاسة حكمية ، وفي الحالين تحول إلى الماء نجاسة حكمية فأوجب تغيره ا هـ . محمد
والذي يدل على صحة الخلاف ما نقله في المحيط والخلاصة وكثير من الكتب وعزاه الهندي إلى صلاة الأثر أن لمحمد أجزأه عن غسل اليد ولا يصير مستعملا عند الرجل إذا أخذ الماء بفمه ، وهو جنب ولا يريد المضمضة فغسل يده به لعدم قصد القربة ، وإن زال الحدث عن الفم لكن يقال من جهة محمد شمس الأئمة السرخسي إن إنما لم يقل بالاستعمال للضرورة ; لأن إزالة الحدث لا توجب الاستعمال ، وقد علل به في المحيط فقال لم يحكم باستعمال الماء للضرورة ، ويؤيده ما في فتح القدير أن الذي نعقله أن كلا من التقرب الماحي للسيئات والإسقاط مؤثر في التغير ألا ترى أنه انفرد وصف التقرب في صدقة التطوع ، وأثر التغير حتى حرم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم رأينا الأثر عند ثبوت وصف الإسقاط معه غير ذلك ، وهو أشد فحرم على قرابته الناصرة له فعرفنا أن للأثر تغيرا شرعيا وبهذا يبعد قول محمدا إنه التقرب فقط إلا أن يمنع كون هذا مذهبه كما قال محمد شمس الأئمة . ا هـ .
ولو غسل يده للطعام أو منه صار الماء مستعملا ; لأنه أقام به قربة ; لأنه سنة ، ولو غسل يده من الوسخ لا يصير مستعملا لعدم إزالة الحدث وإقامة القربة كذا في المحيط ، وهذا التعليل يفيد أنه كان متوضئا ولا بد منه كما لا يخفى وقوله فيما قبله ; لأنه أقام قربة يفيد أنه قصد إقامة السنة فلو لم يقصدها لا يصير مستعملا ، وفيه لو وصلت شعر آدمي إلى ذؤابتها فغسلت ذلك الشعر الواصل لم يصر الماء مستعملا ، ولو غسل رأس إنسان مقتول قد بان منه صار الماء مستعملا ; لأن الرأس إذا وجد مع البدن ضم إلى البدن وصلي عليه فيكون بمنزلة البدن والشعر لا يضم مع البدن فبالانفصال لم يبق له حكم البدن فلا تكون غسالته مستعملة قال الولوالجي في فتاويه : وهذا الفرق يأتي على الرواية المختارة إن شعر الآدمي ليس بنجس أما على الرواية الأخرى لا يتأتى ، فإنه نجس ينجس الماء ا هـ .
وفي المبتغى وغيره وبتعليم الوضوء للناس لا يصير مستعملا إذا لم يرد به الصلاة بل أراد تعليمه ا هـ .
ولا يخفى أن التعليم قربة فإذا قصد إقامة القربة ينبغي أن يصير الماء مستعملا كغسل اليدين للطعام ، فإنه لم يرد به الصلاة بل إقامة القربة كما لا يخفى ويؤيده ما في شرح النقلية أولا أن القربة ما تعلق به حكم شرعي ، وهو استحقاق الثواب ولا شك أن في التعليم المقصود ثوابا ، وقد يجاب عنه بأن هذا الماء لم يستعمل لقربة ; لأن القربة فيه ليست بسبب استعماله إنما هي بسبب تعليمه ; ولذا لو علمه بالقول استغني عن هذا الفعل بخلاف غسل اليدين من الطعام ، فإن القربة فيه لا تحصل إلا باستعماله فافترقا .